المرأة ورمضان.. بين الموروث الاجتماعي والباعث الإيماني

Cover Image for المرأة ورمضان.. بين الموروث الاجتماعي والباعث الإيماني
نشر بتاريخ

نعيش نفحات شهر رمضان الكريم، الذي أجلّه الله عن سائر الشهور، فهو شهر التوبة والغفران، والذكر والقرآن، تستعد فيه الجنان وتغلق أبواب النيران. تتنزل فيه الرحمات وترفع فيه المؤونات. والكون على عجل واستعداد لاستقبال شهر المكرمات.  

أدرك سلفنا الصالح معنى رمضان، فكانوا يشرعون في الاستعداد له بستة أشهر قبل وستة أخرى بعد، وهم في إلحاح الطلب والدعاء بأن يبلغهم الله عز وجل له؛ لينالوا حظهم من عبادة الرحمن والانكباب على كتاب الله حفظا وتلاوة، حتى أن منهم من كان يغلق متجره ليتفرغ للعبادة.

غير أن أحوال المرأة وما خصها الله به كأنثى، منحتها من الخصوصية ما جعل بعض النساء تظن أنهن أقل عبادة أو أكثر تقصيرا، سواء في الأيام التي وضع الله عنها الصلاة والصيام، لقوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم” [1]، أو لالتزامها بوظائف التدبير المنزلي و التي تعتبرها أعباء قد تثنيها عن الاجتهاد في عبادة الله.

هي بواعث نفسية تقف بين الوازع الديني الذي يدعوها للظفر بأيام رمضان ولياليه، وإقامة الفرض والاستزادة في النفل، راجية الفوز بعطائه عز وجل الذي لا ينقطع. وبين موروث اجتماعي ساهم في بناء شخصيتها، وحافظت عليه تحت مسمى “العواشر”، واندرج ضمن العادات الاجتماعية.   

فما بين مطرقة تلك العادات التي دأبت على مزاولتها منذ أن كانت بنتا وصاحبتها وهي زوجة، سواء قبل شهر الصيام أو أثناءه، وواجب العبادات الذي يدعوها لاغتنام شهر الطاعات، تتأرجح بين الرغبة الدفينة في الحفاظ عليها، وبين فهم مكتسب جعلها تنبذها بدعوى أنها أعمال تُشغل عن ذكر الله، ومضيعة للوقت، وتدخل ضمن العادات الجارفة التي يجب على المؤمنة التخلص منها.

فما بين الإفراط والتفريطـ، وما بين العادة والعبادة يتأرجح فهم بعض النساء.

ولتحقيق التوازن المشروع، والتصالح مع الفطرة المطلوب، الذي يجعل من عادتها عبادة ووظيفتها طاعة، يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله “إن كانت طهارة القلب وصفاؤه هما الغاية، فإن طهارة الجسم جزء لا يتجزأ من عملية التطهير. طهارة الخبث وطهارة الحدث من وضوء وغُسل، ثم طهارة المكان شروط للصلاة، لا تصح إلا بها. تكون حركات الصلاة سخرية بالدين إن لم تتقن المصلية طهارة بدنها إتقانا يبدأ بالنية، ثم بطهارة الماء، ثم بالكيفيات الواردة في الشرع مما تكمل به الطهارة، أو تَحْسُن أو تنتقض” [2].

فالعبادة إذن تستوجب نظافة مادية وحسية، وإذا كان رمضان فرصة للنظافة القلبية فهو فرصة تتحينها المرأة لتجديد النظافة المادية، والتصالح مع الموروث الدفين في بنائها الاجتماعي، الذي يدعوها إلى استقبال ومواكبة رمضان بطقوس وعادات، يكفي أن تصحبها بتجديد النية وملازمة ذكر الله، لتضفي عليها طابع العبودية التي تستوجب القوة. لأن المؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف. وقوة البدن في خلوه من الأمراض والأسقام والراحة النفسية، وهو ما لا يتحقق إلاّ في بيت نظيف، وذكر دائم. 

والأكثر من ذلك فإن “الطهارة البدنية في حد ذاتها هدف إيماني. وهي متى اكتملت شروطها الشرعية وسيلة إلى الطهارة الكلية القلبية. لا تفتَح طهارة بدنية ناقصة باب الصلاة وباب الدين وباب الإيمان وباب الإحسان كما لا يفتح الأقفال مفتاح مقطوع الأسنان. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الوضوء والطهارة، ويعلم النساء ما يخصهن في ذلك من أحكام” [3].  

لم تكن طهارة المكان خصوصية شهر رمضان، وإنما سلوك يومي في حياة المؤمن والمؤمنة، وهي نصف الإيمان كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الطهور شطر الإيمان” [4]، وفي رواية: “الطهور نصف الإيمان” [5] فهي ليست عملية وقائية من الأمراض فقط، وإنّما عبادة يتقرب بها العبد لنيل محبة الله عز وجل، قال سبحانه في محكم كتابه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [6]، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ[7].

لكن من العادات التي واكبت شهر رمضان؛ والتي قد تسقط المرأة في بعض المنزلقات كما يمكن أن تعيقها عن المقصد الشرعي من الصيام، هي التحضير لكثرة الأطباق وجميل الوجبات، والتي يجب التفطن لها حتى لا تقع رهينة بعض المبالغة، وللحفاظ على سلامة الانتقال من العادة إلى العبادة، بطقوس لا تفوح روائحها الزكية إلا بتعطير فضاء الأسرة بالصلاة على رسول الله وتطهير الأفواه بذكر لا إله إلاّ الله وتزكية الأنفاس بالاستغفار صباح مساء. وجعلها عادات تُنْقل إلى القَادم من الأجيال في غير تفريط أو إفراط.

وكل ذلك يبقى استعدادا وظيفيا؛ إن لم تتبين المؤمنة برجها للقيام بوظيفتها تاهت ولم تبلغ قصدها لنيل رضى الله عز وجل.


[1] رواه الترمذي، وقال حسن.

[2] ياسين عبد السلام، تنوير المؤمنات، ج1، ص344.

[3] المرجع نفسه.

[4] أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وأحمد واللفظ له.

[5] أخرجه الترمذي في السنن وأحمد والدارمي.

[6] سورة البقرة، الآية 222.

[7] سورة التوبة، الآية 108.