المرأة والإعلام

Cover Image for المرأة والإعلام
نشر بتاريخ

ونحن نتأمل الواقع الإعلامي نرى أن كل نوع من الإعلام تحكمه نظرة أصحابه والقائمين عليه للإنسان والحياة ومصيره، وهنا مكمن خطورة الإعلام المتغرب والمغرّب الذي لا يرى في الإنسان  إلا جانبه المادي، وكل ما ينتجه هذا الإعلام هو استجابة لإشباع رغباته الحسية، وغاية ما يمكن أن يسمو إليه أن يكون فنا يقدس الجسد ويحتفي بشهواته ورغباته ويغرق فيها متفلتا من كل القيود الدينية والأخلاقية، لتكون المرأة أكبر ضحاياه مستغلا جسدها أبشع استغلال.

في المقابل نجد النظرة الإسلامية للإنسان وحتمية المصير الأخروي، مما يستلزم إعلاما آخر يعكس هذه النظرة ويحتفي بها ويمكن لها في الأرض.

خطورة ما نستهلكه من إعلام مغرب

نرى للأسف تفوقا صارخا وكاسحا للإعلام المغرب؛ بتوغله في كل بقاع الأرض، وتفوقه في استعمال مؤثرات الصوت والصورة والكلمة، وبراعته في تطويع التقنيات لخدمة أهدافه وتصوراته للحياة. في المقابل هناك قصور ملحوظ في بلورة مشاريع إعلامية تعكس النظرة الإسلامية للحياة، وضمنها النظر إلى المرأة كمخلوق معزز مكرم، وتطويع التقنيات الإعلامية لخدمة هذا الهدف، مع الإبداع في الفكرة والشكل بما يعكس رؤيتها المتميزة.

هذا التفاوت يجعل المتلقي ينبهر بالطرح الغربي ورونقه ليتلبس به مضمون الحضارة الغربية ونزعتها الصادة عن الله، وليتبنى فلسفتها المادية وينسلخ من هويته الدينية والقيمية، وليحكم عليها بعدم الصلاحية للحياة. في حين أن الحضارة الغربية وفلسفتها وأفكارها ما هي إلا بضاعة مجزاة أحسن قومها تسويقها وترويجها وأغرقوا العالم بها، ولم تجد الفكرة الإسلامية بكل سموها الروحي وبعدها الأخلاقي وصلاحيتها لتوازن الإنسان من يمكن لها ويحسن عرضها ويتفنن في إبراز جمالها وبهائها ويجليها عروسا تشرئب إليها الأعناق.

ولا يكتفي الإعلام الغربي بما قلناه آنفا بل يشن حربا شعواء بما يمتلكه من وسائل جبارة على الإسلام وحضارته، مشوها إياه وناعتا له بكل أوصاف النقص والقصور، ومصورا له على أنه ضد كل ما هو جميل وإنساني، وأنه منبع الشرور والقبح والبشاعة، وعلى الإنسانية نبذه لأنه يجرها إلى الوراء ويرجع بها إلى الخلف، فهو إسلام رجعي ماضوي متخلف يعادي المرأة ويهينها.

دعاوى عريضة تسلك بسهولة ويسر، وبتقنيات عالية وقوالب براقة مؤثرة، الأسماع والأبصار لتستقر في القلوب والعقول وتصبح عداوة معلنة أو مبطنة لكل ما يمت بصلة للإسلام وأهله وقيمه وتصوراته، إنها مؤامرة على الإسلام حين يشوه، ووأد له حين ينجحون في إقناع المسلمين بذلك مستعملين سلاح الإعلام المتغول المتجبر والجالب على دنيا المسلمين بخيله ورجله وبريقه الخادع.

فما الطعم الذي يستعمل لتقع المرأة في فخ الإعلام التغريبي؟

– أولا، التسويق لمفهوم الحرية بصفة عامة، وحرية المرأة بصفة خاصة،  بطريقة خاطئة مستغلين مظلوميتها، وتوظيف ذلك لضرب القيم الإسلامية ليصل الأمر إلى حد بروز ظاهرة الإلحاد من منطلق التحرر من الدين الذي يقدم على أنه قيد خرافي، في حين أن لا حرية حقيقية في البعد عن الله، فما هي إلا متاهة في هواجس النفس وسقوط في قيود الجسد وإقبار للروح وسموها واحتياجاتها، فلا حرية حقيقية للإنسان دون توازن بين روحه وجسده والاستجابة لما يتطلبه عالم كليهما.

–   ثانيا، الإعلام المتغرب يخاطب الغرائز صوتا وصورة وكلمة ويمعن في تحريكها متجاوزا التلميح إلى التصريح ويغلفها بغلاف رقيق من التسويغ والتزيين في أعين المتلقي، إعلام لا يرى في المرأة إلا جسدا يوظف أبشع توظيف لجني الأموال الطائلة ولتعطى صورة زائفة كاذبة للشابة عن المرأة النموذج، ترتسم في ذهنها وتسعى بائسة عبثا إلى تمثل وهم امرأة مرسومة بعناية لتخلب الأنظار، لكنها في الحقيقة مجرد دمية مملوكة للرأسمال مستنزفة مجردة من إنسانيتها تعاني في صمت، طاحونة نسائية تشوه كينونة المرأة وتختزلها في الشكل والمتعة بلا قيود ولا شروط، لتشقى المرأة حين أخطأت اختيار النموذج وتجرعت ما تتلقى في الإعلام دون تمحيص ولا دليل في اتباع أعمى يؤدي إلى الهاوية.

– ثالثا، الإعلام صناعة للتأثير والتحكم في الرأي العام، فكل ما سبق يقدم في طبق شهي وشكل يخلب الألباب وإطار فني محبب مغر بالاتباع، وتمثل قدوات إعلامية مخدومة بإتقان من مشهورات؛ ممثلات ومغنيات وإعلاميات وبطلات رياضيات مؤثرات وغيرهن، تسلط عليهن أضواء الإعلام لتحول المسخ إلى نجمة عالية في السماء تتطلع إليها أبصار النساء، وتسقط هممهن وقيمهن وتنطمس ببريقها القدوات الحقيقية المتوارية إلى الظل.

وفي المقابل نلحظ ندرة ضاربة في الإعلام للنموذج والقدوة النسائية التي تتصف بالاستقامة والصلاح، بل نرى تشويها مقصودا بالتلفيق والكذب والبهتان تارة، وبالإغواء والإغراء تارة، وبالتجاهل وغلق المنافذ الإعلامية تارة أخرى، كلما برزت نماذج من هذه الطينة المؤثرة أو برز مشروع إعلامي يروم هذه الأهداف.

أمام هذا الواقع المزري نتساءل؛ ما العمل؟ وما المطلوب؟

ونحن نستجلي شباك الإعلام حتى لا نقع فريسة سهلة في مخالبه المسمومة نؤكد على النقط الأربع التالية:

– أولا، الإعلام سوق لا بد من ولوجه وجعله أداة طيعة تخدم دعوتنا ورسالتنا بامتلاك ناصية صناعته بحرفية واتقان وإبداعية عالية؛ تبتدئ بالفكرة غير المسبوقة وتنتهي بالصنعة المحبوكة، وفي هذا المجال ينتظر المرأة المسلمة الكثير من العمل الجاد  لطرح الجديد، فالمجال قاع صفصف والحضور النسائي باهت وشبه منعدم، تحول دونه الكثير من العوائق الذاتية المتعلقة بالمرأة نفسها من حيث كفاءتها وأهليتها للممارسة الإعلامية وقناعتها بحيوية ولوج مجال الإعلام كفاعلة تغير الصورة المستهلكة للمرأة كجسد، وخير مثال التوظيف السيئ للإشهار لصورة المرأة والبرامج النسوية التي تختزل شخصية  المرأة في الاهتمام بعالم الموضة والديكور والطبخ.. فالحاجة ملحة إلى كسر هذه الصورة النمطية. وهناك كذلك عوائق موضوعية مرتبطة بنسيج مجتمعي لم يعتد أن ينظر للمرأة خارج أنماط تقليدية كرست لقرون؛ ترفض أي مشاركة حقيقية وفاعلة للمرأة في الشأن العام ومنه المجال الإعلامي.

– ثانيا، الحضور النسائي في الإعلام لا ينبغي أن يكون للاستهلاك وتمضية الوقت والتجوال في ردهاته دون محددات وضوابط، فالإعلام سلاح خطير له قدرة مدمرة على التأثير وتوجيه الرأي العام وفرض قدوات مضللة وولوج حياة الضياع بسهولة فائقة، فلنحذر من فخاخه ولنستفد من الإمكانيات الهائلة التي يتيحها في التعليم والتعلم واكتساب المهارات بما يتيحه وقت فراغنا وبما لا يطغى على أولوياتنا وواجباتنا الدراسية والأسرية والاجتماعية والدينية والدعوية.

– ثالثا، لنعي جيدا أن عالم شبكات التواصل عالم الوهم، وهي في الحقيقة قاطعة للتواصل الاجتماعي الحقيقي الباني للشخصية والمكسب لمهارات اجتماعية لا بد منها لحياة طبيعية وسوية، وتواجدنا في هذه الشبكات ينبغي أن يكون مقدرا بقدر لا يطغى على حياتنا الواقعية وعلاقاتنا الحقيقية مع الناس.

– رابعا، لا بد من أن نكتسب مناعة إيمانية وهوياتية واستقامة أخلاقية نستمدها من استحضارنا معية الله ورقابته، وأن نستقوي بمن سبقونا بإحسان حتى لا نكون لقمة سائغة بين مخالب إعلام مضلل، نستمسك بحبل الصحبة يشد بعضنا بعضا من الغرق..