تقديم
إن المرأة المغربية حرة بنت الأحرار، لا تقبل على نفسها الذل، ناهضت الاستعمار، وكان لها الباع في النضال والمقاومة على مختلف الجبهات، بل جاهدت بالسلاح والاستخبار والتوعية وتأسيس مدارس تعليم القرآن واللغة لتعليم الفتيات ضربا لمساعي العدو لطمس هويتها. وبعد الاستقلال كانت لها كلمة أخرى وغيرت “تكتيك” المقاومة إلى “تكتيك” البناء وبدأت مسيرها نحو انتزاع الحقوق التي تكفل لها الحضور في المجالات السياسية والمجتمعية والحقوقية، غير أن هذا لا يتأتى إلا لأقلية في ظل استفحال الفساد وتغول الاستبداد وتنامي ظاهرة العنف والاستغلال، مما أوجب النضال على واجهات البناء والمناهضة والتدافع، وهو ما أثقل كاهلها وأخرجها من برجها الاستراتيجي ودورها الفطري في صناعة الإنسان.
امرأة العدل والإحسان في هذا الصدد مغربية من المغربيات يطولها ما طال بنات جنسها، تتشبث بمغربيتها حتى النخاع، وبحبها للوطن في واقع يكيل الدونية للمؤنث تقليدا وعُرفا ووِراثة ظالمةً لرؤيةٍ غير صحيحة توارثتها أجيال الخنوع بعد الجيل الذهبي في عهد النبوة الذي تربعت فيه المرأة على عرش الاحترام والحق المكفول والصوت المسموع الذي أضحى عورة بعد ذلك.
امرأة ذات حضور سياسي ومجتمعي وتربوي، مشاركة فاعلة في جميع الميادين؛ تعزز المشاركة النسائية فيها وتسهم في التغيير والبناء على أسس ديمقراطية لمغرب يسوده العدل والكرامة والحرية، ومناهضة الاستبداد والظلم.
وانطلاقا من انتمائها لجماعة العدل والإحسان؛ الحركة المجتمعية التي تنشد التغيير والإصلاح التدريجي في المجتمع والأمة، فإن العضوة متشربة لما تأسست عليه الجماعة مما أثل له الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله الذي بنى مشروعه على أساس نشدان العدل ومناهضة الاستبداد، ويتجلى ذلك:
1. انطلاقا من شعارها “العدل والإحسان”
فلقد علم رحمه الله أن الغاية الإحسانية ورضا الله تعالى وطلب وجهه الكريم هي المطلب الرئيس، وأن علاقة الفرد بربه عز وجل هي رأس الأمر كله، وأن السلوكَ إلى الله تعالى بتربية إيمانية لا شك تكون سبب نجاة عند رب العالمين، وعلم أيضا أن هذا السلوك تقف دونه عقبة العدل المغيب، فقال: “في أذن الجائع لا يسلك إلا صوت يبشره بالخبز، في وعي المقهور المحقور لا يتضح إلا برهان الحرية” 1. فكيف إذن يمكن أن يسمع نداء الفطرة من أثقله هم القوت والسكن وثمن الدواء وسداد الدين ومصير الأسرة؟ لن يسمع إلا ما يبشره بما يخفف عن كاهله هذا الثقل، وهذا ما سيتجسد في مطلب العدل.
والعدل تهمم بالشأن العام، هو عدل سياسي وعدل في تقسيم الأرزاق، وعدل قضائي، وعدل اجتماعي يحمي حقوق المستضعفين، وعدل أخلاقي يعصم النفوس من الانحراف ويزكيها.. فقد اعتبر رحمه الله العدل مطية لبلوغ الإحسان.
2. انطلاقا من ممارستها
الممارسة التي انطلقت حتى قبل تأسيس الجماعة وقبل ترسيم منهجها وبناء هيكلتها والانطلاق في وضع لبنات التنظيم، انطلقت بكلمة حق قالها الأستاذ عبد السلام ياسين عبر رسالة إلى ملك البلاد آنذاك، ينصحه فيها بإرجاع الحقوق وإحقاق العدل.
وأيضا بعد التأسيس بإرساء قواعد العمل السياسي وتقعيده، حيث تُوِّج هذا التوجه بتأسيس الدائرة السياسية عام 1998، المؤسسةِ المتخصصة في قضايا الشأن العام، وهي الواجهة الخارجية للجماعة؛ تضم عددا من المؤسسات، كما تهتم بجميع شرائح المجتمع، من شباب ونساء وعمال وحرفيين… تساهم قدر الإمكان والمتاح مع فضلاء الوطن في أي نقاش عمومي، رغم التضييق والمنع والشيطنة من طرف السلطة.
كما أنها تباشر عملها على ثلاث مستويات مُلحة:
1. المستوى الداخلي للتنظيم: بتأطير وتوعية الأعضاء سياسيا وحقوقيا وقانونيا. استجابة لحاجياتهم.
2. المستوى الخارجي للتنظيم: بالتواصل والتنسيق مع مكونات المجتمع المدني والسياسي بالمغرب.
3. مستوى الحضور الدائم أيضا في القضايا الكبرى والتحركات الشعبية للأمة العربية والإسلامية.
القطاع النسائي.. واجهة العمل السياسي النسوي داخل جماعة العدل والإحسان
القطاع النسائي هو مكون من مكونات الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، التي تضم عددا من اللجن والقطاعات. هذا القطاع يشكل وتدا من أوتاد الدائرة والجماعة عموما؛ يحمل مشروع الجماعة كاملا ويتصدى للشأن العام في شقه النسائي.
هذا لا يعني أن العمل النسائي هو وليد لحظة انطلاق الدائرة السياسية بل انطلق منذ البدايات، حيث المرأة كانت إلى جنب الرجل منذ التأسيس إيمانا من الجماعة بالآية الكريمة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة: 71]. وأن أي تغيير ينشده الإنسان لن تقوم له قائمة في غياب أحد شقيه وسيكون تغييرا مائلا أعرج، وهذا ما قامت عليه نظرية المنهاج النبوي؛ أن الله سبحانه وتعالى جعل إنسانية المرأة مساوية لإنسانية الرجل في الأصل والمنشأ، مع تفاصيل في التكليف والوظائف تراعي خصوصيتها حسب الفطرة والطبيعة.
لقد حظيت المرأة في ظل الجماعة بمكانة رائدة في التصور والتنظيم، فلم تقتصر مشاركتها في الجماعة على ما هو اجتماعي فقط، بل تعداه إلى ما هو فكري سياسي، بل هي شريك أساسي في صنع القرار. فقد خطت المرأة في الجماعة خطى ثابتة رغم ما طالها كباقي أعضاء الجماعة من تضييق ومنع، ورغم ما تواجهه من استهداف للأعراض والأرزاق، بل حتى الأجساد، فلم يُثنها ذلك عن استكمال المسير والثبات في الميدان. وما أحداث الجامعات عنا ببعيدة، وما أحداث 10 دجنبر عنا بغائبة… والتاريخ لا ينسى.
ورغم ذلك كله فقد قابل هذا الحصار والتضييق حضور قوي ووازن للمرأة، والأهم أنه حضور دائم وإن طالت الأحداث، نتذكر جيدا خرجات حراك 20 فبراير وكيف كان حظها من القمع وفيرا وافيا كحظ أخيها في الساحة، لكن كانت حاضرةً كمواطنة واعية مسالمة، سواء في الشارع أو حتى في اللجان التحضيرية، وفي جميع المواقف والمحطات والخرجات النضالية، والمسيرات المليونية.. ليس وجودا كميا فقط بل وجودا نوعيا أيضا؛ فالجماعة انفتحت، عبر العمل النسائي، على مساحات أكبر من التفاعل مع عدد من القضايا التي لا تواكبها إلا النساء، ومساحات أوسع من التواصل الوطني والدولي، ما يوفر فرصا لتبادل الأفكار والخبرات، ناهيك عن إصدار عدد من البيانات في عدد من المناسبات والأحداث.
لماذا التأسيس؟
خطوة لضمان مأسسة مشاركة المرأة فعليا في التغيير المجتمعي والسياسي. فالاعتقاد راسخ عند الجماعة أن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتم دون مشاركة كاملة للنساء في جميع المجالات.
كان تأسيس هذا القطاع لعدد من الدواعي؛ من ضمنها الإسهام بشكل فاعل في:
1. النهوض بأوضاع المرأة وتأهيلها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، واسترجاع دورها في بناء الإنسان، وتشجيعها على المشاركة الفاعلة في المجتمع من موقعها.
2. صياغة وبلورة مواقف حول قضايا المرأة في مختلف المجالات، وتثقيف المرأة بحقوقها.
3. تمثيل القطاع والجماعة في المنتديات المحلية والدولية، رفعا لمستوى الوعي والممارسة.
4. السعي إلى تأسيس جبهة مع الفضليات توحد الجهود لأجل التغيير والبناء.
5. كما أنه يسهر على إصدار تقارير تهم المرأة في مختلف المجالات، وإصدار قراءات نقدية تسهم في خلخلة الوضع الراكد.
وغيرها من الأهداف الموجهة إلى عضوات الجماعة كما غيرِهن.
ولتحقيق هذه الغايات وغيرها يعمل القطاع النسائي على واجهات متمايزة ومختلفة:
أ. واجهة التصور: بلورة مشروع مجتمعي عام تأخذ فيه المرأة مكانتها الحقيقية في المجتمع، وتعيش أدوارها المختلفة كأم وزوجة وامرأة فاعلة في المجتمع بكل مصالحة دون تعارض، ما يجعلها تعيش دينها وهويتها وانتماءها في أريحية من أمرها ودون ضنك أو حرج.
ب. واجهة التواصل: بشقيه الداخلي والخارجي؛ من أجل توسيع كتلة الممانعة وخلق مساحة أكبر من المشترك مع الفضلاء حتى يتأتى تأسيس جبهة نسائية موحدة وموسعة ضد الفساد والاستبداد.
ت. واجهة التأهيل: من أجل مساعدة المرأة على التمكين والاستقلالية بالرأي، والاستقلالية الاقتصادية التي تمكنها من حرية الاختيار والفعل. ومن أجل التخفيف من آثار الفساد والاستبداد المستشرية في المجتمع، من واقع البطالة والأمية والفقر…
ث. واجهة التكوين والتأطير: لصناعة وعي عام للنساء بالاستبداد المحلي والاستكبار العالمي، وبما يحاك لهن في دهاليزه وما يراد بهن في واقعه، ومدّهن بآليات مجابهة هذه المخططات بالتوعية الحقوقية والقانونية.
ج. واجهة الضغط: من أجل المساهمة الفاعلة للقطاع في ظل الجماعة، لاسترجاع الحقوق المهضومة للنساء ولتحقيق واقع العدل في المجتمع وإخراج المرأة من مستنقع المعاناة والظروف القاهرة للنهوض بشأنهن في المجتمع.
ختاما؛ يمكن القول إن العدل والإحسان قد خطت خطوات ريادية في التهمم بشأن شِقِّ الأمة، ووضعتها ضمن الأولويات، فلا تكاد تجد مؤسسة داخل الجماعة تخلو من نساء فاعلات بانيات، إيمانا منها أن النساء شقائق الرجال، وأن حضور العين النسائية سواء في التخطيط أو في التنفيذ يصنع الفرق، دون الإخلال بوظيفتها كأم مربية لأجيال سليمةِ الفطرة تحمل مشعل البناء والتغيير.