إن الأحداث الجسام التي تعيشها الأمة ابتداء من طوفان الأقصى، تجعل من لا زاد له ملتفتا، حائرا، مشككا، ضائعا، يائسا. وأقصد هنا زاد اليقين وتعلم اليقين، فقد جاء في مسند الإمام أحمد أن أبا بكر رضي الله عنه خطب في الناس يوما فقال: قال صلى الله عليه سلم: “يا أيها الناس إن الناس لم يعطوا في الدنيا خيرا من اليقين والمعافاة فسلوهما الله عز وجل” 1. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “تعلموا اليقين كما تعلموا القرآن حتى تعرفوه فإني أتعلمه” 2. ومن خلال هذه المنعطفات الحاسمة التي يعيشها العالم، لا بد للواحد منا من جلسة متأنية مع نفسه ليطمئن قلبه أولا، وينشر الاطمئنان بين خلق الله. ولن نجد خيرا من الرجوع إلى الخطاب القرآني والهدي النبوي، المؤسسان لرؤية استشرافية فاحصة باعثة للاطمئنان، إنها سنة الله في أرضه وخلقه، إنها إرادة الله في كونه.
من هنا جاءت تجربتي مع قراءة كتاب “سنة الله” للإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، كانت تجربة شخصية فريدة لفهم ومدارسة سنن الله من خلال التبصر بأحوال الأمم السابقة لاستشراف التجربة البشرية التاريخية ونقلها للاعتبار والنظر في أحوال الماضي والحاضر والواقع على ضوء القرآن الكريم والسنة المشرفة، الكتاب دعوة صريحة لإعادة قراءة الوقائع الحالية والأحداث التاريخية والتغيرات الجغرافية التي عرفها العالم كدلالة على سنة الله، فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر: 43]، تتجلى من خلال صفحات الكتاب المشوقة الرؤية الثاقبة لصاحبه رحمه الله.
نعم إنها رؤى عديدة استشرافية متميزة للمستقبل التي تفرد بها الإمام في استقراء سنة الله الكونية والنفسية والآفاقية، والدعوة إلى تقييم عميق للماضي والدعوة للاستفادة منه والتحليل الرشيد للواقع وفهمه، انطلاقا من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول الإمام رحمه الله “في هذا الكتاب نتتلمذ للقرآن وحده (..) ونخضع لسلطة السنة المطهرة باذلين الجهد لكيلا تطغى اللغة المحملة في هذا العصر بالماديات على خطابنا” 3، وموضوع الكتاب هو المواجهة بين الإسلام وروح الجاهلية الصهيونية الجاثمة على جسد الجاهلية، ويعتبر الكتاب من الكتب المؤسسة لفكر الجماعة في التدافع بين الحق والباطل، جاء محملا برسائل ودروس وعظات عميقة، تنفض عن القلب والعقل ما قد علق بهما من غبار الفتنة أمام تسلط اليهود وتجبرهم وفحشهم وكيدهم. وجاء كجلسة مع الذات لنتطهر فكريا من الذهول أمام قوة العدو وتسلطه، فإذا ما أسقطنا الأمر على غزة اليوم، وما حدث ويحدث بها من أهوال وجرائم وإبادة بالعقل المادي الصرف، فلن يتقبل هذا العقل اختلال موازين القوى، لكن لما نزن الأمر بسنة الله وموعود الله وبآيات القرآن الكريم نراها بوادر وإشارات عظمى إن شاء الله تعالى لغلبة هذا الدين ووعد الآخرة.
شخص الإمام رحمه الله في الفصل الأول المعنون بـ”القاسية قلوبهم” أسباب انحطاط الأمة وضعفها وتخلفها وفق مفاهيم منهاجية تتجلى في:
• رحى الإسلام: يحدد الدورة التاريخية المنهاجية للأمة، التي ابتدأت بالتقاء القرآن والسلطان على عهد النبوة والخلافة الراشدة الأولى، وتوسطت بافتراق القرآن والسلطان على عهد الملك العاض والجبري كما أخبرنا رسولنا الكريم، ثم التقاء القرآن والسلطان كما بشرنا رسولنا الكريم ثم خلافة على منهاج النبوة.
• الفتنة: فصل الإمام في تاريخ الفتنة ووقائعها وآثارها على مستقبل الأمة.
• الجاهلية: حدد رحمه الله أركانها في ظن الجاهلية، وتبرج الجاهلية، وحكم الجاهلية، وحمية الجاهلية. وهي أركان تتأسس عليها سواء الجاهليات السابقة أو الجاهلية التي نحن في تدافع معها.
• داء الأمم: من حقد وتحاسد وبغض وأطر وشر سبب انحطاط الأمم، والذي أُصبنا به بسبب مخالطتنا بحامليهم من جهة ومن جهة أخرى بما كسبت أيدينا وما صنعت أنفسنا، فمرض جسم الأمة بالوهن والغثائية، وأصبحت الأمم تتهاوى علينا كما تتهاوى الأكلة على قصعتها.
• قلوب كالحجارة: ثمرة للداء العضال الكامن في النفوس، وأصحاب القلوب القاسية هم اليهود.
ثم أبرز الإمام رحمه الله من خلال الفصل الثاني المعنون بـ”روح الجاهلية” طبيعة الصهيونية، وهي روح ساكنة في جسم الجاهلية “الغرب”، وحدد رحمه الله طبيعتها وطبيعة هذا الجسد الذي تتمدد فيه هذه الروح، ميزتها أنها محرفة للمعتقدات والدين، معتقداتهم ليست أصيلة منبثقة من أنبيائهم، بل هي من كتابات كتبها الأفاكون. وأمام الأمة الإسلامية معركة حاسمة ومواجهة محتمة مع هذه الروح الشريرة، يتحقق من خلالها وعد الآخرة.
استمر رحمه الله في وصف جسد الصهيونية من الفصل الثالث رغم أن عنوانه “الصحوة الإسلامية”، غير أنه شخص سماتها في الشرق الجاهلي بعدما عالجها في الغرب الجاهلي في الفصول الأولى، بيّن الإمام رحمه علاقتها بالشيوعية والماركسية اللنينية، ويستدل على ذلك من خلال شهادات اليهود أنفسهم؛ يقول موشيهاس أحد رواد الصهاينة: إن الفكر الماركسي بالرغم من كل شيء فكر يهودي، وإن الأممية دعوة يهودية… وفي الوقت ذاته شخص الإمام في هذا الفصل بوادر الصحوة الإسلامية التي عرفتها الأمة، وأحاط رحمه الله بمكامن قوتها وضعفها، والإكراهات التي تتعرض له. ربط الإمام حديثه عن الصحوة المتمثلة في الجهاد الأفغاني، والثورة الإيرانية، والمقاومة اللبنانية… فلما تحدث عن الصراع والحرب بين الأفغان والروس تطرق إلى الماركسية والشيوعية وعلاقتها مع الصهيونية وكيف تمددت فيها، كما اعتبر الصحوة الإسلامية روحا، وشخص الجسد الذي عليه النهوض بهذه الروح المتمثل في جسم الأمة أو كما سماها الإمام بقواعد الإسلام، وهي التمركز العددي للمسلمين في أرض الإسلام وغيرها من كل بقاع العالم… وحذر الإمام من بصمات الجاهلية وآثارها على فكر المسلمين، بتسرب التحليل المادي السطحي الصرف إلى فكرنا، أو في ممارسة الإسلاميين أو الخلط الممكن أن يقع للإسلاميين أو المغررين بالجهاد الأفغاني أو المعجبين بصعود الصحوة الإسلامية، كون هذا النصر الذي يلوح في الأفق من صنع أيدينا أو أسبابه مادية.. بل هو من صنع الله وإرادته الكونية. ينتقد الإمام كذلك من يدعي انتسابه للإسلام واعتزازه بالهوية الإسلامية والتاريخ المجيد للأمة دون أن يربط ذلك بأصل الوجود والعمران وهي العبودية لله والفوز بوجه الله. انتقد أيضا من يبني الصراع مع العدو على أساس القومية والعرق والتاريخ دون ربط ذلك بأساس وجودنا؛ تعمير الأرض على أساس الاستخلاف، وعبادة الله أفرادا وجماعات. وأكد رحمه الله على ضرورة تشخيص مواطن قوة واستعلاء العدو، وأن نكون حرصين من مخططاته وعلى علم بمشروعه وسياسته، وهذا واجب على كل واحد منا – ونحن الأمة المستضعفة – في موضع الدفاع والتصدي.
بينما يستمر الإمام في الفصل الرابع “من الشكوى العاجزة إلى الوعود الناجزة” في التكلم عن الصحوة الإسلامية، وتسليط الضوء على الواجبات والآليات والوسائل للنهوض بهذه الصحوة لكي تكون في مستوى التحديات والانتظارات؛ انتظارات وعد الآخرة، كيف تنتقل هذه الصحوة من العجز والتباكي والشكاوى بالمظلومية إلى التحرر والفعل وإنجاز وعد الله وبشارة رسول الله”. الفطرة إذا فسدت والحكم إذا خبث، هما ابتلاء أمة الإسلام وسبب ضعفها وهوانها، فانهيار الحضارات راجع إلى انهيار القيم وتفكك الأسر ولفساد الحكم. ومن خلال محاور هذا الفصل قدم الإمام رحمه الله معالم البناء والتحرير نحو تحقيق وعد الآخرة، فجاءت كالتالي:
• قل هو من عند أنفسهم: ضرورة التربية لإرجاع الفطرة إلى السكة الصحيحة، التربية القلبية الإيمانية لإصلاح ما فسد بالقلب.
• شباب الصحوة إلى الرجولة: طبيعة جند الله كي يتحقق على أيديهم وعد الله وبشارة نبيه، من استكملت فيهم شروط النصر، معاني الرجولة بالتربية الإيمانية الإحسانية.
• ناموس الأسباب: ومن ناموس الأسباب الأخذ بكل الأسباب المشروعة والضرورية لتحقيق الإيمان والنصر المرهون والمشترط بالعمل الصالح والتربية الإيمانية الإحسانية.
• المروءة والخلق: في غياب الأخلاق وتدنيها انهيار لطريق النصر، إذ حذر الإمام من صفة الملتزم في غياب الإيمان والأخلاق من شخصية المؤمن والمؤمنة، وأكد رحمه الله أن تحقق نصر الله تعالى ونجاح الصحوة مشروط بالأخلاق الحسنة والفطرة السليمة.
• القومة، الخلافة الثانية: عملية طويلة النفس عالية المقصد، لها أسباب موضوعية من قبيل التدبير والتخطيط والمناورة والتنفيذ، ولها أسباب غيبية هي سنة الله في الآفاق والأنفس، بعيدة عن معاني الثورة المعروفة بالعنف والفوران والغليان، والقومة من القائم وصفا لخروج أصحاب الحق الغاضبين لله ودينه على ظلم السلطان الجائر، ومن شروط القومة التعبئة للجهاد، والعمل كي نصبح جماعة مؤمنة مخلصة صادقة متطهرة من شوائب الفتن، متحررة من رق الدنيا وهوى النفس والشيطان وشيطنة الجاهلية، كي تصطف جماعة المسلمين في صف واحد على أساس بناء حزب الله وتربية حزب الله، قائدة للعصيان المدني والغضب لله، هنا يعطينا الإمام خطة عملية واستراتيجية واضحة لنقود القومة بحنكة ومهارة وبحيلة الحرب خدعة، ولا يشترط في الحرب سفك الدماء، دعوة الإمام حتى في الصراع بين الحق والباطل مبنية على الرفق واللين تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يشترط في الصراع رفع السلاح (وإن كان أحيانا ضروريا كسنة من سنن الله في الكون).
وفي خاتمة الكتاب المعنونة بـ”بين يدي الساعة” يضع الإمام رحمه بين أيدينا مجموعة من الأحاديث النبوية المبشرة بالخلافة على منهاج النبوة؛ بأن هذا الدين سيظهر على الدين كله ولو كره الكافرون. تلتقي مقدمة الكتاب مع خاتمته، فالأخيرة تتحدث عن وعد الآخرة وعن بشارة رسول الله بالتقاء القرآن والسلطان، والفقرة الأولى تتحدث عن رحى الإسلام التي ابتدأت بالتقاء القرآن والسلطان وافتراقهما ثم عودة التقائهما على عهد الخلافة الثانية، وما يصاحب ذلك من نزول سيدنا عيسى عليه السلام وانتشار الأمن والسلام الذي يعم الأرض.. إلى باقي علامات الساعة الأخرى التي أدرجها الإمام في خاتمة الكتاب.
نقف، بعد مرور ما يقارب أربعة عقود على تأليف الكتاب وعقدين على تنزيله ونشره، لى جملة من الملاحظات الجوهرية نستنبطها من عنوان محور في الكتاب “ورطتهم أفغانستان”، وعلى منواله نقول “ورطتهم غزة”، في تأكيد لسنة الله من قبل ومن بعد:
– يرصد الإمام رحمه الله من خلال الكتاب ما تسبب فيه جند الله الأفغان المنبثقين من جبال أفغانستان بفطرتهم السليمة وتشبثهم بكتاب الله، وإمكانياتهم المنعدمة، فأول ما حاربوا به عصي، في ورطة للدب الروسي، الجيش الأحمر الذي لا يقهر، ها هي غزة مع طوفان الأقصى تُسقط نظرية “الجيش الذي لا يقهر” رابع قوة عسكرية في العالم، المدعوم بالأسطول المشترك الأمريكي والأوروبي، وسر الصمود والثبات يكمن في التشبث بالقرآن واليقين التام بالنصر الموعود.
– ورطة لأمريكا التي أبانت عن وجهها المزدوج ومعاييرها المزدوجة، ونفاقها وانتهازيتها، في الوقت الذي تدعم فيه الكيان الصهيوني للسيطرة على القدس والأقصى، تدافع عن الأفغان أمام الروس في الأروقة الدبلوماسية العالمية وفي الإعلام الداخلي والخارجي. وها هي اليوم ورطتهم غزة وأظهرت الوجه المنافق للغرب عموما وازدواجية معاييره وسياسة الكيل بالمكيالين وسقوط قناع مناداته باحترام الإنسانية والقيم العالمية الكونية المشتركة، ودعمه للصهاينة بالمال والسلاح والموقف، بل مشاركتها في مخططاتها الإجرامية والإبادة وجرائم الحرب ضد غزة.
– ورطة لبني جلدتنا من حكام العرب الحلفاء المنافقون المداهنون لقوى الشر في تخويف الأفغان ودفعهم إلى إنهاء الصراع بالحل السلمي من جهة، ومن جهة أخرى التعتيم الإعلامي على أخبار الأفغان حتى لا تصل إلى الشعوب وتحيا فيها معاني الجهاد.. ها هي غزة اليوم تفضح خنوع وذل حكام العرب في تأكيد لسنة فساد الحكم وانتقاض عروته؛ عروة عروة. اليوم بعد المداهنة والنفاق انتقلنا إلى علاقات التطبيع العلانية مع الكيان اللقيط، وفتح الأبواب لتمدد روح الجاهلية “الصهيونية ” في جسد الأمة، ونشر أمراضها وبلائها في هذا الجسد المعتل أصلا.
– ما عاشه الأفغان ما بين أواخر السبعينيات والثمانينيات من جوع وتكالب وخذلان “يموت جياع أفغانستان ويتأوه جرحى أفغانستان لا يجدون اللقمة ولا المأوى ولا الدواء ولا اليد الحانية المواسية” (ص167)، امتحان وتمحيص للعديد من المسلمين حينها، والتاريخ لا ينسى القاعد والمتخاذل والمتورط، نفس الأمر نعيشه مع غزة اليوم ولا من يتعظ ويأخذ الدروس والعبر، أمام الحق ودعمه امتحان يُميز الله به الخبيث من الطيب. فكما كان جهاد الأفغان تمييزا وتمحيصا وبشرى خير أيضا أحيت معاني الجهاد في قلب الأمة، نفس الشيء تفعله غزة اليوم التي غربلت أهل الحق والباطل ولا حياد بينهما.. إنها سنة الله التي لا تحابي أحدا.
وفي الختام؛ كما نصر الله الأفغان على روسيا بعد توقيع اتفاقية جونيف سنة 1987 وخروجها تجر أذيال الخيبة والهزيمة، وما تلاه اقتتال داخلي للفصائل الإسلامية حول السلطة انتهى بتدمير أفغانستان واحتلاله من طرف أمريكا، هو سنة كذلك من سنن تعاقب النصر والهزيمة الواجب الاتعاظ بها ما تخلى المسلمون عن شروط النصر، فبعد سنوات من الاحتلال الأمريكي خرجت هي الأخرى تاركة للأفغان جروحا ودروسا ومصيرا لبناء الذات أمام التحديات. فسنة الله في نصر المؤمنين ما أخذوا بالأسباب، مستمرة ومتمثلة في طوفان الأقصى، إرادة الله في كونه، أسقط أسطورة الجيش الذي لا يقهر، ورطته وأذلته المقاومة الفلسطينية بصمودها وثباتها وقوة يقينها ومواجهتها لأكثر من عام بمعدات بسيطة… وها نحن خلال مرحلة طوفان الأقصى نعيش مزيدا من الأحداث العظام، فرحة النصر في سوريا، تحررها من يد الطاغية ومن إجرامه الذي دام أكثر من 13 سنة، بل تحررها من إجرام الحزب البعثي الذي جثم على سوريا لأكثر من 50 سنة، نسأل الله تعالى أن يسددهم وينور بصيرتهم ويستفيدوا من دروس التاريخ الغير البعيد لإخواننا الأفغان، بتجاوز كل التحديات والعقبات لبناء دولة العدل والحرية المنشودة بسوريا بإرادة مستقلة ورؤية مستنيرة. فهل من متعظ من سنة الله وإرادته الكونية؟! ونعيش خلال طوفان الأقصى، حرب الصهاينة على لبنان واستشهاد القادة وقسم ظهر جبهة المقاومة اللبنانية، فكيف السبيل للنهوض من جديد وتقوية الجبهة والاستفادة من الأخطاء الاستراتيجية؟! وها نحن اليوم نعيش بطشا آخر واستقواء آخر للأطماع التوسعية لهذه الآلة المتغطرسة التي لا تشبع من الدماء والضحايا، تنادي من خلال إجرامها وضرباتها هل من مزيد؟! الهجوم المفاجئ والدامي الذي نفذه الكيان داخل إيران، ما هو إلا دليل تاريخي آخر على مكر وإجرام هذا السرطان ذو الشهية المفتوحة لمزيد من المخططات التخريبية والتوسعية في العالم. الهجمة كانت مغامرة صهيونية، جعلت الكيان في ورطة حقيقية، وأعطت إيران يقظة استراتيجية نوعية، رغم الأثمان الباهظة التي قدمتها، خصوصا من رجالاتها العلمية والعسكرية، لكن الرد الإيراني أعاد إنتاج التوازن في الإقليم في ميزان الردع والرعب، وأربك خطط الكيان وحطم صنم الاستقواء ونشوة النصر، وكبده خسائر فادحة على عدة مستويات، مما أدى إلى التسريع في البحث عن اتفاق لوقف النار. وما هذا الصراع في سنة الله إلا جزء من الصراع الطويل بين الكيان المحتل والأمة الإسلامية، والذي سيستمر إلى أن ينصر الله عباده وينصر جنده متى اتخذوا الأسباب واستكملوا الشروط.
إننا في طريقنا إلى وعد الله ووعد الآخرة ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلما مرت الأيام إلا لاحت في الأفق تباشير هذا النصر، فصمود المقاومة الإسلامية الفلسطينية للسنة الثانية من عمر طوفان الأقصى في ظروف الحصار والتكالب أبهر العقل البشري المادي الصرف، بمعدات بسيطة وأقدام حافية يكبد المجاهد الغزي العدو المتغطرس على أرض الميدان خسائر فادحة، هذا هو اليقين في معية الله وعونه لعباده الصالحين. نعم الكون يتهيأ لأمر عظيم، وإننا في مفترق الطرق، والناظر ببصره المادي وعقله السطحي سيفشل في الامتحان والتمحيص، والمتفحص للأحداث ببصيرته ويقينه وعقيدته الصادقة في موعود الله، لا يرى إلا تباشير النصر الموعود تلوح في الأفق، رغم الأثمان الباهظة في الأرواح والعمران وكل مقومات الحياة بالقطاع، لكنه طريق النصر والحرية الوحيد أمام القلوب الثابتة المؤمنة بموعود الله.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يستخدمنا ولا يستبدلنا، وأن نكون ممن ينصر الله على أيديهم هذه الأمة ولو بكلمة الحق، وجهاد الكلمة، والمرابطة على شعور اليقين بالنصر.