العدل والإحسان.. في العلاقة الزوجية

Cover Image for العدل والإحسان.. في العلاقة الزوجية
نشر بتاريخ

إن العروج الروحي الذي قوّى النموذجين فاطمة وعليا على تحمل الشدائد ومجل الأيدي وإصابة الصدر ليس في متناول العامة من الخلق. ذاك كان بيت النبوة وجب أن يتألق مثالا في سماء الفضائل. لا تذهبنّ الحرفيّةُ بالمؤمنات والمؤمنين إلى اعتقاد أن الحصير ووسادة الأدم والليف وشظف العيش هي السر في فلاح من أفلح. إذا كان القلب فارغا من التعلق بالله تعالى فإن تساوِيَ الرجل والمرأة في شدة المعاش كتساويهما في رخائه، لا الشدة في حد ذاتها ولا الرخاء في حد ذاته يجلب السعادة الأخروية.

الحياة الدنيا دار بلاء، يخفف وطأة البلاء تعاون المرأة والرجل المؤمنين على الصمود أمام الشدائد وعلى اقتحام العقبة بالعدل في الغُنْم والغُرم، وبالإحسان والبر والتسامح والإسعاف الحنون والمودة والرحمة. تشد المرأة عضُدَ الرجل وإن اقتضى الأمر تنازلها عن بعض حقوقها تكرما منها، ويعترف الرجل بفضلها فيسابقها إلى الإحسان.

إذا أنس الرجل الزوج أن المرأة الزوج ركن شديد يعتمد عليه، واطمأنت هي إلى أن رفيق الرحلة ثقة وحضن أمان فقد تأسست اللبنة الأم في البناء الاجتماعي. أهم من بناء المجتمع بناء معاد المرأة ومعاد الرجل في الآخرة. ذلك المعاد مادة بنائه العمل الصالح. يسبق على لسان بعض الكتبة الإسلاميين الحديثُ عن المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية والعدل الإسلامي الحديثَ عن مصيري أنا ومصيرك أنت ومعادي ومعادِك.

ما شأنِي بغيري واجتهادي لنشر الدعوة وجهادي لتأسيس الدولة الإسلامية إلا من حيثُ كون ذلك عملا صالحا أرجوه عند الله. ولي فوق ذلك رجاء أن أتقرب إليه سبحانه فيحبني ويرضى عني ويحشرني مع الذين أنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.

هذا التعلق بالله ومداومة العمل الصالح الذي يقرب منه هو الإحسان في معناه الأول: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإن الله تعالى أمر بالعدل والإحسان. فالذي كان يمسك البيت النموذجي والزوجين الفاضلين والمجتمع الأول ضوابط العدل والحقوق المؤداة، ثم الإحسان بهذا المعنى الأول للإحسان. قَلع المؤمنات والمؤمنين الإيمانُ والتطلعُ إلى مقامات الإحسان من أرض المشاحّة والمخاصمة على الحقوق. توَّج الإحسانُ العدلَ وتخلّله وسكن بين ضلوعه. فالمرأة الزوج تصبر عن بعض حقها إحسانا واحتسابا، والزوج الرجل يجتهِد ليوفيها حقها ويزيد خوفا من الله ورجاء في مثوبته وقربه.

إن كان العدل يُسوّي كفتين إحداهما تنظر إلى الأخرى على صعيد بشري، فالإحسان يرفع نظر الزوج وزوجه إلى الأعالي.

والناس متفاوتون في الاستعداد الإحساني، سرعان ما تنزل بهم هموم الحياة وشؤونها حين يعافسون الأزواج والأولاد والضياع من علياء التطلع الإحساني إلى واقعية المشاحّة اليومية. الأسعد منهم من يرجع ويتسامى ويبحث عن مذكر يذكره بالله كما فعل أبو بكر حين شكا إليه حنظلة سوء الحال الروحي.

يمسك قاعدة البناء في الأسرة المسلمة العدلُ. لكن العدلَ وحده بمثابة ميكانيك جاف تصطك أجزاؤه عند كل حركة إن لم تزيت الحدائد وتُلطّفْ. ملطف الحياة الزوجية الإحسان بعد العدل، الإحسان قبل العدل، الإحسان مع العدل.

ويتجسد الإحسان القلبي في مظهرين يسميان لغة وشرعا إحسانا. أحدهما البِرُّ والعطاء والسخاء والمواساة والإسعاف والعطف والحنان. والآخر إتقان العمل، كل عمل. إتقانه نيةً ليتقبله الله الذي إنما يتقبل من المتقين، وإتقانه إنجازاً وتنظيما ليحصل الأثر النفسي في العبادة الفردية والأثر السياسي الاقتصادي الاجتماعي

في العبادات الجهادية. هذا الإحسان الإتقاني يريد علوما كونية مستندة إلى العلم بالله والعلم بشريعة الله وإلا كان كبعض أعمال البشر الكافرين، الدنيا مولِده ومقبرته.

أعطى الله سبحانه الرجل زوجا وإماما الدرجة على المرأة. وأمره كما أمرها بالعدل والإحسان. فالرجل المتعسف الناقص مرتبة في سلم الإسلام، والمرأة الناقصة، يزَعهما غيرهما بوازع العدل. ومتى انحطت العلاقة الزوجية والعلاقة الكلية بين الرجال والنساء إلى التحاكم للغير، وإدخال القضاء والمماحكة والمرافعة، فقد اختل البناء.

المرأة في حضن الإسلام تُكرَم، ولا يهينها إلا لئيم ناقص. تُعامَل بالإحسان. إحسان الرجل الروحيُّ يفيض عليها رِفقا وعطفا ومحبة وودا. وهي تتكرم فتصبر وتتحمل وتكافئ الإحسان بإحسان.

الإحسان بواعث تسمو بالهمة، وخير يبذل، ووضع للأمور مواضعها حكمة وإتقانا ومداراة وسياسة يكنفها الصدق.

(..)

عبد السلام ياسين، كتاب “تنوير المومنات”، ج 1، ص 185 – 187 على موسوعة سراج.