العنف الاقتصادي ضد النساء.. إلى متى؟

Cover Image for العنف الاقتصادي ضد النساء.. إلى متى؟
نشر بتاريخ

 

لقد اتخذ العنف مناحي عدة يجتث راحة الناس الرجال منهم والنساء، ويتنوع بين اللفظي والجسدي والجنسي والنفسي والاقتصادي وغيرها من الألوان والأطياف، التي تكتوي بنارها النساء أكثر من الرجال.
إن العنف الاقتصادي، مرمى نظرنا في هذا المقال، قد تبدأ بوادره من وقت مبكر في مرحلة التأهيل حين تُحرم المرأة من حقها المشروع دون شرط في الدراسة والتعلم والتأهيل والتدرب إما لحجج الأعراف والتقاليد التي أكل الدهر عليها وشرب حتى التخمة، أو لدواع تنموية حين يُغيِّب الفساد المرافق العمومية الرئيسية من مؤسسات تعليمية وجامعات، فمن يمنع البنت من حق كفلته لها كل الشرائع ونصت عليه كل المواثيق؟ 
ثم وإن نجحت المرأة في تجاوز عقبة العلم وحازت الشواهد فالعنف قائم بالتمييز على أساس النوع الاجتماعي كشكل من أشكال التحكم في المرأة خاصة مواردها البشرية، فطبيعتها البنيوية والنفسية والفيزيولوجية لن تسمح لها بتقلد بعض المناصب، والتسلط الذكوري سيمنعها من الوصول إلى مراكز القرار، كما أن معظم ما تشغله، إلا استثناء، هو ما يتطلب يدا عاملة كثيفة لا تنفع معها المهارات أو الكفاءة العلمية، ما يُخبي جذوة الإبداع فيها.
ويمتد العنف الاقتصادي إلى ما بعد الوظيفة والحصول على مردود منتظم، فتتجلى أمام المرأة عقبات أنكى حين تجد نفسها أمام زوج أو أي فرد من أسرتها لا يراعي لجهدها حرمة، ويسيء فهم الدرجة التي منحها إياه الشرع والأخرى التي منحها إياه مجتمع الانحباس الفقهي، فإن لم يمنعها من العمل رغم سوء الظروف الاقتصادية للأسرة، يأخذ راتبها وأغراضها غصبا لا تتصرف فيها بحرية المالك بل بقصور وعدم أهلية المملوك… ناهيك عن العمل دون أجر خاصة في الأرياف حيث تكثر الأنشطة الزراعية، أو في المقاولات الأسرية حين تكون مساهمة الأفراد دون مقابل.
إن المرأة غير ملزمة بالإنفاق شرعا لكن الظروف الاجتماعية  والاقتصادية فرضت عليها أن تكون منتجة مما اضطرها للنزول من برجها الاستراتيجي لتشارك في ميدان المدافعة بحثا عن مورد رزق يضمن لها كرامتها ويحقق لها ضروريات العيش مما جعل أباطرة الاقتصاد يستغلون حاجتها.
إن التطور الذي يشهده العالم لن يسمح برجوع المرأة إلى البيت فقط لأن عملها كيفما كان فهي تروم منه استقلالا ماديا ومعنويا، وإن رضيت ذلك، إن ناء من العبئ الكاهلُ، فأكثر العاملات هن معيلات لأسر وأطفال، زيادة على أن المرأة تمثل أزيد من 70% من الكتلة العاملة في شتى القطاعات، فممارسة العنف عليها لإرجاعها إلى الانكماش والاكتفاء بعمل البيت لهو لعمري عين النكوص.
في ظل هذه المعطيات فقد عمل المشرع على توفير ترسانة قانونية تنص على حماية المرأة العاملة وعدم التمييز على أساس الدين أو الجنس أو اللون أو أي أساس آخر إلا الكفاءة المهنية، كما تنص على توفير مرافق ومستلزمات لظروف عمل مريحة للأمهات، زيادة على تأكيدها على منع أي تمييز بين الجنسين في الأجر حال تساوي قيمة الشغل، وغيرها من المواد والبنود المتعلقة بعقود العمل والمنظِّمة للعلاقة التكاملية بين الرجل والمرأة والمناهضة لكل أشكال العنف بينهما، إعمالا للمواثيق الدولية للنهوض بأوضاع النساء.
بيد أن مستودع القوانين هذا قد طاله النخر جراء التهميش والفساد الإداري الذي استشرى في كل المرافق، والاستبداد الجاثم على النفوس يخنق منها الأنفاس، فالقوانين والدساتير وتر تعزف عليه الذمم الفاسدة عند الحاجة إلى أصوات النساء، وبعد ذلك لك الله يا أمة الله، فمع غياب الفعل القوي والميداني، لن تقوم للقانون قائمة في ظل نكوص المنافحين عن الحق وفي ظل الخرجات الموسمية والبيانات الخجلى المنمة عن مسافةٍ إلى الانعتاق غير قريبة، وستظل المرأة الحلقةُ الأوهنُ تتلظى بسعير العنف العشوائي منه والممنهج.