القيم الإسلامية والقانون 21/59 المتعلق بالتعليم المدرسي

Cover Image for القيم الإسلامية والقانون 21/59 المتعلق بالتعليم المدرسي
نشر بتاريخ

صادق مجلس الحكومة يوم الخميس 03 أبريل 2025، على مشروع القانون 21/59 المتعلق بالتعليم المدرسي، يرتكز هذا القانون في ديباجته على عدة مرجعيات 1 على رأسها دستور 2011، والميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999)، والرؤية الاستراتيجية 2015-2030، والقانون الإطار 51.17، كما يستوحي مضامين تقرير النموذج التنموي الجديد…

وقد نبَّه المجلـس الأعلـى للتـربـية والتكويـن والبحـث العلمـي برأيه (2023) في هذا القانون إلى ضرورة “دمـج التـربــية الثقافيـة والقيميـة والفنــية والرياضــية فـي البــرامج وإدراجهـا فـي اسـتعمالات الزمـن الخاصـة بالمعلمـيــن والمتعلمـيــن، وتعزيــز المـوارد اللازمـة لذلـك”، ولم ينتبه إلى ضرورة دمج التربية على الأخلاق والقيم الإسلامية والإنسانية التي هي أساس المحافظة على سيرورة المجتمعات، لما تنقله من تراكمات فوق قانونية لتنظيم العلاقات بين الأفراد والأسر والكيانات المتعايشة فيه على مبادئ محددة ضمن الاحترام القيمي المتبادل.

القانون 21/59 المتعلق بالتعليم المدرسي “يـرهن المنظومة لأمد طويل” 2، بلا تربية على الأخلاق ولا تربية على القيم الأصيلة للمجتمع المتمثلة في القيم الإسلامية التي حفظت تماسك الأفراد وتماسك الأسر وتماسك الكيانات الموجودة في المجتمع سواء كانت دينية أو قبلية أو غيرها، هي قيم فوق قانونية غالبا ما يشار لها بالضمير.

القانون 21/59 المتعلق بالتعليم المدرسي حدد أهداف التعليم المدرسي في المادة 3 بالقيام بعدة وظائف “لاسيما التنشئة على القيم في بعدها الوطني والكوني، والتعليم والتثقيف، والتكوين…”.

إن رهن المنظومة التربوية المغربية للأمد الطويل لقيم الكونية والوطنية دون القيم الإسلامية لمن شأنه أن يرهن أجيالا من المتعلمين والمجتمع لهذه القيم، يعني ذلك سلخ المجتمع من هويته وقيمه، وربطه بقيم أخرى محدودة بالوطن والكونية.

 هذا يستهدف بشكل مباشر قيمة وحدة الأمة الإسلامية، هذه القيمة يعملون على استهدافها لما تشكل عليهم من خطر، وبتشرب هذه القيمة تكون شعوب العالم الإسلامي في منأى عن النزاعات الإقليمية والمحلية بين الدول العربية والإسلامية (التي تؤجج في كل المنطقة). بل تشرب هذه القيمة تبقي مطلب الوحدة من آمال الشعوب، وتبقي روح التضامن والتآزر مع كل استهداف لقضايا المسلمين مثل ما يحصل الآن في غزة والأقصى.

تتحدث المادة 21 من القانون عن مهام المؤسسات التعليمية التي تطالب المؤسسات في مجال القيم فقط بـ”تعزيز وتثبيت قيم المواطنة والتسامح والتعايش والتضامن والسلوك المدني”.

 في حين نجد أن كل هذه القيم جزء من كلية القيم الإسلامية، وعليه نطرح السؤال لماذا نقتصر على هذه القيم؟ الجواب ببساطة لأن الاختراق الصهيوني بلغ منا مبلغه.

يقول تقرير “مركز معهد الدراسات الإسرائيلي للأمن القومي” في مقاربته لوجود إسرائيل واليهود بالمقررات الدراسية العربية: “بفضل اتفاقيات أبراهام والحوارات الإقليمية الأخرى علينا تعزيز إصلاحات المناهج الدراسية، لتشمل المزيد من قيم السلام والتسامح والتعايش وإزالة المحتوى الضار” 3 (الضار لهم).

نعم معهد للأمن القومي يريد منا المزيد من “قيم السلام والتسامح والتعايش”، في حين أنه منذ حوالي عام ونصف وهو يشن حرب إبادة شعب بغزة والضفة وكل المنطقة.

فكيف نرهن أجيال المستقبل لهذا الاستسلام وضرورة التعايش مع من يقتلون إخواننا المسلمين؟ (عفوا غدا سيقال لنا إنهم فلسطينيون وليسوا من الوطن، وهؤلاء من الوطن بعد أن قيل بأنهم مغاربة الخارج) هذه إشارة وإلا فالموضوع يستحق دراسة وبحثا أكثر.

لماذا يتم إقصاء بل وتجنب الحديث عن القيم الإسلامية في حين كان ينبغي التأكيد على قيمنا التي تمثل هويتنا والتي نعيش بها في مجتمعنا المغربي الإسلامي؟

أرجح فرضية الفساد، بل أخطبوط الفساد المنظم والمستشري في شرايين النظام والدولة والإدارة، والذي لن يتوانى أن يتنازل أو يبيع كل ما يصلح لجلب مشاريع شراكات ممولة من أي جهة كانت.

إن جميع مشاريع الشراكات مع المؤسسات والمنظمات والدول التي تنجز في المجال التعليمي وغيرها، تقترح مساعدة أو تمويلا مشروطا بقبول اقتراحاتها تحت غطاء العلمية أو نقل تجربة أو احترام المواثيق الدولية أو الكونية أو تنفيذ توصيات أممية أو تنفيذ توصيات مؤسسات مالية، أو غيرها من المبررات الكثيرة التي يمكن أن تقدم، والتي تجد دواليب الإدارة المغربية مستعدة لتنفيذها بدون أي استعصاء أو استشارة مع الفاعلين المختصين والميدانيين.

أخطبوط الفساد مازال يمضي كل المقترحات الواردة بمشاريع تمويل كيف ما كانت ومن أي جهة جاءت، ولو على حساب التخبط الذي تعيشه المنظومة التربوية والفاعلين الميدانيين فيها، والمختصين في المجال. ويكفي أن نتابع ما يقدمه السادة المفتشون من تكوينات ميدانية لنعرف مستوى التخبط الذي بلغته المنظومة.

أخطبوط الفساد مازال يمضي ولا يبقي ولا يبالي إلى أن وصل لمستوى ضرب الثوابت المؤسسة للدولة المغربية المشار لها بالثوابت الدستورية، القانون 21/59 المتعلق بالتعليم المدرسي يمثل نموذجا:

المادة 32 من القانون التي تتحدث عن مؤسسات التعليم الأجنبي المدرسي الخصوصي تذكر بضرورة “احترام الثوابت الدستورية، والهوية الوطنية”. ومع الأسف الشديد نسي أصحاب القانون 21/59 المتعلق بالتعليم المدرسي تذكير أنفسهم بضرورة احترام الثوابت الدستورية في باقي المواد التي تتحدث عن القيم الكونية والوطنية دون الإسلامية.

يؤكد الفصل 3 من الدستور أن “الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية” 4، وأن القيم التي يقوم عليها المجتمع المغربي هي القيم الإسلامية.

أخذ التنازل عن الثوابت الدستورية وإسلامية الدولة المغربية مساحات كبيرة في سياق الخطاب الدولي لمحاربة الإرهاب، ووجد الصهاينة الذين لهم موقع قدم متقدم في النظام والدولة وفي أخطبوط الفساد مناسبة للهجوم على كل ما له علاقة بإسلامية الدولة لينفذوا كل أجندتهم، وبذل كل الجهود لتصبح الهوية المغربية هوية مشتركة يهودية إسلامية إلى درجة عبر عدد من مسؤولي المؤسسات التابعة لهم عن ارتياحه التام لما بلغوه.

نورد نموذجا عبَّر صاحبه عن الذهول، قال ماركوس شيف، المدير التنفيذي لمعهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي لشركة (امباكت IMPACT se 5): “لقد أذهلنا هذا الاحتضان الفريد لليهود واليهودية في المناهج المدرسية المغربية التي تم إصلاحها”، وأضاف “المودة التي من خلالها يتم تمثيل الجالية اليهودية المغربية وعاداتها وكذلك حياة الأفراد اليهود المغاربة، تثلج الصدر” 6.

 يجد المغاربة الآن أنفسهم أمام مستويات غير مسبوقة لضرب هويتهم وثوابتهم الدستورية، ومن طرف أشخاص يستضافون على القنوات المغربية 7 بلغت إلى الترويج بأن الملك “حامي حمى الملة والدين”، ذو هوية أسرية يهودية متجذرة في التاريخ 8 وبحجج تثبت ذلك، وهم بذلك يعملون على تقويض كل الثوابت ليدخلوا عبرها إلى باب الهوية المشتركة لليهود في التاريخ المغربي.

يعملون بكل جرئة واطمئنان وغرور على تسريب وحذف كل ما يحلو لهم من نصوص في المنظومة القانونية والمناهج الدراسية واستهداف الهوية الإسلامية، يعملون ولا يعلمون أنهم باستهداف الثوابت يهدمون مقومات النظام والدولة والوطن.


[1] رأي المجلـس الأعلـى للتـربـية والتكويـن والبحـث العلمـي في مشروع القانون رقم 59.21 المتعلق بالتعليم المدرسي، رأي رقم : 2023 /15 یونیو 2023″ ص: 8.
[2] نفسه، ص: 9.
[3] مركز عبري يقارب وجود إسرائيل واليهود في المقررات الدراسية العربية، هسبريس بتاريخ: 17 يوليوز 2024. https://www.hespress.com/مركز-عبري-يقارب-وجود-إسرائيل-واليهود-ف-1400408.html
[4] https://www.constituteproject.org/constitution/Morocco_2011?lang=ar
[5] منظمة تقوم بمراقبة وتحليل مناهج التعليم في جميع أنحاء العالم بهدف مواجهة التطرف وبرنامج «المهارات الحياتية». أعضاء مجلس إدارة المنظمة كلهم على اتصال وثيق بالجامعة العبرية في القدس، ونشطاء في دعم الأنشطة اليهودية، وأصدقاء لجيش الدفاع الإسرائيلي، ولجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية.   https://www.alqabas.com/article/5928694 بتاريخ 04 أبريل 2025
[6] هسبريس، تقرير يرصد حضور قيم السلام والتسامح الديني في المناهج الدراسية بالمغرب، الخميس 23 فبراير 2023.  https://www.hespress.com/1127307-  تقرير-يرصد-حضور-قيم-السلام-والتسامح-ال.html
[7] أحمد وايحمان، ندوة مخاطر الاختراق الص–هيوني للنسيج المجتمعي المغربي 18 مارس 2015. https://www.youtube.com/watch?v=byUJodg126Q
[8] https://youtu.be/jGOs8dYZKmA?si=8g3QXItgjApODrth بتاريخ 04 أبريل 2025