القرآن الكريم مرجع العالم والحاكم

Cover Image for القرآن الكريم مرجع العالم والحاكم
نشر بتاريخ

تعهُّد كتاب الله تلاوةً وتجويداً وحفظاً وفهماً وتدبراً وتعليماً وتعلّماً، إحياءٌ لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولزومُه علامة الحظ من الله إن كان مع القرآن تقوى، لهذا جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم معيار الاصطفاء. فيما روى سيدنا عثمان رضي الله عنه قائلا: “بعث النبي صلى الله عليه وسلم وفدا إلى اليمن، فأمَّرَ عليهم أميراً منهم وهو أصغرُهم، فمَكَثَ أيَّاماً لم يَسِرْ، فلقيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلا منهم فقال: يا فلانُ! مَالك؟ أمَا انْطلقتَ؟ قال: يا رسول الله ! أميرُنا يشتكي رجلَه، فأتاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ونفَثَ عليه: بسم الله وبالله، أعوذ بالله وقُدرتِه من شرّ ما فيه سبع مرات، فبَرَأ الرجلُ، فقال له شيخٌ: يا رسول الله! أتُؤَمِّرُهُ علينا وهو أصغرُنا؟ فذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم قراءته القرآن، فقال الشيخ: يا رسول الله! لولا أني أخاف أن أتَوَسَّدَ (أنام) فلا أقومَ به لَتَعَلَّمْتُهُ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنما مَثَلُ القرآن كجِرابٍ مَلأتَهُ مِسكا مَوضُوعاً (تضوع رائحته أي تفوح)، كذلك مثلُ القرآن إذا قرأتَه وكان في صدرِكَ” 1 .

علّمنا صلى الله عليه وسلم أنه يُؤتمن على دولة القرآن أهلُ القرآن، وكان القرآن عند سليمي الفطرة سَلفنا الصالح هو العلم، وهو مرجع المتعلم، لهذا قال الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله مُوجِّهاً: توبتنا إلى الرحمن وتسميتنا لدولة القرآن لا يصحان لنا إلا بهدي القرآن، علوم القرآن، منه ننطلق، وإليه ننتهي، به تطب القلوب، وبه تهذب الأخلاق، وفي مدرسته تطبع كل العلوم لتأخذ صبغة الله، وتجند لخدمة دين الله، الحق الذي جاء به القرآن هو معيار كل القيم، به نعرف نسبة الإنسان للإنسان، ونسبة الإنسان للكون، ونسبة الدنيا للآخرة، ونسبة الحق للباطل، في إطار نسبة العبد لربه وأنصعُ ما تكون النسبة بين العبيد ومولاهم الحقِّ حين يتلون كتابَه المنـزَّل عليهم رحمةً وحكمة، وحين يشمرون لتنفيذ الأوامر واجتناب النواهي) 2 ،

عود على بدء، نعود إلى حيث كان منطلق الدعوة والدولة النبوية، بصحبة القرآن، إنّ عودتَنا إلى حظيرة الإيمان تقتضي أن نجلس عبيدا يستمعون القولَ فيتبعون أحسنَه، ومَن أحسنُ من الله حديثا، وأوثقُ سَنداً، وأوْهبُ للعلم؟ نجلس إلى القرآن نذكُرُ ربنا فنكون جلساءَه، ومن هذه الجلسة والاستماع والتلمذة لرب العالمين تستقيم لنا النظرةُ، فنُمسكُ بالعقل نَزْجُرُه عن تشرد العقلانية الفلسفية وتسيُّبِها، ونجيء به طائعا لله رب العالمين تحت مراقبة القلب ونجنده ليطوِّع آيات الله في الكون لآيات الله المتلوة المنَزَّلة المقدَّسة) 3 ، نساءً ورجالاً، شيباً وشباباً، أطفالاً وكباراً، من هنا الداء وهنا الدواء كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: “سَتكُونُ فِتَنٌ، قيل: وما المخرَجُ منها؟ قال: كتابُ الله فيه نَبَأُ ما بَعْدَكُمْ وَخَبَرُ ما قَبْلَكُمْ وحُكمُ مابَيْنَكُم” 4 .

ومن هنا أقبلت جماعتنا المباركة على أمر القرآن فجعلته أساس عملها وعمدة تعليمها وتربيتها، وامتثلت المؤمنات لخطاب الله، جلت عظمته، لهنّ بمعنى وجودهن في الدنيا وبمعنى الدنيا وبمصير الآخرة، حين أمر رسوله الكريم بتبليغ هذا البيان لنسائه بالأصالة ولنساء العالمين بالمثال، فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً 5 .


[1] أخرجه الطبراني رحمه الله.
[2] إمامة الأمة، الأستاذ عبد السلام ياسين.
[3] إمامة الأمة، الأستاذ عبد السلام ياسين، ص 160.
[4] أخرجه الترمذي وغيره رحمهم الله.
[5] الأحزاب:28.