العنف الاقتصادي ضد المرأة (2)

Cover Image for العنف الاقتصادي ضد المرأة (2)
نشر بتاريخ

في مقال اليوم نتناول مظهرا من مظاهر البؤس الذي تعيشه فئات عريضة من النساء بسبب الفقر، ولا تكاد مدينة من مدن المغرب تخلو منه “خادمات المُوقف”، المُوقف هو مكان تتخذ منه هؤلاء النساء مكانا لطلب العمل، يستجدين بتوسلاتهن نساء ورجالا يأتون بسياراتهم لاختيار إحداهن للعمل طيلة اليوم مقابل أجر زهيد، نساء تضطرهن أوضاعهن الاجتماعية إلى البحث عن لقمة عيش غير سائغة، حيث تجتمع عشرات من النساء الأرامل والمطلقات والعازبات من مختلف الأعمار، يعرضن خدماتهن للراغبين في “صبانة” أو عاملة تنظيف أو الجني في الحقول.

عاملات تدفعهن المآسي الاجتماعية إلى تعريض أنفسهن لأبشع استغلال، بالإضافة الى المعاملة الفظة والحاطة بالكرامة الانسانية من قبل المشغلين، تعمل هؤلاء النساء لساعات طوال وفي ظروف محفوفة بالمخاطر، ودون أي اكتراث بصحتهن.

يستيقظن عند بزوغ الفجر وقبل انبلاج نور الصباح، يتجمعن في أماكن معلومة بعد أن يكن قد أعددن فطور الصباح ووجبة الغذاء لبقية أفراد العائلة واقتطعن منها ما يسد الجوع في يوم توحي بدايته على أنه سيكون محفوفا بالمخاطر، وما إن يقترب منهن شخص بسيارة أو دراجة أو راجلا حتى يتسابقن نحوه بشكل جماعي، وكلمة واحدة في أفواههن »بغيتي شي خدامة«…

أعمال شاقة مقابل أجر زهيد

بعد أن تحض عاملات الموقف بفرصة عمل قد لا تعود إلا بعد مدة، إن كانت محظوظة يتم اختيارها للقيام بأعمال منزلية تمتد لساعات طويلة من النهار وقد لا تنتهي إلى أن يرخي الليل سدوله، لتعدن إلى بيوتهن وأبنائهن محملات بالقليل أو الكثير حسب ما يجود به المشغل، فبالرغم من التفاوض حول الأجر، إلا أن المشغل قد يتراجع عن وعده بحجة عدم إتقان العمل، وتتراوح أجرة اليوم بين 60 و100 درهم، أما البعض الآخر يتم اختيارهن للعمل في الضيعات والحقول في البوادي، ليتم الزج بهن في وسائل نقل أقل ما يقال عنها أنها تصلح لحمل الحيوانات، فيتم تكديسهن في الصندوق الخلفي لشاحنة مكشوفة يتعرضن للبرد القارس في الشتاء أو للحرارة المفرطة في فصل الصيف دون اعتبار لآدميتهن.

استغلال متعدد الوجوه

رغم ما تعانيه نساء المُوقف من معاملة مذلة للمهام الشاقة التي تقوم بها من تنظيف وترتيب وغسل وكنس وجني الثمار أو تنقية المحاصيل من الأعشاب الضارة، إلا أن الأخطر هو ما تتعرض له خادمات الموقف من عنف لفظي ومادي واستغلال جنسي وتحرش من طرف المشغل، مع عدم القدرة عن الدفاع عن نفسها أو حتى الشكوى حتى لا تتعرض للطرد وقطع الرزق وكثرة القيل والقال. إضافة إلى كل هذا الاستغلال، فإن هؤلاء النساء محرومات من كل تغطية صحية أو أي تأمين ضد حوادث الشغل، فقد تصاب إحداهن بحادثة أو أمراض نتيجة المواد التي تستعملها، ولا يتم تحمل نفقات علاجها من طرف المشغل.

تعتبر خادمات الموقف فئة اجتماعية تعاني من كل أنواع الاستغلال، وما فاقم من أوضاع بعضهن وجود من يستغلن “الموقف” لتنفيذ سرقات للبيوت أو لتشتيت الأسر أو ممارسة الدعارة المقنعة تحت غطاء عملها في الموقف، مما يفقد الثقة في هؤلاء العاملات.

على سبيل الختم

رغم كل معاناتهن، فإن نساء الموقف فئة خارجة من حسابات المشرع ومدونة الشغل، فهن دون أي حماية قانونية أو اجتماعية، فأين هو دور الدولة في توفير أدنى شروط الكرامة الإنسانية لهؤلاء النسوة؟ ألا تستطيع الدولة توفير بدائل وإعداد بنيات تحتية لحماية الخادمات وعدم المس بكرامتهن؟

لا يمكن فصل هذه الظاهرة عن واقع الفقر والتهميش والتجهيل الذي تتعرض له المرأة، والذي هو نتيجة لفشل الدولة في سياساتها العامة الموجهة للنساء.