تُعتبر المقاومة الفلسطينية، برغم التحديات الكبرى التي تواجهها، نموذجا حقيقيا في القدرة على كسر المعادلات الظالمة وإعادة الممكن من بين طيات المستحيلات. هذه المقاومة التي بدأت بثلة قليلة، وموارد محدودة، استطاعت أن تُحيل المستحيل إلى واقع.
وفي كل جولة من جولات النضال، تتكسر الأسطورة التي تُروِّج للاحتلال الذي لا يقهر، وتعيد الأمل لشعوب المنطقة والعالم بأن الإرادة الحرة، مهما كانت محدودة، قادرة على تحدي أكبر القوى وأكثرها قوة.
فمنذ انطلاق الثورة الفلسطينية، مرورا بالانتفاضتين، وصولا إلى المقاومة المسلحة والشعبية المستمرة حتى اليوم التي كان أحدث إنجازاتها طوفان الأقصى الذي يعد أقوى تطبيق عملي واقعي لقوة الإرادة… أثبت الفلسطينيون أنهم لا يقبلون الخضوع والقهر.
وفي وقت كان فيه الاحتلال يظن أن القمع والتجويع سيثني الفلسطينيين عن المقاومة، كان الشباب الفلسطيني يبتكر وسائل جديدة للمقاومة تكسر الحواجز وتُشعل شرارة الأمل.
وقد أظهرت المقاومة الفلسطينية أن الإرادة لا تعرف الحدود، فحتى في أسوأ الظروف، حيث الفقر، والظروف المعيشية القاسية، والتهديدات اليومية من قبل الاحتلال، استطاع الفلسطينيون أن يصمدوا وأن يغيروا الكثير من المعادلات السياسية والعسكرية في المنطقة. فاستطاع الشعب الفلسطيني، الذي عاش تحت حصار طويل، أن يجعل من كل محنة أملا جديدا، ومن كل تحدٍ قوة دافعة لتحقيق أهدافه.
ما يميز المقاومة الفلسطينية أيضا هو قدرتها على إعادة ترتيب الأوراق في الساحة الإقليمية والدولية. وعلى الرغم من محاولات العزل والتهميش التي يتعرض لها الفلسطينيون، فإن قضيتهم تظل حية، وتظل تحرك الضمير العالمي وتُعيد تشكيل التحالفات الإقليمية. وتثبت بذلك أن المقاومة هي أكثر من مجرد مواجهة عسكرية، بل هي معركة شاملة على كل الأصعدة: السياسية، الاقتصادية، الإعلامية، والثقافية.
بمعنى آخر فإن المقاومة الفلسطينية ليست فقط كسرا للمعادلات العسكرية، بل هي أيضا كسر لمعوقات الوعي الجمعي العربي والعالمي، حيث تقدم بالملموس العملي أن ما هو مستحيل يصبح ممكنا بفضل الإصرار على الحق واليقين في النصر.
ومن تجليات نتائج هذه الإرادة الصلبة، إضافة إلى الإنجاز العسكري الكبير على أرض فلسطين بكسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر، فإن المقاومة الفلسطينية، التي برزت عبر عقود من الصمود والتضحية، تعد من بين أبرز القوى التي كسرت سطوة العديد من المفاهيم السياسية والاجتماعية، وعلى رأسها التهديد بمعاداة السامية الذي كان يُستخدم أداة لردع أي نقد للاحتلال الإسرائيلي أو تعاطف مع القضية الفلسطينية. وفي الوقت الذي كان فيه هذا الاتهام يوجَّه لمن يعبر عن موقف مناهض للاحتلال، نجحت المقاومة الفلسطينية في كسر هذا الحاجز وحررت فئات واسعة من الشعوب الغربية ونخبها من ذلك الطوق الذي كان يكبحها عن نبذ الإجرام الصهيوني وبالمقابل التضامن مع الفلسطينيين، ولعل المثال الساطع ما حدث خلال هذه السنة من حرب الإبادة في فلسطين حيث هبت شعوب ونخب الغرب للتضامن مع الفلسطينيين وإسقاط رهاب تهمة معاداة السامية.
وبهذا تكون المقاومة الفلسطينية قد نجحت في إعادة تشكيل الوعي العالمي، وكسر حاجز الخوف من التصدي للظلم، وخاصة في الدول التي يُحكِم فيها اللوبي الصهيوني قبضته على الإعلام والسياسة، وبدأنا نشاهد تزايد أعداد المتعاطفين مع فلسطين من وسط الشعوب والنخب في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك دولا كان يُعتقد أنها لا يمكن أن تتحرك ضد الضغوط الصهيونية، فأصبحت تُظهر تضامنا واضحا مع القضية الفلسطينية، وأبرزها أمريكا وفرنسا حيث تعشش الصهيونية بشكل أفحش من البلدان الأخرى.
هذا التوسع في دائرة التعاطف مع فلسطين يؤكد أن المقاومة الفلسطينية تستمر في كسر متاريس كان يُعتقد أنها عصية على الاختراق، وتفتح الطريق أمام وعي عالمي جديد.
في النهاية، إن إرادة الشعب الفلسطيني هي التي تقود هذه المعركة، وستظل تكسر الحواجز وتُعيد الممكن من بين المستحيلات مهما كانت التحديات.