المغاربة يحبون النبي وفلسطين

Cover Image for المغاربة يحبون النبي وفلسطين
نشر بتاريخ

سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قصة حب طويلة وجميلة في قلوب المغاربة.. ففي حبه تُليت المدائح، واستشفع بمقامه البسطاء، وتعطرت بذكره المجالس، وفُضت بالصلاة عليه مشاجرات، وتنافس فى حبه المتنافسون، أولياء وفقهاء وخطاؤون ومجاذيب.

للمغاربة عشق فطري، لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. يكفي أن تعلم أن أروع ما قاله الشعراء وكتبه الأدباء في حب المصطفى هو نسمة مغربية لا تقوى على كلماتها سوى قلوب المحبين. قصيدة “البردة” للبوصيري وكتاب “الشفا” للقاضي عياض، رحمهما الله، تُعدان ثروة وطنية يعتز بها كل مغربي عبر الأزمان. فقصيدة البردة ينشدها المغاربة في أفراحهم وأحزانهم، في الأعراس والولائم والجنازات، وفي مواقف الحياة. ويتفنن أسيادنا الفقهاء في إنشادها بلحن مغربي، يعطر الأجواء محبة وعشقا وهياما. وكتاب الشفا قال فيه العلماء لولا عياض ما ذكر المغرب، وقال المحبون: لولا الشفا ما ذكر عياض، وأنشد بعضهم:

 كلهم حاول الدواء ولكن .. ما أتى بالشفاء إلا عياض

هذه المحبة والتقدير للجناب النبوي متأصلة في سلوكنا اليومي، فإذا تعثرت رجلاك تسمع من حولك من يقول ”أ رسول الله”، و إذا نشب  خصام تجد من يذكر الجميع بالصلاة على رسول الله، وإذا رفض لك أحد طلبا  تستجديه بـ“صل على النبي”، ولو أردت المناداة على شخص في الشارع لا تعرف اسمه فإنك تناديه بـ”سي محمَّد”.

وحتى الأذهان الشاردة أثناء خطب الجمعة، تنتبه فجأة عند سماع كلمة “رسول الله”، فتتمتم لا إراديًا: “صلى الله عليه وسلم”. لأنه فعلاً الحبيب بالفطرة في قلوب المغاربة، يتهافتون على اسمه لتسمية أبنائهم وأحفادهم ويقدرون آل البيت الشرفاء عبر القرون، مستحضرين قول الله جل وعز قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى.

المغاربة ورثوا هذا الحب النبوي بالفطرة أكابر عن أكابر، وتشربت قلوبهم أن  الله عز وجل صلى على سيدنا محمد، وطالبنا بالصلاة عليه. سيدنا محمد الذي أرسله الله (رحمة للعالمين). سيدنا محمد (العزيز عليه) أن نضل ونهلك، سيدنا محمد (الحريص) علينا، سيدنا محمد الذي (يرأف بنا ويرحمنا)، سيدنا محمد المستغفر لنا من أجل أن يغفر لنا الله ويسامحنا، لننجوا.

سيدنا محمد الذي اقترب وشاهد المحجوب عنا. وظل يحمل عبء المعرفة، لذلك أحزنته كل نفس ترفض الهداية، حتى عاتبه خالقه أنه يوشك أن يهلك نفسه من فرط الحزن فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا. وباخع أي مهلك نفسك من الحزن عليهم.

سيدنا محمد بن عبد الله الذي لم يقل كلمة تسوء امرؤًا قط، وما كان يمر -كما روت السيدة عائشة- إلا وقد قال الكلمة تطيب لها نفس المرء. وكان يقول لأصحابه لا تنزلوني منزلة لم ينزلنيها الله. أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة. وما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما. لأنّه كما قال عنه الله: لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم. لأنه الأحلم والأجمل والأشد صفاء ونقاء سريرة.

وروى أبو سعدة الخدري رضي الله تعالي عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يعلف البعير‏، ويكنس البيت‏، ويصلح النعل‏، ويرقع الثوب‏، ويحلب الشاة‏، ويأكل مع الخادم‏، ويطحن معه إذا تعب‏.‏

المغاربة يفرحون بمولد هذا النبي عليه الصلاة والسلام، ويتبركون ببركة مجيئه إلى الدنيا، ويفهم المحبون منهم بعض تجليات الآية من سورة الحجرات واعلموا أنَّ فيكم رسول الله. يدركون أن النبي حي فينا تعرض عليه أعمالنا ويدعو لنا ولو لم يكن جسدًا فأنفاسه حاضرة، ونفحاته آسرة، وصحبته واصلة.

جاء في كتاب الإحسان للإمام ياسين أن الإمام مالك رحمه الله كره أن يقال: “زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم”، لأن كلمة قبر تتنافى مع إجلال من هو عند الله أجل وأعظم قدرا من الشهداء الأحياء عند ربهم يرزقون فرحين… رسول الله فينا همسًا وسيرة وعملًا.. حُبًا وشوقًا وأملًا. وما رَمَّم إيمان هذه الامة، إلّا نّفحات زهرة الحب الإلهي النبوي .

ما عرف المغاربة طريقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعجب من طريق المحبة، لذلك فأجمل أمانيهم زيارة الروضة الشريفة يحملون قلوبهم بين أيديهم ليقدموها له في رحلةٍ طويلةٍ كانت تمتد لنحو خمسة آلاف كيلومتر وتستغرق شهورًا. كان الحجاج المغاربة يقصدون فلسطين أولا ليصلوا بالمسجد الأقصى ثم يكملون رحلتهم إلى الكعبة الشريفة ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم لإتمام شعيرة الحج. كان حجهم لا يكتمل دون الأقصى ولا يبدأ دون زيارته.

كانوا يربطون بين المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال فيما اصطلح عليه اسم تقديس الحج.. أي إتباع فريضة الحج بزيارة القدس، وقد تسللت محبة المسجد الأقصى إلى قلوبهم من خلال معجزة الإسراء والمعراج، ولأنه أولى القبلتين، ولأن الله أمرهم بحبه. لكن المعجزة التي استولت على قلوبهم وجعلتهم يهيمون بتلك البقعة المباركة، هي عندما جمع الله جميع الأنبياء حول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليصلي بهم إمامًا هناك.

كان ذلك اجتماعًا ربانيًا، ضمت صلاته محمدًا صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء الصالحين، حملة الهداية، وموكبها النوراني الذي لا ينقطع.

لقد أدرك معظم المغاربة أن المسجد الأقصى هو البوصلة فدافعوا عنه بمهجهم وأبلوا البلاء الحسن. وحين سُئل صلاح الدين عن سبب إسكانه المغاربة في المنطقة المجاورة لحائط البراق، وهي منطقة سهلية معرضة لعودة الصليبيين، قال: “أسكنت هناك من يثبتون في البر، ويبطشون في البحر، من استأمنهم على هذا المسجد العظيم، وهذه المدينة.”

المغاربة شعب يعشق تراب فلسطين الطاهر، فلا غرو أن يهب لإسناد إخوانه في الملة والدين منذ الوهلة الأولى لطوفان الأقصى ليلا ونهارا، شمالا وجنوبا، في تضامن لم يفتر ولم ينقطع، وأشكالا إسنادية مختلفة أبدع فيها المغاربة أطفالا وشبابا وشيبا.

إن سريان الكرامة والعزة في هذه الأمة عجيب، وما نشاهده اليوم من جهاد أهل غزة المستمر رغم الخذلان والإحاطة بهم والحصار والتجويع، هو آية الله لخلقه في هذا الزمن، وهو معجزة الإيمان الظاهرة المشرقة، هكذا يتجسد الإيمان عملًا، ويزهر حالًا، ويشق طريقه بلا اعتبار لقوة أرضية ولا حسابات مادية.

فمنذ الانكسار التاريخي وهذه الأمة تسام العذاب والأهوال وما كلّت ولا تعبت، وهناك أمم مع هزيمة واحدة رضخت بالكامل كما حدث في الحرب العالمية الثانية، في مئات المرات كان الأمر يبدو محسومًا وقد علا الأسافل وتحكموا في العباد بالحديد والنار، ثم يأتي رجل من لحم ودم وعقيدة فيهتف في الجموع فتحيا.. يأتي رجل يبعثه الله مجددا للدين فيحيي القلوب ويشحذ الهمم لأن هذه الأمة تكلؤها عناية الله لذلك يبعث سبحانه من يجدد لها دينها يقيض لها روحانية عارف تطير بها همته بأجنحة المحبة إلى رحاب الوحي والنبوة.

إنه النور المحمدي الذي يسري في القلوب، سند متصل قلب عن قلب إلى قلب المجاهد الأول النبي الشهيد. ومن عجيب ما قرأت في تفسير سورة البروج قول المفسرين وعلى رأسهم الفخر الرازي بأنها سورة نزلت لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وتعجبت كيف تكون هذه القصة للتسلية وقد انتهت بتحريق المؤمنين، والأعجب أنها سورة مكية أي أنها نزلت والمسلمون يومئذ يحتاجون إلى قصة تنتهي بنجاة أبطالها كي تبث فيهم الأمل، هذا بالمقاييس الأرضية، لكن بمقاييس الإيمان وحيث أن الخطاب موجه في تلك المرحلة المكية للخلّص السابقين الذين فتنوا ويفتنون كل يوم، فما يزيد إيمانهم إلا اتقادًا ولا ينظرون إلى أنفسهم ودنياهم مثقال من نظرتهم إلى دينهم، كانت تسليتهم في دينهم، فالسورة تقول لهم لا تخافوا على دينكم الذي تضحون له بالغالي والنفيس، فقد حدث ما هو أقسى وأشد من ذلك والله من ورائهم محيط…

في يوم قريب ستكون غزة فرح الناس وندمهم، سيسعد كل من قدم ولو دعوة في سجود، وسيندم كل من تخاذل، وكل قليل يحتسب. هذه حقيقة نعيدها ونكررها تيمنا بالقاعدة المغربية في محبة النبي “ما كتعاود غير الصلاة على رسول الله”.

ما عندكم ينفد وما عند الله باق…

والصلاة والسلام على نبينا المجاهد الشهيد.