القرآن ورمضان

Cover Image for القرآن ورمضان
نشر بتاريخ

نحن أمام موسم عظيم نجدد فيه علاقتنا بالله تعالى، ونفتح معه عز وجل صفحة جديدة، نقبل بهمة عالية على كتابه العزيز في هذا الشهر العظيم؛ الذي اختصه الله تعالى بفضائل عظيمة، فهو يعد من أكثر شهور السنة بركة ورحمة؛ فقد ميزه الله سبحانه وتعالى بمزايا عديدة وجليلة إذ أنزل فيه القرآن الكريم، قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ  [1].

وقال أيضا: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [2].

وقال تعالى في سورة الدخان: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ [3]. 

ومما يدل على ارتباط القرآن بشهر رمضان وأهمية تلاوته فيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرضه على جبريل عليه السلام في رمضان من كل عام، والعام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه عليه مرتين.

أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: “إن  جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة  مرة” [4]، لذلك فشهر رمضان هو شهر القرآن.

والحديث يدل على استحباب مدارسة القرآن في شهر رمضان والإكثار من تلاوته؛ فينشغل كل من اللسان والقلب بالتدبر والتلاوة، وهي عبادة بشر بشفاعتها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم المؤمنين، حين قال: “اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه” [5].

وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: عن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعنى فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعنى فيه، فيشفعان” [6].

فواجب المسلم اتجاه القرآن في شهر رمضان المبارك؛ تلاوته والحرص على ختمه عدة مرات، وحفظ شيء منه، وتخصيص وقت للتدبر والتأمل فيما نصت عليه الآيات القرآنية، واستنباط الحكم والعبر منها، والاطلاع على التفسير، إذ لا بد من التدبر والتفكر في آيات القرآن الكريم  أثناء تلاوتها، مع الحرص على حضور القلب، اقتداء برسول الله  صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان عليه الصلاة والسلام  أكثر جودا في رمضان، ومن الجود الاعتناء بالقرآن الكريم ومدارسته وتلاوته والتفكر والتدبر  في معانيه ودلالاته؛ روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسَلة” [7].

ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل القرآن الذين يعيشون معه ويقرؤون آياته ويتدبرون معانيه، فقال صلى الله عليه وسلم: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه” [8].

لذلك أجزل سبحانه وتعالى لحفظة كتابه العطاء، فجعل لهم بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، بل وأكرمهم بترقيهم إلى الدرجات العلا في الجنة بسبب اجتهادهم في التلاوة.

إن تدبر القرآن يدعو إلى التفكر، فكلما قرأ المؤمن  المزيد من الآيات، زاد إقباله على الله تعالى.

والتدبر من بين الأمور التي ينبغي أن تلفت أنظار المؤمن ويعتني بها؛ لكن بعض الناس يركزون في رمضان على تلاوة قدر كبير من القرآن الكريم دون تدبر، وبعضهم يتوقف عند آيات معدودة ويتدبرها ولا يتجاوزها، والصواب أن يجمع المؤمن بين وردي التلاوة والتدبر.

لذلك وجب على المؤمن الاجتهاد في ملازمة القرآن في شهر القرآن، قراءة وسماعا وتدبرا، عملا وتطبيقا، حفظا ومراجعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “تعاهدوا هذا القرآن؛ فو الذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها” [9].

فطوبا لمن أحسن استثمار أوقات شهر رمضان،  اقتداء  بسيد الخلق عليه الصلاة والسلام.

نسأل الله تعالى أن يشرح صدورنا بالقرآن، ويرزقنا الفهم والبيان.. أمين.


[1] – سورة البقرة، الآية 185.
[2] – سورة القدر.
[3] – سورة الدخان، الآية 3.
[4] – صحيح البخاري، رقم 6285.
[5] – صحيح مسلم، رقم 804.
[6] – صحيح الجامع، رقم 7329.  
[7] – صحيح البخاري، رقم 3220.
[8] – صحيح البخاري، رقم 5027.
[9] – صحيح مسلم، رقم 791.