العلاقة بين الرجل والمرأة.. تآلف لا تنافر

Cover Image for العلاقة بين الرجل والمرأة.. تآلف لا تنافر
نشر بتاريخ

تتعالى الأصوات بين الفينة والأخرى مطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة على الطريقة الغربية، وكأنهما نسختان طبق الأصل في التركيب العقلي والعاطفي والجسماني، ولا يمكن إلا أن يؤديا نفس الأدوار بنفس الشكل والنمط والجهد والقوة، والحقيقة أن هؤلاء المطالبون إما جاهلون تمام الجهل بهذه الفوارق التي لا ينكرها عاقل، وهذا ما نستبعده تماما، أو أن نظرتهم لقضايا المرأة يغلب عليها طابع التجزيء والتسطيح، فبالقدر الذي تتسع فيه دائرة التعاطف مع المرأة في واقع الظلم والتهميش بالقدر الذي تغيب فيه النظرة الشمولية لقضاياها وما يربطها من روابط وشيجة بأخيها الرجل. فكيف ينظر إذن للعلاقة بين الرجل والمرأة؟ وما هي أوجه التكامل فيها؟

خلق الله عز وجل الذكر والأنثى وأودع فيهما من الأسرار والحكم ما فضلهما به عن سائر المخلوقات، وركب فيهما من الخصائص ما جعل أحدهما يكمل الآخر، في انسجام وتناغم عجيب تفصح عنه الآية الكريمة: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (سورة الليل).

فالمولى عز وجل شبه علاقة الذكر بالأنثى بعلاقة الليل بالنهار وهي علاقة تكامل وترابط، يستحيل أن تقوم الدنيا بإحداهما منفردة عن الأخرى، فلا يمكن أن نتصور الدنيا نهارا مطلقا كما لا يمكن أن نتخيلها ليلا قاتما، لأن لكل طبيعته الخاصة به التي بها يتأهل لأداء دوره، فالنهار أوجده الله عز وجل للمعاش والكسب والسعي في الأرض، بينما جعل الليل للسكن والطمأنينة والراحة، وكلاهما يتكاملان لخدمة الإنسان.  

وبهذا المعنى لا يمكن مساواة الرجل بالمرأة في الأدوار والمهام إلا من جهة التكاليف الشرعية وما يترتب عنها من جزاء وعقاب، يقول المولى عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النحل 97)، وفي هذا بيان على أن “المرأة كالرجل مناديان في القرآن على السواء للعمل الصالح والجزاء والوفاق في الدنيا والآخرة” 1، وإنما يحصل التكامل بينهما في دائرة المهمات المنوطة بكل واحد منهما، وأدوارهما النابعة من الخصائص التكوينية وما ركب الله تبارك وتعالى في كل واحد منهما من مواهب تختلف بحسب القدرات الجسمية والعقلية والقلبية، وفيما عدا ذلك فهما “أكفاء في شرع الله المنزل بميزان العدل، لا ترجح كفة الرجل ولا كفة المرأة إلا بالتقوى” 2.

يقول الحق عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (التوبة 71)، علاقة الولاية بين الرجل المؤمن والمرأة المؤمنة في الحياة العامة علاقة تتكامل من خلالها مهمة الرجل والمرأة على حد سواء في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله، ولا يمكن القيام  بمهمات الاستخلاف في الأرض إلا بمشاركة المرأة الرجل في كل أعباء الدعوة والجهاد، فـ”مشاركة المؤمنات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركن أساسي من أركان الدين” 3.

أما القوامة والحافظية فهي الوجه الآخر للتكامل في العلاقة بين الرجل والمرأة، يقول الحق عز وجل: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ (النساء 34)، فالقوامة تكليف للزوج ليقوم على زوجه بالرعاية والإنفاق، وهي “أخت الحافظية التي فرضها على الزوج الآخر أمانة ومسؤولية، تثقل مسؤوليتها، ليست تخففه، الدرجة التي جعلها الله للرجل ليقود السفينة بحنكة ودراية ومداراة” 4، في حين؛ إن مهمة حافظية المرأة للغيب تقترن في الآية الكريمة بالقنوت والتبتل إلى الله عز وجل لتحقق المرأة الصلاح في نفسها أولا ثم  في غيرها، فالمعنى أعمق وأمتن من مجرد أن تكون المرأة الصالحة القانتة حافظة لغيب الزوج، وذلك أن “حافظيتها لا تقصر على حفظ حقوق الزوج، بل تشمل كل حقوق الله المكلفة بها الزوج، حافظية الصالحات القانتات لا تقتصر على شغل بيوتهن وإرضاء أزواجهن، بل تنطلق من إرضاء الله عز وجل وترجع إليه” 5

وبقدر تكامل قوامة الرجل مع حافظية المرأة يكون حفظ الميثاق الغليظ بين الزوجين، يقول الحق عز وجل: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (النساء 21). والميثاق الغليظ هو ذلك الرباط العاطفي والالتزام الأخلاقي الذي يكمل كل واحد من خلاله الآخر، فيتعالى عن الأنانيات والمنافسات المرضية، ويسعى للبحث عن كماله في الطرف الآخر، فكلما سعت المرأة أن تكون صالحة قانتة لله حافظة للغيب بكل معانيه تكون في طريقها لنشدان الكمال في علاقتها بربها وبزوجها، ويكون الرجل كذلك سائرا في طريق الكمال عندما يكون قواما بما تحمله القوامة من معنى المسؤولية والتكليف، وكلما كانت علاقتهما بخالقهما أمتن، كانت علاقتهما ببعضهما أصفى وأدوم.

فكيف إذن يعي كل من الرجل والمرأة معاني الولاية والقوامة والحافظية، في منأى عن ترسبات الماضي وما علق بالأذهان والأفهام من تأويلات بعيدة كل البعد عن النظرة القرآنية التي كرمت بني آدم، وفي بعد عن الصيحات الحداثوية المطالبة بالمناصفة والمساواة؟ وما هي أعظم المهمات التي يسعيان إلى تحقيقها في معمعان الحياة؟ يجيبنا الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى: “لا شك أنها مهمة كبيرة تلك التي تعدل بين قوامة الرجل وحافظية المرأة، ليحمل الرجل والمرأة عبئها. هذه المهمة هي عبادة الله تعالى، تلك العبادة المعلولة بخوف العقاب الأخروي ورجاء الجنة ورضى المولى وقربه، هي رحلة الرجل والمرأة في دنياهما، ومن دنياهما، وعبر دنياهما، إلى ما يرجوان من صلاح آخرتهما” 6، فإذن الوجهة الله وهي الكفيلة بالابتعاد بالرجل والمرأة عن النظرة المادية الصرفة التي يطرح فيها جانب الغيب، كما أنها القادرة على تحقيق سعادتهما معا في الدنيا والآخرة. 


[1] العدل: الإسلاميون والحكم، عبد السلام ياسين، الناشر الأطلسي، ص 279.
[2] تنوير المؤمنات، عبد السلام ياسين، دار البشير للثقافة والعلوم، طنطا، مصر، الطبعة الأولى، ج 1، ص 203.
[3] العدل الإسلاميون والحكم، م. س. ص 289.
[4] تنوير المؤمنات، م. س. ج 2، ص 173.
[5] المصدر نفسه، ص 82.
[6] المصدر نفسه.