المرأة في عيدها العالمي.. كثير من الحب، كثير من الأمل

Cover Image for المرأة في عيدها العالمي.. كثير من الحب، كثير من الأمل
نشر بتاريخ

والعالم يخلد اليوم العالمي للمرأة، لا يتوقع إلا أن تمر المناسبة ككل السنوات الفارطة؛ ندوات ولقاءات تقام، وإحصاءات تنشر، ومطالب ترفع، ومرافعات ومناشدات، ومقابلات إعلامية تتصدرها وجوه مناضلة أو مثقفة أو داعمة من هنا وهناك، منها من احترف النضال النسائي، ومنها من يحركه الارتزاق السياسي، وأخرى صادقة متهمّمة إلى النخاع بقضية المرأة.. سوق قائمة سرعان ما تنفض، وعقلية حملات موسمية سرعان ما تخبو جذوتها، وبعدها يلاحق الإعلام سائر الأيام والمناسبات والأعياد، فيتساوى عيد المرأة مع أسبوع الفرس وموسم حب الملوك وموسم إملشيل..

وسرعان ما تعود جموع الكادحات البسيطات إلى معاناتهن حتى قبل أن تذبل باقات الورد التي أهديت إليهن بالمناسبة، زمر من نساء لا تفكّرن في أنفسهن، شموع تحترق لتنير دروب الآخرين، ومواقد تحترق لتدفئ الحياة من قر أنانية وكراهية، عطاء بلا حدود، تكفيها كلمة شكر أو ابتسامة ودود أو باقة من ورود.

وجوه تصادفها في كل الأماكن وفي كل الأوقات كقطرات الندى، قد لا تستوقفك أو تثير انتباهك لكنها تترك الأثر كالطل، مبكرات تسرعن مشيا على الأقدام أو تلاحقن سيارات الأجرة أو متكدسات في الحافلات، تتوجهن إلى معامل النسيج و”الكابلاج” أو السردين أو أسواق الجملة، أو تعانقن سلالم الرخام وبرودة الأرضيات فجرا، أو أفرنة الرغائف أو المقاهي، ملتحفات بعزائم ماضية وإرادات حديدية، رغم الاستغلال الفاحش والتمييز والإقصاء والحكرة والظلم، الذي يزداد ضراوة وحدة في أقاصي الجبال ومجاهل المداشر والدواوير؛ بؤس وفقر وجهل، يقتل إنسانيتها ويسرق أنوثتها وروحها، بقدر ما يقتل الترف وتخمة التشييء والاستهلاك معاني الكرامة، فيحيلها دمية تروج قنينة عطر ومسحوق تجميل، أو جارية تؤثث ليل “الحرملك”، وتنتظر نوبتها في طابور طويل..

معاناة قلة وخصاصة هنا ومأساة دونية وإلهاء هناك، يضيع معها المعنى الوجودي التكريمي، ويضيع لب الحقوق وجوهرها؛ حق معرفة الله عز وجل، يتسرب منها المعنى الأسمى لكل تحرر من كل الأصنام الحسية والمعنوية، ويخفت فيها معنى التنوير الإلاهي “وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ”، هذا الحق الذي تئده المطالب الاقتصادية والحقوقية والاجتماعية والمدنية عامدة قاصدة أو غافلة شاردة، مطارق الحق في التعليم والصحة والتربية والشغل والزواج والطلاق والنفقة، مطارق مناهضة التحرش والتمييز والتبضيع والتسليع، مطارق التمكين والمساواة والمناصفة، مطارق يصم صوت وقعها على سنديان واقع استبدادي استفرادي إفسادي الآذان عن سماع الرسالة الأسمى؛ رسالة المعنى. نحمل هذه المطارق كلها مع كل الداعين والحاملين ومعها نحمل منجل السؤال الوجودي الأكبر: من أنا؟ ومن أكون؟ وإلى أين أسير؟ ليكون للنضال، للصراع، للدفاع، للجهاد، قبلة ومقصدا، ولترخص التضحيات، وإلا فهو الخواء يحارب الخواء.

هذا الخواء يحارب بالتحرير والتنوير؛ من مسجد يعلم الناس أن الإنسان مكرم ذكرانا وإناثا، وأن النساء شقائق الرجال في الأحكام، وأن الله المعبود لا سواه، وأن الإنسان حرا ولد وحرا يعيش. من فصل دراسي يعلم أن المجتمع الكريم هو من تكرم المرأة فيه أختا وأما وزوجة وزميلة، لا فرق إلا من حيث الخلقة والوظائف، لا من مدرسة تكرس الخنوع والخضوع. من إعلام صادق يعتبر المرأة إنسانا لا سلعة تباع، ويخضعها لمقاييس بورصات النخاسة الحديثة ومعاييرها، من إعلام حر مستقل غير تابع ولا مرتزق، يمارس الوساطة للاستكبار العالمي والاستبداد المحلي. من حزب وجمعية وهيئة ومنظمة تخلص لأمتها وهويتها وتاريخها، فتسعى لتحرير الإنسان من نموذج غالب ومقلد مغلوب. من دولة مستقلة عادلة حامية للحقوق راعية للمصالح والحريات، خاضعة للقانون منضبطة للشرائع، لا تسعى للتحريش بين أبنائها فتشغل بعضهم ببعض، وتشغلهم بهموم هي أبجديات الحياة الكريمة، حتى لا يطالبوا بالحقوق والحريات والثروات.