لقد من الله تعالى علينا بمواسم للخير تعد فرصة للتقرب منه وتجديد النية والعزم. ونقطة تحول من الغفلة والفتور إلى الجهاد واليقظة والإقبال عليه بالطاعات وأعمال البر.
واليوم نعيش نفحات أفضل أيام السنة وأعظمها أجرا؛ العشر الأوائل من ذي الحجة، التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه فلم يرجع من ذلك بشيء” (رواه أبو داود، والترمذي).
عشر تتوج بالاحتفال بعيد الأضحى، الذي أكرم الله به هذه الأمة، إلى جانب عيد الفطر، وجعلهما مرتبطين بالعقيدة والأخلاق والمعاملات.
والعيد لغة من المعاودة، وسمي بذلك لأنه يعود على الناس مرة بعد أخرى، وفي الإسلام هو وسيلة لتحقيق مقاصد الشريعة العامة، لأنه يعود على المسلمين عقب أداء عبادة فضلها عظيم. وهو أيضا يوم الجائزة والبشارة بالفوز بجنان الخلود؛ فعيد الفطر يأتي بعد فريضة صيام رمضان المبارك التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه)، وروى الطبراني في الكبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم، يمن بالخير، ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم. فإذا صلوا نادى مناد: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم. فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة”.
أما عيد النحر فهو مرتبط بمناسك الحج، يقول الله عز وجل: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (الحج، الآيتان 27 و28).
منافع دنيوية وأخروية، وخير عميم للأمة الإسلامية، التي تلتقي من مختلف أنحاء العالم في يوم واحد، في بقعة واحدة، متجهة إلى الله بشكل واحد، رغم اختلاف اللغات والأجناس والألوان. وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل فقال: “الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: “من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه” (متفق عليه).
مغفرة ورضوان نتيجة التجرد عن الماديات، والصبر على الشدة، وترك الرفاهية والكسل، والتواضع والتخلق مع الناس، والاجتهاد في العبادة والإخلاص فيها. فحق للمسلم أن يحتفل بهذا الفوز ويكون له العيد محطة لشكر الله على توفيقه لأداء الطاعة والثناء عليه بالتكبير والتهليل، ويتخذها أنشودة يكررها في كل تصرفاته وحركاته، ويرفع بها صوته طوال ليلة عيد الفطر وخلال بضعة من أيام عيد الأضحى.
وهكذا يغير المسلم من نمط حياته وسلوكه، ويستروح من مشاغل الحياة، ويدخل على نفسه البهجة والسرور، ويتجمل بأجمل الثياب، ويأكل أطيب الطعام، وينفق على أهله بسعة وجود، ويلهو الكبار ويلعب الأطفال بما لا يعود عليهم وعلى المجتمع بالضرر والفساد، لما روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: “دَخَلَ أبو بَكْرٍ وعِندِي جَارِيَتَانِ مِن جَوَارِي الأنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بما تَقَاوَلَتِ الأنْصَارُ يَومَ بُعَاثَ، قالَتْ: وليسَتَا بمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقالَ أبو بَكْرٍ: أمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ في بَيْتِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وذلكَ في يَومِ عِيدٍ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبَا بَكْرٍ، إنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وهذا عِيدُنَا” (صحيح البخاري، 952).
ولا تكتمل فرحة العيد دون أن يسعد المسلم أقاربه وجيرانه بصلة الرحم، ودون أن يوطد علاقته مع أخيه المسلم وأهل بلده معنويا وماديا، وذلك بمواساة الفقراء والمساكين والأرامل، وتقديم الصدقات والإعانات المالية. روى مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من نفَّس عن مومن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه”.
ومن مقاصد سنة الأضحية إشباع الفقراء من اللحم الذي لا يتوفر لهم طيلة السنة. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: “التجمل للعيد سنة، واللهو المباح الخفيف الذي لا يتنافى مع ذكر الله سنة، والأضحية سنة. وكان الأمام عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أكثر الناس لحما في بيته في كل أيام السنة، لكنه رضي الله عنه كان لا يذبح يوم عيد الأضحى لما رأى الناس يتنافسون في ذلك، فخشي إن هو تابعهم أن يزداد التنافس، ويتكلف الفقير، أو يظن أنها فريضة. وإنها لكارثة أن تتحول قربة من القرب عادة يتنافس أهل البيوت عليها، وهنا لابد من جهاد لفصل ما بين السنة والعادة، في هذا وأمثاله” (المنهاج النبوي، ص283).
فما أحوجنا اليوم أن يسري هذا الوعي بين الناس، حتى لا ينقلب العيد من مناسبة للفرح والبهجة إلى يوم هم وضنك ومعاناة للصغير والكبير بالنسبة المعوزين والمعسرين، فديننا دين يسر وليس عسر، دين معاملات وتضامن ما بين الأغنياء والفقراء. فلينفق كل من سعته وحسب إمكانياته المادية.