بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث بالقرآن العظيم ليكون رحمة للعالمين. أما بعد فالقرآن روح الأمة، فبه تحيى القلوب، وتستنير الأفئدة والأبصار.
مقدمة
القرآن الكريم نور وضياء، قال الله تعالى: أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 123]، وهو منهاج يهتدي به كل من كان له قلب، يقول الله عز وجل: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى: 49]، فالقرآن الكريم منة الله على رسوله ﷺ وعلى هذه الأمة، وبه وباتباع النبي ﷺ تتحقق الاستقامة الحقة، فهو منبع الحياة الطيبة للفرد والأمة.
القرآن والخلاص الفردي
إن القرآن الكريم كلام الله عز وجل، وقراءته وتدبره عبادةٌ عظيمة ترفع العبد درجات فيرتقي في مدارج الإحسان، وهو تجارة رابحة مع الله عز وجل، يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ [فاطر: 29].
ولقارئ القرآن فضائل كثيرة في الدنيا والآخرة، نذكر منها:
– قراءة القرآن الكريم اصطفاء، قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر: 32].
– القرآن الكريم حياة لقلب قارئه، كان مالك بن دينار يقول: “يا أهل القرآن، ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع القلوب كما أن الغيث ربيع الأرض”.
– القرآن الكريم بركة، قال الله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَك [ص: 28]. وكان بعض المفسرين يقول: “اشتغلنا بالقرآن فغمرتنا البركات والخيرات في الدنيا”.
– القرآن شفيع لصاحبه يوم القيامة، يقول رسول الله ﷺ: “اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقانٌ من طير صواف، تحاجّان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة” [رواه مسلم].
– يرفع صاحبه درجات يوم القيامة، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارْقَ، ورتّل كما كنت ترتّل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها” [رواه أحمد وأصحاب السنن عدا ابن ماجة].
القرآن والخلاص الجماعي
يخاطب الله تعالى عباده الذين آمنوا جماعة، فيكون المقصود من تلاوته وحفظه وتدبره العمل به في ظل عمل جماعي ممنهج، يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “إن القرآن كتاب جهاد، كتاب إسلام جماعي، كتاب عمل جماعي” [الإسلام غدا، ص: 62].
فالقرآن الكريم منهاج ينير الأمة فينقلها من جهلها بإسلامها إلى أمة ممكنة ومستخلفة في الأرض بإذن ربها مهما طال استضعافها، يقول الله عز وجل: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَي اَ۬لذِينَ اَ۟سْتُضْعِفُواْ فِے اِ۬لَارْضِ وَنَجْعَلَهُمُۥٓ أَئِمَّةٗ وَنَجْعَلَهُمُ اُ۬لْوَٰرِثِينَ [القصص: 4]. وهذا الاستخلاف يكون على يد جماعة مؤمنة، آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر، صادعة بالحق لا تخاف لومة لائم، يقول عز من قائل: وَلْتَكُن مِّنكُمُۥٓ أُمَّةٞ يَدْعُونَ إِلَى اَ۬لْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ اِ۬لْمُنكَرِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُفْلِحُونَۖ [آل عمران: 104]. ويشير الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله في كتاب الإسلام غدا [ص: 69] للولاية الخاصة بين المؤمنين وعلاقتها ببناء أمة إسلامية قوية تستقطب آمال المسلمين.
وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تبارك وتعالى، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده” [رواه مسلم] بيان لفضل الكينونة مع الجماعة المؤمنة المتمسكة بالقرآن الكريم، وأهمية التدارسُ الذي ينقل العبد من العبادة الفردية إلى تعليم وتعلم القرآن الكريم والتواصي بالحق والصبر، فيتحقق بذلك خروج الأمة من ظلمات الفساد والاستبداد إلى نور العدل النبوي وإلى نور منهاج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فاللهم علمنا القرآن واحفظنا وانفعنا وارفعنا بالقرآن، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، واجعله شفيعا لنا.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.