الفن والثقافة في زمن الطوفان: ندوة فكرية تسائل الوعي وتستنهض الفعل المقاوم

Cover Image for الفن والثقافة في زمن الطوفان: ندوة فكرية تسائل الوعي وتستنهض الفعل المقاوم
نشر بتاريخ

في ندوة فكرية نقلتها قناة الشاهد، مساء الخميس 10 يوليوز 2025، بعنوان “الفن والثقافة واجهتان للمقاومة في زمن الطوفان”، وذلك في سياق الانخراط الثقافي والفني في معركة الوعي الدائرة بالتوازي مع العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة، وشارك فيها ثلاثة متدخلين رئيسيين، هم: الباحث في الشأن الثقافي سعيد مولاي التاج، والفنان عبد العالي النقري، والإعلامية والناشطة هاجر الكيلاني، وأدارها الدكتور بالقاسم الزقاقي، حيث قاربوا موضوع المقاومة من زوايا مختلفة تجمع بين التحليل الثقافي، والتجربة الفنية، والبعد التاريخي لدور المرأة في معركة التحرر.

مشروع اختراق ناعم بأهداف عميقة

انطلق الباحث في الشأن الثقافي، الأستاذ سعيد مولاي التاج في مداخلته من سؤال محوري حول سبب الإصرار الغربي على اختراق العالم العربي والإسلامي ثقافيا، موضحا أن هذا المشروع يسعى لتحقيق ستة أهداف مركزية، أولها الهيمنة الحضارية، حيث يقدم الغرب نفسه كمنظومة قيادية وجودية وأخلاقية واقتصادية، استمرارا لمرحلة الاستعمار، التي ترى في شعوبنا مجرد أتباع أو موارد خاضعة.

ويتمثل الهدف الثاني، حسب المتحدث، في التمهيد للنهب الاقتصادي عبر تفكيك البنية النفسية والثقافية للمجتمعات، مما يجعلها مهيأة لقبول السيطرة ونهب الثروات دون مقاومة. أما الهدف الثالث، فيتعلق بـإضعاف الهويات الحضارية المنافسة وإعادة تشكيلها على نمط النموذج الغربي، ليغدو المجتمع قابلا لتبني ثقافات وقيم دخيلة، وهو ما يمهد للهدف الرابع، الذي يتمثل في تسويق الغرب لنفسه كمنقذ للبشرية ومرشد لها عبر أدوات ناعمة ووسائط متعددة.

وأضاف مولاي التاج أن القابلية للاختراق تمثل هدفا خامسا لا يقل خطورة، في ظل الفراغ القيمي والتربوي وغياب مشروع ثقافي ذاتي متماسك، فضلا عن الفجوة الواسعة بين الأجيال. أما الهدف السادس، فمبني على قناعة الغرب بأن العدو المستقبلي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي هو العالم الإسلامي، وهو ما يبرر استمرار استهدافه، خصوصا في الجبهة الثقافية.

الفن المقاوم: انفعالات جمالية في معركة التحرر

وفي مداخلته الفنية، ميز الفنان والإعلامي، الأستاذ عبد العالي النقري بين ما يقدم في مهرجانات الاستهلاك الفني مثل “موازين”، وما يجب أن يكون عليه الفن المقاوم، مؤكدا قوله “لهم موازينهم ولنا موازيننا”. في إشارة إلى المفارقة الكبيرة التي أصبحت عليه الاختيارات التي قد توصف بالفنية في المناسبات التي ترعاها الأنظمة الرسمية والفن النبيل صاحب الرسالة منها براء.

ويرى النقري أن الفن هو انفعال نفسي راقٍ تجاه أحداث الوجود، سواء جاءت من مدخل الفرح أو الحزن أو الألم. وهو أيضا تعبير مثالي عن واقع غائب، يوجد فقط في خيال الفنان، الذي يسعى إلى نقله للناس بمنظور جمالي. وفي السياق ذاته، يعرف الغناء بأنه لون تعبيري إنساني، يحمل المعنى في ألفاظه وانفعالاته، فيما تعد الموسيقى مظهرا من مظاهر الحكمة، حتى إن بعض الفلاسفة صنفوها ضمن فروع الرياضيات.

ولخص الفنان فكرته في أن الفن والغناء والموسيقى حين ترتبط بمشروع تحرري، فإنها تجمَع تحت راية ما يعرف بـ*”الفن المقاوم”*، كما يصفه المفكر أحمد عزت السيد، وهو ذلك الفن الذي تتحول فيه الحنجرة والريشة والقلم إلى بندقية، تشارك في المعركة كما يفعل المرابطون في ميادين النزال.

نساء في قلب المقاومة: بين الخصوصية النسوية والحركة الجهادية

أما الإعلامية هاجر الكيلاني، فقد ركزت في مداخلتها على دور المرأة الفنانة والمثقفة في خدمة القضية الفلسطينية، من خلال محورين: التأصيل التاريخي والتفعيل المعاصر. وأكدت أن المرأة لم تكن فقط أما لشهيد أو زوجة مقاوم، بل كانت في قلب المعركة، تزرع الأمل وتكتب التاريخ وتقاوم بريشتها وصوتها وكلمتها.

وأبرزت الكيلاني النموذج التاريخي المؤسس للمرأة المقاومة، من خلال شخصية أسماء بنت أبي بكر، التي لقبت بذات النطاقين لأنها كانت تزود رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباها بالمؤونة أثناء الهجرة، فشقت نطاقها نصفين الواحد لأغراضها والثاني لتربط به الزاد. وهذا الموقف، كما تؤكد الكيلاني، يعكس توازنا عميقا بين الحفاظ على الخصوصية كأنثى، والوعي الكامل بالواجب الجهادي.

كما استحضرت في مداخلتها المطولة نماذج أخرى كثيرة منها نسيبة بنت كعب، التي شاركت في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لها دور بارز في تثبيت الصحابة في لحظات الضعف كما في معركة أحد، وتحفيزهم على الصمود في وجه العدو. وهو ما يوضح أن المرأة لم تكن هامشية في مسيرة المقاومة، بل كانت رفيقة الدرب، وصاحبة الأثر، وجزءا من صناعة التاريخ النضالي للأمة.