المفكر الإسلامي الكبير محمد قطب في ذمة الله

Cover Image for المفكر الإسلامي الكبير محمد قطب في ذمة الله
نشر بتاريخ

انتقل إلى الرفيق الأعلى بمدينة جدة بالحجاز، صباح اليوم الجمعة 4 أبريل 2014، المفكر الإسلامي الكبير والداعية المجاهد محمد قطب عن سن ناهز الخامسة والتسعين عاما، بعد عشرات السنين قضاها في الدعوة إلى الله وفي المنافحة عن دينه وفي إثراء المكتبة الإسلامية بعشرات المؤلفات في الفكر والدعوة والأدب والعلوم الإنسانية.

ومحمد قطب الذي ولد في26 أبريل 1919 في بلدة موشا من محافظة أسيوط بمصر، هو شقيق شهيد القرآن سيد قطب رحمهما الله، وكان والدهما قطب إبراهيم مزارعا ولكنه كان من مثقفي قريته ومن أصحاب الرأي فيهم، بالإضافة إلى مكانة أسرته بينهم. أما والدته فهي السيدة فاطمة عثمان من أسرة عربية محبة للعلم.

كان شقيقه سيد أكثر الناس تأثيراً في توجيهه وتفكيره بل في حياته كلها؛ فهو الذي أشرف على تعليمه وتوجيهه وتثقيفه، وكان بالنسبة إليه بمثابة الوالد والأخ والصديق. يقول محمد قطب عن تأثير شقيقه سيد: لقد عايشت أفكار سيد بكل اتجاهاته منذ تفتح ذهني للوعي ولما بلغت المرحلة الثانوية جعل يشركني في مجالات تفكيره ويتيح لي فرصة المناقشة لمختلف الموضوعات ولذلك امتزجت أفكارنا وأرواحنا امتزاجاً كبيراً بالإضافة إلى علاقة الأخوة والنشأة في الأسرة الواحدة وما يهيئه ذلك من تقارب وتجاوب) 1 . وإلى شقيقه تأثر محمد قطب بخاله الأديب أحمد حسين الموشي الذي اشتغل بالصحافة والسياسة فأحرز شهرة في كلا الميدانين. تأثير جعل الوالدة تقرر أن تبعث بولديها سيد ومحمد إلى القاهرة ليتلقيا تعليمهما هناك. وفي القاهرة بدأ الفتى محمد دراسته من أولها فأتم المرحلتين الابتدائية والثانوية ثم التحق بجامعة القاهرة حيث درس اللغة الإنجليزية وآدابها، فتخرج منها عام 1940م وتابع دراسته في معهد التربية العالي للمعلمين فحصل على دبلومها في التربية وعلم النفس.

اعتقل محمد قطب مع شقيقه سيد إثر مسرحية “محاولة اغتيال عبد الناصر” الشهيرة في المنشية في أكتوبر عام 1954م، حيث تعرضا وباقي المعتقلين لكل ألوان التعذيب، ثم أفرج عن محمد بعد فترة وبقي سيد وراء القضبان مدة عشر سنوات. ثم أعيد اعتقال الاثنين عام 1965 ليتم إعدام سيد بعد عام منها ويستمر اعتقال محمد قطب إلى غاية عام 1971م.

كان محمد قطب يعتبر بأن العلوم الإنسانية نبتت في أوروبا ضمن جو معاد للدين، بسبب الظروف المحلية القائمة هناك منذ عصر النهضة، ونحن نقلناها كما هي، ودرسناها في مدارسنا وجامعاتنا بنفس الروح المجافي للدين والمعادي له، سواء شعرنا بذلك أم لم نشعر.. وقد آن لنا أن نتخلص من وطأة الغزو الفكري على عقولنا وأرواحنا، فنتناول هذه العلوم من منطلقنا الإسلامي، الذي لم يعرف العداوة بين الدين والعلم، ولا بين الدين والحياة) 2 .

وكان يعتبر أن المحنة القائمة في محيط الدعوة تبعث على الأسى الكثير، ولكن لا بد من دراسة أسبابها دراسة موضوعية فبعض هذه الأسباب قد يكون عائداً إلينا نحن، كما أن بقية الأسباب من صنع أعدائنا ولا شك. فمن جانبنا ينبغي أن نتساءل أترانا سلكنا المنهج الصحيح؟ وما المنهج الصحيح؟ أهو الاستكثار من الجماهير؟ أم هو البدء بإعداد مجموعة قليلة العدد نسبياً، تأخذ حظاً كاملاً من التربية التي أنشأ عليها رسول الله، صلوات وسلامه عليه وآله، أصحابه.. ثم تمضي القاعدة في الاتساع خطوة فخطوة ولكن على تمكن؟ وهل بدأنا التحرك الصحيح الذي هو تجلية العقيدة، وتقويم ما انحرف من مفهوماتها، مع التربية على مقتضى هذه العقيدة، تربية تحول مقتضياتها إلى سلوك واقعي؟ أم هو مجرد دروس تثقيفية في شتى المعارف الإسلامية؟) 3

وقد لمع اسم محمد قطب مع مؤلفاته الغزيرة التي امتحت من الرؤية الإسلامية، والتي كانت من المنارات التي استهدت بها أجيال كثيرة على مدى نصف قرن من الزمان. وأهم هذه المؤلفات: دراسات في النفس الإنسانية، التطور والثبات في حياة البشرية، منهج التربية الإسلامية، منهج الفن الإسلامي، شبهات حول الإسلام…

رحم الله المفكر الداعية محمد قطب، وأسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.


[1] من كتاب: علماء ومفكرون عرفتهم للأستاذ محمد المجذوب، ص 275 – 293، الطبعة الرابعة، دار الشواف، 1992، “بتصرف”.\
[2] المصدر السابق.\
[3] المصدر السابق.\