المرأة والبحث عن السعادة

Cover Image for المرأة والبحث عن السعادة
نشر بتاريخ

بقلم: ذة. كلثوم أيت أزوبير
هل أنت سعيد؟ هل أنت سعيدة؟ الكل يبحث عن السعادة؟ فما هي هذه السعادة؟
السعادة؛ هذا المفهوم الهلامي المطاط، الذي لا لون له ولا شكل ولا تعريف دقيق. قد تكون السعادة شعورا لحظيا، شعورا بالفرح للحظات معدودة سرعان ما تندثر ليحل محلها الحزن والقلق واليأس، هذا الشعور يكون غالبا بامتلاك أشياء طالما حلمنا بها أو بتحقق إنجازات أو أعمال كثيرا ما سعينا لحصولها، لحظات نشعر خلالها باللذة والحبور، ثم نعود بعدها للحالة الأصلية والشعور السابق. فالسعادة إذن شعور أعمق من هذه التجليات الوقتية.
يقول تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (سورة التوبة، الآية 109).
يتساءل ربنا لمن الخيرية في هذه الحياة الدنيا، في تساؤل استنكاري، هل لمن عاش حياته على أساس متين قوامه التقوى، قاعدة متينة صلبة تجعل قدمه راسخة في زمان السعد والسعادة حتى وإن عصفت به النوائب، عكس ذاك الذي أسست تفاصيل حياته على حافة مهترئة مهزوزة تميل به بين حال وحال. فما التقوى إذن؟
في المعجم؛ التقوى من اتقى يتقي، صفة في النفس تحمل الإنسان على فعل ما أمر الله به والامتناع عما نهى عنه، وهو العليم بما فيه خيرنا وسعادتنا سبحانه. وللتقوى معنى أعمق وأرفع من الامتثال والامتناع، وهو حضور الله المستمر معك في كل لحظاتك، وحضور معاني الاستقامة في كل حياتك، حضورا يجعلك قريبا منه، تنظر من خلاله إلى هذا الكون بعين ربانية شمولية، حضورا يتوازن فيه وجودك في عالم المادة والروح، بحيث تكون لكينونيتك تجليات روحية وخلقية تنير حياتك فتشعرك بالسعادة، كالطمأنينة والرضا وراحة البال، حتى إذا اعترضتك مشاكل تكون كتلك السنابل التي تأتيها الرياح عاصفة فتنحني لها بتؤدة ومرونة واستقبال حكيم في يقين أنها ستمر وستنجلي كيفما كانت قسوتها. فالسعادة إذن بنيان أساسه حضور الله في حياتك، ولعمري ذاك مقام الإحسان الذي بلغه أولياء الله، الذين قال فيهم ربنا أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فلا حزن مع حضور الله في قلبك وتعظيمك له في كل تفاصيل حياتك، يقول تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (سورة طه الآية 124). آية رائعة جامعة مانعة، وصف فيها ربنا حال الشقي على هذه الأرض حين زايل ذكر الله عز وجل، والذكر المقصود هنا ليس فقط ذكر اللسان، بل هو ذكر القلب والروح، وتجلي الله فيك وفي علاقاتك وعطاءاتك وتفاعلاتك مع الحياة، ذكر الروح تدبرا وتفكرا في آيات الله الكبرى، استحضار يومي لرب العالمين في تفكيرنا ووجداننا وسلوكاتنا، والا فالضنك والضيق والشقاء هو الجزاء.
حياتنا على هذه الأرض بنيان نقيمه بما أنجزناه من تفاعل مع الكون، وحتى بما نحمله من مشاعر اتجاه الكون وما فيه هو انعكاس لما سنجده، فلننظر على ما أقيم ذاك البنيان؟
فالسعادة إذن قرب ورضى ورضوان وحب للخالق وما خلق.السعادة قلب سليم بين جنبيك يشعرك بالسلام الداخلي لا كدر يفسده ولا هم يلوثه.
هذه الأرضية يتشارك فيها الرجل والمرأة على السواء، فدعونا نمر لبعض التخصيص في بحث المرأة عن السعادة.
المرأة والبحث عن السعادة
كيف للمرأة أن تعيشها وتتنعم بأثرها وهي في هذا الزمن المضطرب على جميع المستويات؟
بوسع المرأة أن تكون سعيدة شرط أن تمتلك – مع استحضار القاعدة الأساسية التي تكلمنا عنها آنفا – بعض المفاتيح، ونلخصها في النقاط التالية:
1- تصالح المرأة مع نفسها أولا واستشعارها لأنوثتها كميزة ربانية خصها الله بها، وهو القائل سبحانه: وليس الذكر كالأنثى، وهي آية من آيات الله في الكون ألم يقل سبحانه: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا“؟
2- تحقيق توازن داخلي بالتخفف من الشعور بالذنب الذي يرافق المرأة أثناء تربية أبنائها عند كل مشكلة تربوية.
3- التوازن في أداء وظيفة الأسرة، وأقصد هنا ما أصاب المرأة المغربية بالخصوص من تحمل المسؤولية، خاصة في حالات الطلاق، فتذبل المسكينة وهي تسعى لملء فراغ الأب مما يصيبها بفقدان التوازن والضغوطات والأمراض النفسية، فتغدو حزينة، وهذا ما يسمى بإهدار الطاقة الأنثوية الخطير على نفسية المرأة.
4- التخفيف أو التوازن في مشاعر العطاء، فالمرأة والأم بطبعها كثيرة العطاء، وقد تعطي بمغالاة مع نكران الذات، وهذا ينعكس بشكل سلبي عليها وعلى من يحيط بها، فقد أثبتت الخبرة الميدانية لبعض التربويين أن ما امتلأت دور العجزة إلا بالأمهات اللواتي أفنين أعمارهن عطاء لأبنائهن ولغيرهم، في انتهاك واضح لقانون الله في الكون، قانون التوازن، والتوازن عدل.
5- التأمل والتدبر في الكون وفي آيات الله فيه، التأمل بالسفر مثلا، أو فقط الخلوة من أجل التأمل، فهي تعطي المرأة طاقة وجدانية تشحن بها ذاتها مما يجعلها قادرة على أداء وظيفتها بمتعة ورضى وأريحية.
ختاما نقول بأن السعادة رزق إلهي يرزقه لمن التزم بالقوانين الإلهية على الأرض.
قانون العبودية لله، قانون العطاء ثم قانون التوازن، قوانين من شأنها أن تضع المرأة على سكة السعادة دنيا وآخرة. رجاؤنا لكل نساء أهل الأرض ورجالها أن يعيشوا السعادة والطمأنينة وراحة البال.