اللهم أنت الصاحب في السفر

Cover Image for اللهم أنت الصاحب في السفر
نشر بتاريخ

تأمل..

كم خطوت إلى ربك من خطوات، كم تعثرت، كم ذرفت الدمع، كم توجعت دواخلك، كم صرخت جوانحك، كم تألمت.. كم طأطأت رأسك تبغي اللحاق بركب الواصلين ثم انتكست فجأة بسهوة قلب انحرف نبضه أو جرة قلم نضب مداده.

أخيّ، أخيَّة.

هات سمعك..

إنه سفر، سلوك، سير قلبي لا يصح أن تدلج فيه خاليا من مولاك، ولكل سفر دليل يقطع بك الفيافي ويأخذ بيدك حتى تتضح وجهتك وتنال بغيتك.

علمك الحبيب في كل سفر أن تقول: “سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا، وَما كُنَّا له مُقْرِنِينَ، وإنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هذا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ في الأهْلِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ وَالأهْلِ”.

استفتح سفر يومك طالبا منه، وهو خير مطلوب، أن يلبسك لباس البر والتقوى، اتق الله حيثما كنت، في سرك قبل جهرك، ليلك قبل نهارك، فراغك قبل شغلك، اغتنم الخمس قبل الخمس، موقنا بأن الله  يبارك من العمل ما يرضى.

وفي الطريق منعرجات ومنحدرات ومتاعب ومصاعب وأوجاع، وبُعد وغربة لا يهونها عليك إلا خالقك العالم بكل ضعفك. قد تشتد على قلبك الصدمات فتبكيه، وقد تجرحه الكلمات فترديه، وقد تهوي به الظنون وفي غياهب الجب ترميه، ثم لا تكاد ترمي خطوك حتى يصيبك اللهث من شدة نار نفس تغلي داخلك أوقدتها كلمة منفلتة هنا أو موقف خذلان هناك. ويصبح المبتغى هدفا قصيا، فاسأل مولاك يطوِ عنك الطريق طيا.

اللهم أنت الصاحب في سفر الروح، بك تصول وبك تجول، إن حلقت في الأعالي فبكرمك، وإن أوقفتها قدرتك فلسابق علمك أنها تصنع على عينك، كل الحركات لك وكل السكنات لك؛ قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ. أصحبك ربي في سري وفي علني، أصحب تجليات رحمتك وبهاء لطفك، أصحب غناك، أعلن ذلي وانكساري بين يديك وأستودعك دموع أشواقي فاخلفني فيها بوصال يرضيك عني.

وللسفر وعثاء وكآبة؛ فكم ارتطمت روحك بجدران قاسية، وكم تعثرت في مسالك محفرة، وانزلقت تحت إغواء الشبهة والشهوة، وتكسرت مصابيح مطيتك، وتشتت شمل قلبك وهو يبحث عن مستقر له فلم يجد إلا سرابا ظنه جدار يتيم يخبئ كنزا فإذا هو ثعبان أتقن الالتفاف حول سذاجة وعيك، أراك منه جمالا ظاهرا وذوق لسان، وفاته سر باطن وسعي جَنان، انكسرت الأوهام بعد ردح من الزمان، وارتسمت أخاديد أحزان، لم يجبرها إلا الحنان المنان، فخلفك في أهلك وأعاذك من سوء المنقلب في الزمان والمكان.

اللهم أنت الصاحب في السفر؛ فأدم علينا نعمك، وتجل علينا بواسع كرمك وجميل سترك، وأمن أرواحنا وأجلسها في رحاب أنسك وقد أمنت عذابك يوم تبعث عبادك.

وفي طريق العودة إلى مولاك، تلهج كل ذراتك بالحمد، تطير بك الأشواق وقد استزدت النعم بالشكر، وتغوص في صمت آمن، صمت يطيل بك الوقوف في محراب الوصال.

آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ.