المخزن بين التشميع والتطبيع

Cover Image for المخزن بين التشميع والتطبيع
نشر بتاريخ

تطل علينا الذكرى الثامنة عشرة لتشميع منزل الأستاذ “محمد عبادي” الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، الكائن بشارع سيدي محمد بن عبد الله بوجدة (شرق المغرب)، الذي اقتحمته قوات الأمن وشمعته يوم الخميس 25 ماي 2006 في وقت متأخر من الليل وضربت على أبوابه ومحيطه حراسة أمنية مشددة إلى يومنا هذا (عناصر أمن بمداومة 24 ساعة وكاميرات مثبتة من جميع زوايا البيت المشمع)، نفس الشيء بالنسبة لبيت الأستاذ “لحسن عطواني” بمدينة بوعرفة _ودائما بشرق المغرب_ المشمعين منذ 18 سنة دون أي سند قانوني أو قضائي أو حتى إداري.

وحيث إنه لا يختلف أحد في أن ما وقع شكل مسا خطيرا بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية، و خرقا فاضحا لكل الشرائع والأعراف والمواثيق الدولية والدستور والقوانين الوطنية ذات الصلة، تمثل في مصادرة أقدس حق ألا وهو الحق في الملكية وحق السكن وحرمة المنازل والحياة الخاصة للأشخاص…

كما أنه سبق للقضاء بجميع درجاته أن أصدر أحكاما وقرارات نهائية تعتبر قرارات التشميع غير مشروعة والجهة التي أصدرتها غير مختصة، بل إنها حكمت ببراءة أصحابها من المتابعات التي سطرتها النيابة العامة في حقهم والمتعلقة بتهمة “كسر الأختام الموضوعة بأمر من السلطات العامة”، أذكر هنا على سبيل المثال قرار محكمة النقض عدد 2165/5 المؤرخ في 03/12/2008 ملف جنحي عدد 10801/6/5/2007.

إن موقف القضاء هذا دفع مهندسي التشميع إلى البحث عن مبررات جديدة تسعفهم في إغلاق بيوت عشرات المواطنين في إطار “حملة ثانية” لتشميع بيوت أخرى، شنتها السلطات أواخر سنة 2018 عبر ربوع الوطن بكل من مدن: وجدة والدار البيضاء والقنيطرة وطنجة وتطوان وفاس والجديدة ومراكش وأكادير، هذه المبررات تجسدت في إصدار قرارات إدارية تقضي بإغلاق وهدم هذه البنايات تحت ذريعة أنها مخالفة لمقتضيات كل من ظهير 02 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها، وكذا القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير رغم أن الحقيقة هي عكس ذلك تماما كما سبق توضيحه بالحجة و الدليل للرأي العام من طرف هيئة الدفاع في مناسبات عدة.

وعليه يبدو أن “الجهات العليا” التي أعطت تعليماتها السابقة بإغلاق البيوت بدون سلوك أو الاستناد إلى أية مسطرة قانونية أو قضائية، هي نفسها التي أوعزت بإصدار الصنف الثاني من قرارات التشميع بعدما غلفتها بمواد قانونية بعيدة كل البعد عن حالة هذه البيوت المشمعة مؤخرا قصد تدارك خروقات قرارات التشميع السابقة، لكن ما يفضح حقيقة هذه القرارات المتعسفة هو استمرار الوضع على ما هو عليه بالنسبة لمنزلي الأستاذين عبادي وعطواني لحد الآن رغم مرور 18 سنة على هذا الانتهاك الخطير، دون أي غطاء قانوني أو قضائي يمكن أن تتوارى خلفه هذه “الجهات العليا”. مع الإشارة كذلك إلى أن أغلب هذه البيوت المغلقة والتي تعتبر الآن تحت مسؤولية وحراسة السلطات التي أغلقتها أصبحت عرضة للنهب والسرقة والتخريب والإهمال، مما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا أمام مس خطير ومصادرة لحقوق مواطنين خارج شرعية القانون والمؤسسات.

لكن الانتهاك الجديد والخطير في الموضوع -وبينما أصحاب البيوت المشمعة ينتظرون رفع التشميع واسترجاع منازلهم وتعويضهم عن هذا الحرمان والضرر المادي والمعنوي المتواصل- يفاجأ مؤخرا الأستاذ محمد عبادي بفرض رسم مقابل الخدمات الجماعية في اسمه عن منزله المشمع بجماعة وجدة للسنوات من 2005 الى 2022، دون حتى أن يتوصل بأي إشعار أو تبليغ عن هذا الرسم، كما فوجئ أيضا بمباشرة إجراءات تحصيل هذه الرسوم الخيالية وغير القانونية، دون أي تبليغ قانوني طبقا للقواعد القانونية الجاري بها العمل، فعن أي خدمات جماعية لمنزل مشمع منذ تشييده لحد الآن تتحدث إدارة الضرائب!؟ وأين هو الأساس القانوني الذي استندت عليه إدارة الضرائب في ذلك!؟ وهل تتوفر من حيث الوعاء الضريبي على شروط ومسطرة فرض هذا الرسم!؟ وما هي الأسس التي قدرتها وعلى أساسها فرضت عليه الرسم تلقائيا!؟ أم أن الأمر يتعلق بسن ضريبة جديدة تسمى “ضريبة المنازل المشعة”ا!؟

يعلم العام والخاص أنه لا يعقل منطقا ولا عقلا ولا قانونا أن تفرض ضريبة أو رسم السكن والخدمات الجماعية على ملزم وهو محروم من طرف السلطات من حقه في السكن واستغلال واستعمال مسكنه المشمع منذ 18 سنة بغض النظر عن انعدام السند القانوني أو القضائي لقرار التشميع، لكنه الاستثناء المغربي في كل شيء له علاقة بالحقوق والحريات وحقوق الإنسان خاصة مع المعارضين وأحرار هذا الوطن.

ختاما، وبعد مرور حوالي عقدين من الزمن على هذا العسف والشطط والمس الخطير بالحقوق والحريات واستمرار نفس النهج باستهداف بيوت أخرى تحت مبررات لا أساس قانوني لها، فهل نشهد تحولا داخل هذا الوطن من سياسة التشميع ومشتقاتها إلى سياسة التطبيع مع جميع الخروقات وانتهاكات حقوق الإنسان وكأنها قدر منزل!!!؟

الأستاذ عبد الحق بنقادى، عضو هيئة الدفاع عن أصحاب البيوت المشمعة.