الغريب في الأمر

ليس في الأمر جدة أن يكون المرء غريبا، لكن الغريب فيه أن يكون غريبا في وطنه وموطنه ومسقط رأسه، الغريب أن يعيش في براثين الجهل وأن يسبح في مستنقع الجهالة، وأن يختنق في وحل البطالة، أن يعيش بغريزة حيوانية محضة تنأى به عن أدنى مظاهر التحضر والحضارة، الغريب في الأمر أن يعيش المرء غريبا في وطن أتى من رحمه، الغريب أن يعرف فيه معنى الذل والقهر وأن يعيش فيه تحت وطأة فقر مصطنع، الغريب في الأمر أن يعيش المرء و يموت دون أن تعرف هويته، أن يجد و يجتهد ليصطدم في النهاية ويجد أن طريقه مسدود مسدود ولا أمل للعبور ليقف مكتوف اليدين، يتأمل أحلامه تحلق كحمام بري لن يعود إلى موطنه ولو بعد حين. الغريب في الأمر أن يصرخ ولا يسمع صوته، وأن يترك ينزف حتى الموت ولا يصل الخبر. الحزين في الأمر أن يكره المرء وطنه وأن يتمنى الرحيل عنه ليرتمي في أحضان آخرين. المؤلم في الأمر أن يعيش المرء غريبا ووطنه في أمس الحاجة إليه. والعجيب في الأمر أن يكون المرء انهزاميا، تضطره الظروف إلى التقهقر والتراخي بدل المضي قدما وتحدي كل المثبطات مهما نتأت واقتحام كل العقبات مهما كثرت وتجاوز كل الآلام مهما اشتدت كدحا إلى الله إلى حين ملاقاته مجاهدا منافحا لا قاعدا.