مقدمة
تسعى هذه الفقرات الوجيزة إلى عرض نظرات في التصور النقابي لجماعة العدل والإحسان من خلال الوثيقة التي أصدرتها دائرتها السياسية؛ وذلك من خلال تقديم مداخل تسهم في فهم هذا التصور، وتوضيح نظرة الوثيقة للوضع الاعتباري للعمل النقابي في المغرب والاختلالات العامة التي تعوق الفعل النقابي الراشد، ثم بيان الملامح العامة للرؤية النقابية التي تتقدم بها هذه الوثيقة من خلال مبادئها وتوجهاتها، وأخيرا الوقوف عند مقترحاتها من أجل النهوض بالعمل النقابي ليحقق الغرض منه.
أولا: مداخل للفهم
تمكن المداخل الثلاثة الآتية من استيعاب التصور الذي تعرضه الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان للعمل:
1. لا يمكن فصل هذا التصور عن المشروع المجتمعي العام لجماعة العدل والإحسان، ولا عن مشروعها السياسي في أسسه وغاياته، وفي أهدافه وخصائصه، من أجل بناء الإنسان وتشييد مجتمع العمران الأخوي.
2. كما لا يمكن فصل هذا التصور عن غايات الحرية والعدل وحكم المؤسسات في المحور السياسي، ولا عن غايات العدالة والتكافل والتنمية المستدامة في المحور الاقتصادي والاجتماعي، ولا عن غايات الكرامة والتضامن والتربية المتوازنة في المحور المجتمعي.
3. لقد ورد الحديث عن النقابات في الجزء الذي خصص لبناء حكم المؤسسات في المحور السياسي، وهو ما يجعلها- أي النقابات- من محددات بناء مؤسسات الدولة من جهة، وقد جمعت في الذكر مع الأحزاب والجمعيات لتكون من جهة ثانية من تجليات دولة المجتمع المتسمة بالديمقراطية والحقوق والحريات واللامركزية والإدارة والمواطنة الفاعلة.
بهذا يكون العمل النقابي في تصور الوثيقة السياسية أداة بنائية في مستوى التأسيس للمشروع المجتمعي، وفي بلوغ الغايات من هذا المشروع في بناء المجتمع ذاته، وكذا في البناء المؤسساتي العام للدولة.
ثانيا: الوضع الاعتباري للعمل النقابي في الوثيقة السياسية: الأهمية والاختلالات
نقرأ في الصفحة 67 و68 من الوثيقة السياسية في العنوان المخصص للنقابات الفقرة التالية:
” يعتبر العمل النقابي واجهة أساسية للدفاع عن حقوق الشغيلة ضد الجور والظلم والاستغلال والإقصاء الاجتماعي، والإسهام في تحقيق السلم الاجتماعي والتعبئة الاقتصادية، والحفاظ على التوازن بين قوة العمل والقوة الضاغطة للمشغل، وبين مؤسسات الدولة (برلمان وحكومة) المسؤولة عن إرساء وتطبيق القوانين التي تخدم الصالح العام”
تضعنا هذه الفقرة أمام الأهمية التي يمثلها لها العمل النقابي، وهي أهمية تظهر في العناصر الثلاثة التالية:
1. أهمية حقوقية، تبرز في الدفاع عن الشغيلة العمالية ضد آفات ثلاثة هي الظلم والاستغلال والإقصاء الاجتماعي، وهي المعضلات التي لا تسمح بضمان شرط الحرية التي هي الضمان الأول لكرامة العامل.
2. أهمية اجتماعية، تظهر في إسهام العمل النقابي في تحقيق السلم على المستوى الاجتماعي الذي بدونه لا إمكان لاستدامة العمل، واستقرار الوضع الاقتصادي.
3. أهمية اقتصادية، تتمثل في تحقيق التعبئة العامة لجهد العمل الذي سيمكن من التنمية الإنتاجية والاقتصادية عموما.
وبصفة مجملة، فإن الوثيقة السياسية ترى أن وظيفة العمل النقابي مهمة جدا؛ فبتعاضد وترابط وتلازم الأهمية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية يسهم الفعل النقابي في تحقيق نوع من التوازن اللازم بين ثلاث قوى: قوة العمل، وقوة رب العمل، وقوة الدولة، حتى لا تطغى قوة على قوة، ولا تستغل قوة قوة، ولا تنفرد قوة بقوة.
وفي ما يرتبط بالاختلالات، تحمل الوثيقة السياسية الاختلالات العامة التي يعرفها العمل النقابي للنظام الاستبدادي؛ فهو في نظرها المسؤول عن فساد وإفساد العمل النقابي. ثم ترسم الوثيقة بعد هذا مظاهر هذه الاختلالات من خلال التمييز بين:
1. الاختلالات الخارجية الموضوعية، والتي تحددها الوثيقة في جانبين اثنين هما خنق حرية العمل النقابي من خلال القمع والتضييق، ثم اختراق العمل النقابي عبر الإضعاف، والاستقطاب، واستغلال النقابات في تمرير سياسات الدولة ضد العمال.
2. الاختلالات الداخلية الذاتية، وتصنفها الوثيقة إلى مسألتين اثنتين هما: غياب الديمقراطية الداخلية، وتفشي مظاهر الانتهازية في التعامل مع القضايا العمالية.
وبحسب الوثيقة السياسية تؤدي هذه الاختلالات الخارجية والداخلية، الموضوعية والذاتية إلى ثلاث نتائج أساسية هي: تشتت المشهد النقابي، افتقاد الثقة في العمل النقابي، تم ضعف المصداقية والانخراط في الإطارات النقابية، وهي مخرجات وخيمة تفقد العمل النقابي أهميته ووظائفه، وفاعليته ونجاعته.
ثالثا: الرؤية النقابية في الوثيقة السياسية: المبادئ والمقترحات
على مستوى المبادئ تستهدف الرؤية النقابية التي تقدمها الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان بلوغ هدف رئيسي مهم تم التعبير عنه بتجديد روح الحركة النقابية، الذي يغلب آليات الضغط والتفاوض، ويجنب الفعل النقابي آفتي التخريب، وشراء الذمم، وهو الأمر الذي يقتضي الاشتغال على توجهين اثنين في مستويين كبيرين هما:
1. مستوى الأداء الخارجي من خلال التحول من منطق الصراع إلى منطق التعاون الثلاثي لتحقيق المصلحة العامة بين النقابات والدولة وأرباب العمل.
2. ثم مستوى الأداء الذاتي القائم على تطوير مجالات العمل النقابي لتشمل الجوانب الستة التالية: المطلبية، التكوينية، المهنية، الاجتماعية، التواصلية، ثم الأخلاقية القيمية.
من أجل ذلك، تتقدم الوثيقة السياسية بالمقترحات الخمسة التالية قصد النهوض بالمؤسسة النقابية:
1. ضمان حرية العمل النقابي من خلال ثلاثة أمور ضرورية: تفعيل نظام التصريح في تأسيس النقابات، حماية الحق النقابيين بجعلهم جزءا من مؤسسة العمل، تحقيق استقلالية القرار النقابي ومقاومة اختراق العمل النقابي من طرف الإدارة.
2. تخليق العمل النقابي من خلال ثلاثة أمور: تفعيل الديمقراطية الداخلية، وتجاوز البيروقراطية، والقطع مع الانتهازية.
3. الاعتناء بالفاعل النقابي من خلال أمور خمسة: تجديد الأطر النقابية، انخراط المرأة العاملة، استيعاب اليد العاملة الجديدة، التأطير والتكوين، فتح الباب أمام تولي المسؤولية النقابية.
4. بناء الجبهة النقابية من خلال النضال الموحد، تم التنسيق القوي المؤثر في الملفات الكبرى، وليساهم هذا التوجه الوحدوي في بلوغ أهدف أربعة: تجاوز التشرذم النقابي، تقوية جبهة الدفاع عن حقوق الأجراء، إرجاع المصداقية والثقة للفعل النقابي، بناء حردة مجتمعية قوية وفعالة.
5. المحافظة على البعد التحرري للعمل النقابي من خلال الجمع بين النضال النقابي المطلبي والانخراط في بناء الدولة وبين دعم القضايا العادلة في العالم كقضية فلسطين مثلا، دون نسيان الحضور في قضايا النضال المجتمعي من أجل العدل والكرامة والحرية.
تمكن هذه المبادئ والتوجهات والمقترحات في منظور الوثيقة السياسية من إعادة الاعتبار للعمل النقابي، وبعث الجدية في العمل النقابي، وتقوية الصف النقابي.
خاتمة
تعرض الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان للعمل النقابي من خلال بيان أهمية العمل النقابي، ورصد وتشخيص اختلالات المشهد النقابي في المغرب، وتقدم رؤيتها للنهوض بالعمل النقابي عبر مبادئ وتوجهات ومقترحات تسهم في النهوض بالعمل النقابي لتأدية وظائفه وأدواره بما يحقق الصالح العام لضمان جزء مهم من البنية العدلية اللازمة لتحقيق الكرامة الذاتية والتنمية الاجتماعية، وبناء العمران المجتمعي.