الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان.. مدخل لإصلاح الواقع المنحبس

Cover Image for الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان.. مدخل لإصلاح الواقع المنحبس
نشر بتاريخ

منذ الاستقلال المنقوص والمغاربة يحلمون بوطن العزة والكرامة والحرية على هذه الأرض الحبيبة، غير أن تضحيات المقاومة والمقاومين من أبناء هذا الشعب كانت ثمرتها للأعيان وخدام الاحتلال الذين وضعهم قبل خروجه لينوبوا عنه في افتراس ثروات البلاد لصالحه، مقابل الكراسي والمناصب والامتيازات التي يستفيد منها من باع الوطن بثمن بخس خدمة لمصالحه الشخصية، حيث تم تنزيل برامج المغتصب للأرض لتطويع الشعب وضمان استمرار تبعيته، وذلك بالتحكم في سياسته التعليمية والتربوية وتدمير ومحاربة كل ما يتعلق بالعقيدة والأخلاق والأعراف والتقاليد والهوية.

غاية ذلك بناء شخصية ممسوخة يكون ولاؤها للغرب ويسهل اقتيادها من قبل الاستكبار العالمي، وهذا لا يعني أنهم نجحوا في هذا المخطط الخطير، فليس كل أبناء الشعب مطية يسهل ترويضها، خاصة ممن لا يقبل الذل والهوان ولا ينصاع لمن أراد بوطنه الخراب والسوء، وهذه الفئة الممانعة شكلت معارضة قوية على اختلاف تشكيلاتها وتوجهاتها الفكرية والسياسية، ورغم ما لاقته من سنوات الجمر والرصاص إلا أنها بقيت ثابتة على مبادئها في الدفاع عن الوطن وهويته، تضحيات كان ينتظر المغاربة منها تغيير قواعد التحكم والاستبداد وبناء مغرب الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين أفراده من حيث الحقوق والواجبات.  

واستمر مسلسل تسويق الأوهام من خلال الانتخابات والحكومات المتعاقبة التي لا تحكم من أمرها شيئا، مسلسل يحاكي السراب الذي يبدده واقع القهر والفقر والعطالة، وبرامج انتقائية بأثر محدود لا يتناسب مع الميزانيات المرصودة ولا يستفيد منها الجميع أفرادا ومناطق بشكل متساو، بل هي مواسم لترويج الأحلام الزائفة، وإطالة عمر الاستبداد، وتكريس المؤسسات الصورية، والتأكيد على أن السلطة بيد نظام واحد لا يقبل من يشاركه في تدبير شؤون الوطن، بل من يشاركه ثروة الوطن.  

واتسعت الهوة بين المغاربة حين استمر الاستبداد ومنظومته في التغول واحتكار السلط واحتكار كل مقدّرات البلاد التي لو سخرت كما يجب لعاش الشعب في رفاهية وفي سعة من أمره.

 وجاءت أحداث الربيع العربي لينتفض المغاربة طلبا لأبسط الحقوق في العيش الكريم وتوفير المستشفيات وتعليم لا يستثني أبناء المغرب المنسي، فكان جواب هذه المطالب اعتقالات بالجملة واغتيالات لبعض من خرجوا لإسماع صوتهم، مثل كمال عماري وقبله محسن فكري وغيرهما… 

وتزايدت وتيرة التنكيل بأبناء الشعب المغربي بعد التطبيع المقيت مع الكيان الصهيوني المجرم الذي يرتكب مجازر وحشية وإبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني، رغم رفض المغاربة لجميع أشكال التطبيع الذي سيأتي على الأخضر واليابس في وطننا الحبيب، فما دخل هذا الكيان المجرم أرضا إلا عتى فيها نهبا وسرقة وأفسد الأخلاق ونشر المنكرات واستباح المحرمات، ورغم التحذير المستمر من خطورة هذا التطبيع إلا أن النظام لم يتجاوب مع مطالب الشعب، حيث قابل ذلك الرفض بالاعتقالات والمتابعات والمحاكمات، ولو لمجرد التدوين على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، ما يؤكد أن نظامنا ماض في هذا الطريق المسدود مادام يخدم الصهاينة.

لا أريد أن أفصل في هذا المقال في جميع اختلالات وواقع ما يعيشه المغرب بسبب سياسة سبقتنا إليها دول كانت تعيش تحت شعار “الحق الإلهي في الحكم”، وبالرجوع إلى التاريخ نعرف جيدا كيف انتهى بهم الأمر نتيجة للاحتقان وسلب جميع الحقوق الطبيعية والمكتسبة للمواطن.  

من أجل كل هذا وغيره جاءت الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان بهدف تحريك المياه الراكدة؛ حبا في الوطن، ورغبة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وإذا كانت ثلة من الغيورين على هذه الأرض يرفضون الفساد ويحللون أشكاله ويمعنون في توصيفه، فإن جماعة العدل والإحسان من خلال وثيقتها السياسية قدمت مقترحات واقعية لتغيير الفساد، بل دعت جميع الشركاء والفرقاء السياسيين والفضلاء إلى مناقشة هذه المقترحات والسعي إلى تنزيلها على أرض الواقع، وأكدت أنها عمل إنساني لا يدعي الكمال. وأرى أنه من الجرأة الأخلاقية ونحن على متن سفينة واحدة يتهددها خطر الغرق بسبب استشراء الظلم والاستبداد، أن تنبري هذه الجماعة إلى عرض مشروع يسهم بالدفع بالسفينة لبر الأمان، لا أن تنتظر غرقها دون أن تحرك ساكنا.

وإنه لحري بكل الفضلاء أن يشاركوا في هذا التغيير بتقديم مقترحات من أجل تحريك قاطرة الوطن الذي نحلم به جميعا على اختلاف المشارب والتوجهات، فما يجمعنا كمغاربة أكثر مما يفرقنا، علما أن ما نختلف فيه يحتاج لأرضية ديمقراطية صالحة للنقاش لا تُشوّش عليها المشوشات المصطنعة التي لا تقبل هذا التقارب بين الفرقاء رغم اختلاف المرجعيات، ومن المعلوم أن الاختلاف وقبول التنوع المحمود يخدم بناء الوطن مادام أن المشترك هو الحفاظ على القيم الإنسانية التي تجعل من الإنسان محور الاهتمام وأساس بناء العمران، ولعل الوثيقة السياسية قد أكدت على هذا الأمر، حيث جعلت مقترحاتها تصب في خدمة الصالح العام الذي يجعل من الإنسان قطب رحى هذا التغيير المنشود والذي يسعى إلى بث روح الطمأنينة الذاتية والجماعية عند الإنسان، ويربطه بحقيقة وجوده واستخلافه وعبوديته لخالقه.