الفكر المادي في ميزان الإسلام

Cover Image for الفكر المادي في ميزان الإسلام
نشر بتاريخ

ماذا رأيتم من الاسلام حتى تحرفون شريعته وتبغضونه؟

قبل أن نخوض غمار الكتابة في هذا الموضوع لابد من الاشارة أولا إلى صراع الدائر بين الماركسية والديانات السماوية وخاصتا منها الإسلام لما يمتاز به من نظام شامل يهيمن على جميع مجالات الحياة، فرغم محاولاتها المتكررة والدنيئة لنيل من الاسلام إلا انها لم تفلح ولن تفلح أبدا في ذلك، والسبب في ذلك أن الديانة الاسلامية شاملة لكل ماهو اجتماعي واقتصادي وسياسي… .

لكن الافاعي السامة لن تنكمش وتدخل جحرها؛ ولان المكر والخداع من شيمها استطاعت أن تكسب إلى صفها الجاهلين بالمبادئ الاسلام من بني جلدتنا؛ واستطاعت عن طريقهم ان تسكت صوت المظلوم الجائع وإلهاء العامة عن المطالبة بالإنصاف عن طريق الاسلام ليخلوا لها الجو وتلصق التهمة بالإسلام على أنه لا يكترث للهم اليومي للإنسان، وبالفعل استطاعت ذلك وتنقبت بنقاب الالتصاق الشديد بالهم اليومي للعامل البائس وعرفته بالطبقة المستغلة الظالمة واستطاعت أيضا أن تقنعه بان الدين أفيون الشعوب، والرجوع إليه رجعية،والمناداة بفصل الدين عن السياسة.

إنها تهمة ثقيلة فكيف نزيحها؟

دعوة تنتظرنا وتهمة تقيله ورائنا، لكننا لن تنطلي علينا مقولاتهم، فلدينا الأجوبة لكل مايطرحونه من بديل عن الإسلام؛ فلإسلام كان السباق للالتصاق بالهم اليومي ومساندة المحروم، وخير دليل على هذا قوله عز وجل في كتابه المحكم فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة 1 . من هذه الآيات الكريمة نستخلص بالفعل الحنو على حالة المقهور والجائع والتهمم باليوم الشديد…

من هذه الآيات يحسم الصراع بين الاسلام والماركسية، ولفضح هذه الاخيرة يجب علينا اتباع الحكمة الاسلامية التي تجعل العطاء للمؤلفة قلوبهم مقدمة للدعوة.

لم يحثنا الاسلام يوما ان نلزم بيوتنا ونتعبد في المساجد كما ينادون بها العديد من بني جلدتنا اليوم” إذا اردتم التعبد أذهبوا إلى المساجد واتركوا السياسة، فما لله لله وما لقيصر لقيصر، كلا يا دعاة العلمانية لن نخضع بالقول ليطمع من في قلبه خبث وعداء للإسلام كي ينال منه؛ لكن ذوي النيات الحسنة يبررون هذا القول بأن السياسة فيها خبث ولا يمكن مزجها مع الاسلام، عفوا راجعوا أفكاركم قبل أن تنطقوا بهذه التفاهات، ويا للأسف على عقول بريئة غدرت بها الماركسية وجهلتها مبادئ دينها لتترك للإلحاد الفرصة لنيل منها ومن دينها، فتذكروا قول الله عز وجل ” قفوهم أنهم مسؤولون ” انتم مسؤولون عن دينكم امام الله.

وما يزيد الطين بلة حينما يدعون أنهم يؤمنوا بمحمد في السماء وبماركس في الارض،-ولتصحيح ذلك وفقط- نحن نؤمن بالله وحده لا شريك له في السماء وبمحمد في الارض صلى الله عليه وسلم ، ولإسلام اتى ليأمرنا بالتعبد والعدل والاحسان فلا سياسة بدون عدل .

صحيح أن كلمة السياسة غير موجودة في القرآن؛ وهذا لا يعني أنه أهمل هذا الجانب؛ بل هناك العديد من المواقف السياسية ومجموعة من الكلمات تدل على أن القرآن احتفى بهذا الجانب كغيره من الجوانب الاخرى؛ ولنا في قصة يوسف نبي الله عليه مواقف سياسية رائعة وكيف استطاع ان يدير أمور الحياة في عز الازمة، ولنا في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة لنرجع نتفقد سيرة حبيبنا عليه أفضل الصلاة والسلام، ولنا في ملكة سبأ التي دار حكمها على الشورىما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون 2 .

لم يكتفي القرآن الكريم بهذه القصص ليعتبر منها الخلق بل أتى بأكثر من 600 آية تحدث فيها عن الاقتصاد والجانب الاجتماعي وكيفية إدارة الحرب والدولة وسميت بآيات الاحكام .

وفي الأخير أريد ان أتساءل معكم عندما يقولون فصل الدين عن الدولة هل هذا يعني عندهم ان السياسة لا تلتزم بالأخلاق وبالقيم والقواعد الدينية وإنما هي تتبع للمنفعة المادية، وأن الله ليس له مكان في دنيا السياسة، فالسياسة يا سادة حين ترتبط بالدين تعني العدل في الرعية والقسمة بالسوية وأخذ حق الضعيف ، والدين يمنح للسياسة الضمير الحي وكما يقول الاستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله ينادي الضمير الانساني المستيقظ بحق الشعوب في تقرير مصيرها وبالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية ينادي بحق المرأة والطفل بحق العمل والصحة والتعليم بحق السكن الكريم بحق المرضى والعجزة وكل ذلك ما نتعبره دنيا إن قسمناه بمعايرنا ووزناه بصنوج ميزاننا) 3

هذا هو الضمير الحي الذي يجب ان يسود في السياسة كي لا تفقد جوهرها وتبقى في نطاق التعبد إلى الله، وفي نفس الوقت ادراك المهمة على وجه صحيح في غنى عن المادية وبراثينها.

ولنرجع إلى ما بدأناه سالفا أن الماركسيين يلصقون كذبهم بالإسلام ويقولون انه لا يحث على أخذ الحقوق، بل العكس الدين يجرئ الجماهير ان تقول كلمة الحق وتنصح الحاكم، وخير دليل في عهد الصحابة سيدنا عمر عندما خرج على رعيته في خطبة بعد توليه الخلافة وقال ” إذا رأيتم في عوجاجا فقوموني ” وما أكثر الآيات والقصص والأحاديث التي تبين هذا الامر إلا ان المجال لا يتسع لنا لذكرها.

وصدق من قال نصف العالم يفسد الاديان ، فكم ذبح فرعون في طلب موسى من ولد… ولسان القدر يقول لا نربيه إلا في حجرك.

فلتناموا يا دعاة العلمانية والإلحاد نومة هنيئة فإن إنساق ورائكم البعض من بني جلدتنا فالآخرون مجندون لفضحكم فنحن لن نستسلم… ننتصر او نموت… وهذه ليست النهاية… بل سيكون عليكم ان تحاربوا الجيل القادم والاجيال التي تليه.


[1] سورة البلد
[2] النمل 32
[3] كتاب العدل ص 317.