العدوان على غزة: السياق والرسائل

Cover Image for العدوان على غزة: السياق والرسائل
نشر بتاريخ

الحمد لله رب العالمين قاصم الجبارين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه.

سياق في سياق

تتعرض غزة لقصف صهيوني غاشم، ولحرب شعواء من طرف العدو الصهيوني الحاقد، حرب أطلق عليها الصهاينة اسم “الجرف الصامد”، فيما أطلقت عليها كتائب المقاومة الإسلامية “معركة العصف المأكول”، ولا شك أن هذه الحرب ضد غزة وما رافقها من تصعيد صهيوني ضد الضفة، تأتي في سياقين:

أولا: سياق خارجي

وهو سياق دولي يمكن إجماله فيما يلي:

– ما تعرفه مصر من انقلاب على الشرعية.

– ما يقوم به الانقلاب العسكري من حصار على القطاع وأهل غزة.

– ما يقوم به بعض فسدة الرأي والأخلاق من كتّاب وإعلاميين من تحريض ضد المقاومة الإسلامية بغزة.

– التخلي الإيراني عن مساندة غزة عقابا لها على مواقفها السياسية مما يجري في سوريا.

– الدعم السعودي والإماراتي للانقلابين بمصر على شرعية الرئيس المنتخب محمد مرسي.

ثانيا: سياق داخلي

ويتمثل أساسا في الآتي:

– التوافق الوطني الذي بدأت معالمه تلوح في الأفق بين حركتي حماس وفتح.

– التوافق على حكومة وحدة وطنية بين الحركتين لإنهاء الانقسام الداخلي.

– الظروف والأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها أهل القطاع.

– معاناة قطاع غزة من جراء الحصار وهدم الأنفاق من الجانب المصري، وتزايد في حدة انقطاع الكهرباء، أضف إلى ذلك النقص الحاد في الأدوية والمعدات الطبية.

انطلاقا من هذين السياقين، وبناء عليهما تأتي هذه الرسالة التي أخطها في هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها الأمة، تذكيرا بواجبنا تجاه إخوتنا المرابطين في أكناف بيت المقدس وتجاه قضية أمتنا المركزية، وإعلانا للوفاء لنصرة المسلمين لبعضهم البعض في كل زمان ومكان. فمنذ يوم الأحد 6 يوليوز 2014 والآلة الصهيونية تشن حربا على أبناء وأطفال ونساء ورجال غزة ظلما وعدوانا، بل حتى الحيوانات لم تسلم هي الأخرى من التقتيل والصلف الصهيوني.

ويحدث هذا أمام مرأى ومسمع من العالم، وأمام حكام العرب الذين باعوا القضية وتواطؤوا مع الصهاينة وسكتوا عن الأقصى وأغلقوا المعابر واعتقلوا المجاهدين الذين نابوا عن المسلمين في معركة لا يملكون لها سلاحا ولا عتادا، اللهم ما تنتجه سواعدهم من أسلحة محلية الصنع، إضافة إلى اليقين والإيمان بالله تعالى ناصرهم. ولن يخذلهم أبدا وإن تنصروا الله ينصركم، وبيقينهم في موعود الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم بثباتهم وصبرهم وتشبثهم بكتاب الله وسنة نبيهم، وبشعارهم الخالد الله مولانا أما الصهاينة قتلة الأنبياء فلا مولى لهم).

أربع رسائل بخصوص الحدث

عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: “صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي إِذَا صَلحا صَلح النَّاسُ: الأُمَرَاءُ وَالْفُقَهَاء”. ومن هنا يمكن توجيه أربع رسائل سريعة إلى كل من يهمهم الأمر.

الأولى إلى الحكام

نقول لحكام العرب فيها، اتقوا الله فينا وفي أهل غزة المحاصرة، اتقوا الله في النساء وفي الأطفال والشيوخ الذين لا يجدون أمنا ولا دواء ولا أموالا، بل حتى الأوكسجين إذا ما انقطع التيار الكهرباء انقطع عن مرضاهم،كل هذا يحدث وأموال شعوبكم التي سرقتموها كرها وغصبا تهرب إلى البنوك الدولية، وتصرف في المجون والمهرجانات والبرامج الفاسدة، في الوقت الذي يحتاج فيه الطفل الرضيع إلى الدواء والكساء، وفي الوقت الذي نرى فيه إخواننا يُقتلون على يد الغاصب الصهيوني المدجج بأعثى وأحدث الأسلحة، وأنتم تأتوننا بأخبار التسلح وتتحدثون عن شراء الطائرات، فكنا نظن أن الأمر سيكون للدفاع عن أوطاننا وشرف نسائنا وأخواتنا فإذا بكم توجهونها لصدورنا وصدور أطفالنا في مصر وليبيا وسوريا واليمن… والله سوف تسألون، وحينها سيعض الظالم على يديه ويقول يا ليتني عُدت للدنيا لكي أعمل صالحا ناصرا لقضايا الأمة. واعلموا أن نعيمكم لن يدوم طويلا إنما هو أيام ولحظات.

إذا كان هذا عن الآخرة وحسابها الذي ينتظركم، ففي الدنيا ولأخذ العبرة نسألكم من أجل التذكير فقط، أين هم أصحابكم وأصدقاؤكم وشركاؤكم في الخذلان الذين باعوا القضية الفلسطينية من قبلكم؟ والذين كانوا يجلسون بجانبكم، أين هو ابن علي؟ أين هو القذافي؟…

تذكروا أن سيدنا عمر أمير المؤمنين كان يقول لو أن بغلة عثرت في بلاد العراق لسئلتَ عنها يا عمر، لماذا لم تُعبِّد لها الطريق)، فكان يبكى حتى تنحدر الدموع على خديه ولحيتيه، فكان هذا هو حاله رضي الله مع الحيوان، فماذا لو تعلق الأمر بالإنسان، بل بالرضيع والشيخ الكبير والمرأة؟ بالله عليكم كيف سيكون ردكم أنتم يا حكّام؟ ما هو شعوركم وأنتم تنظرون إلى التجويع والقتل والحصار الذي يطال أمتنا بغزة؟ والله لقد رأينا محرقة بكل ما تحملها الكلمة من معنى، يرتكبها هذا العدو الغاشم وبمباركة منكم..

يا حكام العرب غزة تنزف دما، غزة تحت نيران بني صهيون، لا نريد منكم بيانات، لا نريد منكم شجبا ولا تنديدا، لم تعد غزة في حاجة إلى مؤتمراتكم، فلله ذر القائل في القدس نطق الحجر لا مؤتمر لا مؤتمر نحن لا نريد سوى عمر). نعم نريد عمر في شهامته، عمر في عزته وفي كرامته ورجولته ومسؤوليته وصدقه وإخلاصه لرعيته وخدمته لأبناء أمته ودفاعه عن قضيته وعلى رأسها القدس الشريف، ونريد عمر في غيرته على محارم الله وعلى فلسطين السليبة والمحتلة.

الثانية إلى العلماء

ونقول لهم اتقوا الله في أمة رسول الله فأنتم تنوبون عن رسول الله واعلموا أن كل كلمة ستجدونها عند الله محضرة، واتقوا الله فيمن تخطبون عليهم، أنيروا لهم الطريق ذكّروهم بقضيتهم المركزية لا تسكتوا عن الحق، قولوا لهم في خطبكم ومجالسكم من باع الأقصى ومن سكت عن الحفريات التي يقوم بها الصهاينة، وكل ما تقوم به هذه الجرثومة الخبيثة.

رحم الله من أنشد:

عجبت لمبتاع الضلالة بالهـدى

ومن يشتري دنياه بالدين أعجب
وأعجب من هذين من باع دينه

بـدنيـا سواه فهو من ذين أعجبوالله إن مسؤوليتكم عظيمة وحسابكم عسير أمام الباري تعالى، كيف ستلقون الله؟ والله إنكم ستقفون أمام الله يوم القيامة، وسيسألكم عن الطفل الجائع وعن الشيخ المريض، وعن المرأة الضعيفة بأرض غزة المحاصرة.

أيها العلماء أنتم تاج فوق رؤوسنا إذا نطقتم بالحق، فعليكم تقع مسؤولية بيان الحق وتثوير الشعوب، عرفوا بالقضية، بيّنوا للعالم وللناس حقيقة بني صهيون، لا تكتموا الحق وأنتم تعلمون، يقول تعالى إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم 1 . لا تسكتوا عن قول الحق: فـ“الساكت عن الحق شيطان أخرس”.

الثالثة إلى أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم

فهي موجهة لنا جميعا وهي أنه لا ينبغي أن ننسى الأقصى الشريف مسرى رسول الله صلى الله عليه و سلم، لنلبي جميعا دعوات التضامن والتآزر مع إخواننا المحاصرين بغزة العزة والإباء، غزة الشموخ، غزة الكرامة التي لن تتخلى يوما عن النيابة عنا في حراسة الأقصى الشريف .

ومن واجبات النصرة تبسيط جوهر صراعنا مع هذا الكيان الغاصب لأبنائنا وأطفالنا، لنحدثهم عن القدس الشريف، لنشتري لهم صورا عن الأقصى، أو بعض اللعب التي تناسب مستواهم المعرفي وقدراتكم الإدراكية، ويجب أن تلتصق بفلسطين ولنجعلها عبادة نتقرب بها إلى الله عز وجل، وينبغي أن نردد على مسامعهم تلكم العبارة الخالدة “نم يا محرر الأقصى”، طبعا كما كانت تقول أم صلاح الدين له وهو صغير عندما يريد أن يتوجه الى النوم،كانت تقبله وتقول له “نم يا محرر الأقصى” فشب وكبر على هذه الكلمة، بل تربى عليها فترسخت في ذهنه، وتحولت إلى هدف عَمل لأجله وسعى إليه بتوفيق من الله عز وجل، فحقق الباري جل ثناؤه ما سعى إليه. لنجعل الحديث عن ملاحم البطولات والعزة التي تسطرها كتائب المقاومة ضد الصهاينة، تربية وحديثا وشعارا في تربية النشء على حب غزة وربطهم بقضيتنا الفلسطينية.

عرّفوهم بالقادة العظام أمثال الشيخ أحمد ياسين شيخ الأحرار والمقاومة، حدثوهم عن القائد الشهيد الرنتيسي، خبّروهم عن الشهداء عماد عقل والمهندس عياش وصلاح.. وعن الأحياء منهم المشير المصري وفوزي برهوم والدكتور رمضان شلح واللائحة طويلة، ولا ننسى أسد المقاومة خالد مشعل، وناقشوا معهم من فضلكم خطابات البطل المجاهد الرئيس اسماعيل هنية الذي ما فتئ يردد بثبات الرجال وعهد الرجال “لن نعترف بإسرائيل” حتى يتشربوا معاني الجهاد وطبيعة العلاقة مع المحتل، ونحن بدورنا نردد معه والله ثم والله لن نعترف بـ”إسرائيل”.

يقول الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام: “مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” 2 ، يقول الدكتور عوض القرني تعليقا على الحديث إن معاني أحاديث الجسد الواحد والبنيان المرصوص لن تتحقق إلا بهذه التحركات (مسيرات، وقفات…)، يجب أن يكون الإسرائيليون أهدافاً ويجب أن يمسهم القرح أكثر مما مس إخواننا من القرح) 3 ، وهذا لا يتحقق حقا وتحقيقا إلا بالمقاومة الباسلة، وبهمم الرجال الأشاوس الذين قال في حقهم تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا 4 .

الرابعة إلى أهلنا في غزة

ونقول لهم يا أهل غزة، ويا أحبابنا اصبروا و صابروا ورابطوا فأنتم منصورون بإذن الله تعالى، لا تنازعوا حتى لا يتسلل الفشل إلى قلوبكم، اثبتوا فأنتم أصحاب قضية ولذلك فأنتم الأعلون إن شاء الله. اعلموا أنكم في هذه اللحظة التاريخية الدقيقة من تاريخ الأمة، تؤدبون العدو الصهيوني بثباتكم وصبركم ودعمكم للمقاومة والوقوف بجانبها، وتُلقنون العالم بأسره بشعوبه وحكّامه دروسا في العزة والشموخ والإباء والأنفة، والله إنهم لخجلون من أنفسهم ومن أمراضهم ومن جبنهم، واعلموا أنكم تزرعون في نفوسهم الرعب وتزيدونهم مرضا إلى مرضهم حسدا من أنفسهم لما تتنعمون به من نعم القوة والشجاعة والفتوة، نعمٌ خصّكم الله بها دون غيركم، نعمٌ لا تُعد ولا تُحصى لا يعرف قيمتها إلا من حُرم منها.

اعلموا يا أهل غزة أن الله معكم وناصركم بدليل قوله تعالى في سورة العنكبوت والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين 5 .

على سبيل الختم

يقول الإمام المجدد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في تصريح لقناة الحوار اللندنية: هو لا محالة نصر والمطلوب من الأمة أن تشكر الله عز وجل على ما وسع عليها بعد هذا الضيق وعلى ما اذخره للمجاهدين في سبيله من فضل وكرم ليوم يبعثون، تلك تجارة أحسن الله إلى هذه الأمة بأن مهد لها رجالا في غزة، الرجال العظام الصابرين المجاهدين المرابطين في سبيل الله عز وجل، صابرين على الإواء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، يقول الله عز وجل: )مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ 6 .)هذا ما كتبه الله عز وجل للمجاهدين المرابطين منه ما الله به عليم في غزة المباركة، نسأل الله أن يزيدنا ويزيدهم من فضله. فهم صبروا وصابروا وأدوا ما فرضه الله عليهم، وعلى الأمة أن تشكر لهم هذا الجميل الذي أسدوه للأمة) 7 .

نسأل الله الجليل العظيم أن يحقن دماء المسلمين وينصر المجاهدين في فلسطين، وأن يفك أسرى المجاهدين، ونسأله تعالى أن يفرج عن إخواننا في غزة، وفي كل مكان آمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الصادق الأمين.


[1] سورة البقرة الآية 159.\
[2] رواه البخاري ومسلم.\
[3] انظر موقع واحة العرب.نت http://www.wahatalarab.net/asp/showArticle.aspx?Art_ID=109572&Replypos=0\
[4] سورة الأحزاب الآية 23.\
[5] سورة العنكبوت الآية 69.\
[6] سورة التوبة، الآية 120، 121.\
[7] انظر الحوار كاملا على موقع ياسين.نت http://www.yassine.net/ar/document/9593.shtml\