“النساء الباكيات”.. عار المغرب المنسي

Cover Image for “النساء الباكيات”.. عار المغرب المنسي
نشر بتاريخ

بين جسد مستباح، وحق مسلوب، وواقع مأزوم تتمحور حياة «النساء الباكيات»؛ عاملات المزارع. تتعايش هؤلاء النساء بمضض مع شظف العيش، لكسب الخبز الأسود الملوث بعرق الذل، ونحيب القهر. يتصالحن مع هذا الواقع المر لإنقاذ أسرهن من مهانة الإملاق، وبؤس الحاجة والعوز، ومذلة السؤال، إمعانا منهن للحفاظ على الصورة المثلى للإنسان المكرم فيهن.

تتقاسم هؤلاء النسوة عبء تكاليف الحياة، وظروف العمل القاسية، وزهادة الأجور، وفكر مهموم بالمعيش اليومي. تمتهن كرامتهن، وتنتهك أجسادهن، ويستعبدن بصك عمل أقرب للسخرة والاسترقاق منه لعقد عمل، يفتقد لأبسط الشروط العادلة، ولأدنى الحقوق المشروعة.

وواقع غيب معاناة نساء العمق المغربي المنسيات، من ينصفهن ويفعّل القوانين الدولية لتنزل حيز التنفيذ، ليتحقق التوازن المجتمعي لهذه الفئة الهشة، التي تتعرض لشتى أنواع الظلم والاستغلال المزدوج للجسد كآلة للعمل لا تتوقف/و كلحم سهل للعبث، مع تفشي ذهنية الاستعباد في مجال العمل، وسياسة الإقصاء وعدم الإنصاف، وتهميش جهودهن المبذولة للرفع من هذا القطاع، في إطار تفعيل اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء، الذي يعد قانونا دوليا خاصا بحقوق الإنسان.

ينبغي أن تعي هؤلاء النساء أنهن يقمن بعمل جليل، وأن لهن قيمة اقتصادية محورية في الحفاظ على أسرهن واقتصاد بلدهن، وأنهن تسهمن إسهاما كبيرا في تنمية مجتمعهن، وأن يدرك معهن أعضاء المجتمع هذا الدور الذي يقمن به، وما تتعرضن له من تبخيس وتحقير دون أدنى تعويض للجهد والتعب، وأن يتجاوزوا تلك الصورة النمطية السائدة التي تكرس الدونية التي توسم بها هؤلاء الكادحات، وما تسبب لهن من الضغط النفسي وآثاره النفسية والجسدية عليهن، تفقدن معه تقديرهن لذواتهن.

وتبقى التقارير التي قامت بها بعض الصحف والمواقع العالمية صادمة، وخاصة كل من “الباييس” الإسبانية، و”التايمز” الأمريكية، ما بين مزارع قرية “بالوس دي لا فرونتيرا”Palos de la frontière  جنوب إسبانيا إلى مزارع آيت عميرة جنوب أكادير. تقارير كشفت ما تتعرض له النساء العاملات من الاغتصاب والاتجار بالبشر، والإجهاض الذي صار طقسا في البيوت المكتظة بالنساء، ومن جملة تلك الشهادات النسائية «نشعر أننا عبيد أو أشبه بالحيوانات» (1). كما نشر موقع “بازفيد” الألماني تحقيقا بشراكة مع تلفزيون لوكسمبورغ “Rtl”، وموقع “كوريكتيف”، الذي ضم معطيات دقيقة عن عاملات مغربيات بجنوب إسبانيا، ومنطقة آيت عميرة جنوب أكادير، يتعرضن للاغتصاب المتكرر، كما تتعرض أخريات للاعتداء الجسدي واللفظي، ويضيف التحقيق أن حالات الاغتصاب ليست مقتصرة على منطقة بعينها، وإنما منتشرة في المجال الفلاحي عموما (2)، أمام تجاهل الحكومتين المغربية والإسبانية، بالرغم من وصول شكاوى الضحايا للقضاء سواء في المغرب أو إسبانيا.

وفي ظل انتشار فيروس كوفيد 19، تفاقمت أوضاع العاملات في المزارع، وما يواجهنه من عمل قسري وعنف تزايد خلال فترة الحجر الصحي، لزيادة الطلب على المنتوج الفلاحي، مع غياب شروط العمل الصحية، وانعدام أساليب الوقاية ووسائلها؛ كالنقل المزدحم، وعدم الحفاظ على مسافات الأمان، وعدم وضع كمامات، أو قفازات طبية، وعدم احترام عدد ساعات العمل، ومنهن من فضلن المكوث في البيوت خوفا من انتقال العدوى، مع صعوبة الوضع الاقتصادي دون مورد، أو تعويض مادي (3).

وتظل قضية النساء العاملات في المزارع ذات حضور محتشم على الصعيد الوطني، إلا من جهود متفرقة قامت بها بعض فعاليات المجتمع المدني، سلطت الضوء على معاناتهن، وعرت عن جشع أصحاب الضيعات، واستغلال أصحاب السلط في مجال العمل، وعن زيف القوانين التي تُعطل كلما كان المستفيد من طبقات المجتمع المنسي، وأبانت عن قبح المعايير المجتمعية السائدة، التي تقتضي التمييز بين النساء والرجال في العمل، وبالأخص في المجالات غير المهيكلة.


الهوامش:

(1) عايدة علمي، المغرب في عيونهم، ترجمة سعيد السالمي.

 http://xn--mgbelq7grb.lacom2.com/Maroc/1282

(2) www.driouch Coty.net

(3) سعيد لمرابط، عاملات زراعيات في أكادير.

www.alquds.co.uk