المبادئ العامة لحلف الفضول: دروس وعبر

Cover Image for المبادئ العامة لحلف الفضول: دروس وعبر
نشر بتاريخ

توطئة

إن الأمة اليوم بحاجة إلى أن تجتمع على حلف مناهض للاستبداد، حلف يهدف إلى رفع الفساد والظلم ومنع الظالم عن ظلمه، وحماية حقوق الفقراء والمستضعفين.

فإن كان حلف الفضول قد ولد نتيجة التظالم، فكيف بأمة نهبت ثرواتها وخيراتها، واعتدي على حرماتها ومقدساتها، وظلت شعوبها تعيش على الحرمان والفقر والظلم وغياب لأدنى الحقوق الآدمية.

لن تعود أمتنا إلى الريادة والنهضة ما لم يتم تشكيل جبهة رشيدة مقاومة للاستبداد، وما لم يجتمع الفضلاء على كلمة سواء ويتفقوا على مبادئ حلف الفضول حتى ولو اختلفت المرجعيات الفكرية.

لقد آن الأوان أن يتحد الجميع من أجل الحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية. فالأمة بحاجة إلى التوافق على الفضيلة ونبذ الخلاف والعنف والرذيلة.

التعريف بحلف الفضول وسببه

حلف الفضول هو معاهدة واتفاقية وميثاق وقع بعد حرب الفجار. وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحلف قبل بعثته وله من العمر عشرون عاما، وقد عقد هذا الحلف في دار عبد الله بن جدعان، وحضرته عدة قبائل من قريش، وقد تعاهدوا من خلاله على ضرورة نصرة المظلوم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول: “لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَم،ِ وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت” 1 .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلَامٌ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ” 2 .

أما عن سبب وقوع حلف الفضول فتشير كتب السيرة النبوية أن رجلا من زُبيدي (من أهل اليمن) قدم إلى مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل وكان هذا الأخير من أشراف قريش فمنعه من حقه، واستغاث الزبيدي من ذوي المروءة لكنهم لم يعينوه للمكانة الاجتماعية للعاص بن وائل، فوقف عند الكعبة فأنشد:

يا آلَ فهرٍ لِمَظلومٍ بضاعتَه

ببطن مكة نائي الدار والنفر

فقام الزبير بن عبد المطلب فقال: (ما لهذا مترك)، فاجتمعت عدة قبائل من قريش في دار عبد الله بن جدعان وتحالفوا وتعاقدوا على نصرة المظلوم ومؤازرته حتى يُرد إليه حقه، ثم ذهبوا إلى العاص بن وائل، فأخذوا منه سلعة الزبيدي، فأعطوها له، وعقدوا هذا الحلف، الذي سمي بحلف الفضول 3 .

وفي هذا قال الزبير بن عبد المطلب:

إن الفضول تعاقدوا وتحالفوا

ألا يقيم ببطن مكة ظالـم
أمر عليه تعاقدوا وتواثقوا

فالجار والمُعترّ فيهم سالم

المبادئ العامة لحلف الفضول

ليس الغرض من وراء الحديث عن حلف الفضول مجرد الوقوف على أحداث تاريخية مضت، أو استحضار لأمجاد من عروبة انقضت، بل المقصد من ذلك الوقوف على مبادئ حلف الفضول والاستفادة من دروسه وعبره والسعي إلى بناء تحالف وميثاق يضمن الحفاظ على حقوق الإنسان. فحلف الفضول ينسجم مع ما جاء به الإسلام ويدل على ذلك ثناء النبي صلى الله عليه وسلم وإشادته بهذا الحلف.

ومن بين المبادئ العامة التي قام عليها حلف الفضول ما يلي:

نصرة المظلوم

فقد تعاقدت قبائل من قريش على ضرورة نصرة المظلوم والوقوف بجانبه إلى أن يأخذ حقه. ومن ذلك وقوفهم مع الزبيدي حتى أخذ حقه من العاص بن وائل رغم شرفه ومكانته.

وقد حرص الاسلام على وجوب نصرة المظلوم أيا كان دينه ومعتقده ومذهبه وقوميته ولغته ولونه وجنسه. عن معاذ رضي الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: “اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب” 4 .

عن أنس رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما). فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: (تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره)” 5 .

مقاومة الظلم والاستبداد

حرص تحالف الفضول على مقاومة الظلم وضرورة ردع الظالم ومنعه عن ظلمه. وقد ورد في الشريعة الاسلامية ما يدل على ذلك. عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن يسفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم” 6 .

وقد حذر القرآن الكريم من عاقبة الظالمين فقال تعالى: ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَاب الْخُلْد هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (يونس: 52).

وقال عز وجل: وَنَقُول لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّار الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (سبأ: 42).

وفي الحديث القدسي قال الله تبارك وتعالى: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا” 7 .

الدفاع عن الحقوق

اتفقت القبائل العربية الموقعة على حلف الفضول على الدفاع عن حقوق الإنسان. ويشكل هذا الحلف الوثيقة الأولى في حفظ وحماية الحقوق العامة للإنسان. وقد جاء الإسلام ليقرر ذلك، فحرم قتل النفس ودعا لحفظ المال والعرض. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه” 8 . كما أن الإسلام قد خول لكل فرد حقه في الحياة والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، والحق في الصحة والتعليم والمساواة والتملك والتدين… والنصوص الشرعية على ذلك كثيرة منها قوله تعالى: إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالْبَغْي يَعِظكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النحل: (90).

قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الأعراف: (157).

حماية الكعبة الشريفة ممن يريدون بها شرا

ويعتبر أعلى الحقوق قدسية عند القبائل العربية، فقد اتفقت عدة قبائل في حلف الفضول على ضرورة حماية الكعبة من كل عدوان، وعلى حرمة الدم عامة وأمام الكعبة وفي الأشهر الحرم خاصة.

نشر قيم الأخوة والتآزر والتعاون على فعل الخير

لقد أكد حلف الفضول على مبادئ إنسانية تنسجم مع الفطرة السليمة منها: تعزيز قيم الأخوة والتآزر التضامن والتكافل والتعاون على حب الخير ونشر الفضيلة. وقد سمي بحلف الفضول لما فيه من فضائل ومبادئ إنسانية.

وقد جاء الإسلام ليقرر مثل هذه الفضائل: كالأخوة والتآزر والتعاون على فعل الخير وغيرها. قال الله تعالى: نَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الحجرات: 10).

خاتمة

وقال عز وجل: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (المائدة: 3).

إن ما يمكن استفادته من دروس وعبر من حلف الفضول هو: أن يتعاون الجميع من أجل مبادئ إنسانية عليا كمحاربة الظلم وضرورة نصرة المظلوم، وحفظ الحقوق وصون الحريات ونشر قيم العدل والكرامة والحرية، وقيم الأخوة الرحمة والتآزر… هذه القيم والمبادئ هي التي يجب أن يتفق عليها كل الفضلاء: من إسلاميين وعلمانيين ويساريين ولبراليين وأمازيغيين وحقوقيين ومفكرين وصحفيين وإعلاميين… ينبغي أن تلتحم هذه القوى من أجل تشكيل جبهة مقاومة للفساد والاستبداد.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.


[1] ابن هشام: 1/133.\
[2] رواه الامام أحمد برقم 1567.\
[3] انظر سيرة ابن هشام: 134/1- 135، والرحيق المختوم، وفقه السيرة النبوية للإمام البوطي رحمه الله.\
[4] متفق عليه.\
[5] رواه البخاري.\
[6] رواه مسلم.\
[7] رواه مسلم.\
[8] رواه مسلم.\