العالم الافتراضي وضريبة الوقت

Cover Image for العالم الافتراضي وضريبة الوقت
نشر بتاريخ

إن سألتني عن الوقت أجبتك متحسرة: كم كنا مغبونين فيه ونحن نعبث به شذر مذر، ليلنا يسلمنا لنهارنا ونهارنا يسلمنا لليلنا، ولم نكن نضرب لهذه النعمة أي حساب. استرقنا العالم الافتراضي فسلب منا متعة الشعور بالراحة؛ متعبون إن استيقظنا مرهقون إن نمنا، وصوت رنين الرسائل ينفذ إلى أضغاث أحلامنا، كأننا في عالم توقف فيه كل شيء إلا حركة الأرقام ولغة الإلكترونيات.

لم يعد سهلا أن تقنع الناس بالبعد عن جهاز يختصر لك العالم في ضغطة زر، وستكون خارج التغطية  إن توهمت أن الهاتف النقال لا زال في قائمة الكماليات، والحال أن انقلابا معرفيا حدث في أقل من رمش العين وترجم كل حاجاتنا للتواصل، لكن هذه المرة عن بعد، حتى وإن لم يفصل بيني وبينك إلا بضعة أمتار.

العلائق الاجتماعية تضررت حتما، لكن كيف السبيل إلى الإفلات من متاهات العالم الأزرق ومعه الأخضر دون أن أقع في فخاخ الأسماء المستعارة، ودون أن أنسحب إلى لغة الحوار البناء، فأكتشف بعد حين أن ألاعيب النفس تتقن الإغراء تحت مسميات براقة، لتجد نفسك عالقا في نسج العنكبوت؟

ما العمل؟

الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وبالشكر تزيد النعم.

حتى لا يضيع وقتك سدى؛ نظمه وادفع عنك هذا الوحش الإلكتروني الذي امتص منك كل جهد وأنت في لا وعيك شريد بين الصفحات وبين تفاصيل الردود.. اطرح على نفسك أسئلة من قبيل: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟

لماذا؟

ما غايتي من الانفتاح على هذا العالم المتراكم المتماوج؟

صحّح نيتك، فإنما الأعمال بالنيات، واجعل دخولك إلى النت دخول باحث عن فرصة للدعوة إلى الله مستحضراً (بلغوا عني ولو آية).

تبادل مع أصدقائك نفائس الأفكار، وخذ من كل حقل وردة تزين بها مزهرية روحك، ومن كل جدول رشفة ماء تسقي بها عطش عقلك.

وفي قلوب الصادقين جد لك ذكرى لقلبك، لعل الله يحيي ما مات فيك.

كيف؟

أفد واستفد، وابتعد عن لغو الكلام، فإنك مسؤول عن كل لحظة عبث.

“اتق الله حيثما كنت”، بالضبط في الخاص فإنك تتوهم أنك بعيد عن الأنظار، والحال أن هناك من يرقبك من فوق سبع سماوات، كل ما تخطه يمينك فهو إما حجة لك أو عليك، ولا تضيع وقت أصدقائك ولا تقتحم خلواتهم إلا بعد أن تأنس برضاهم.

سجل نفسك في ديوان المحببين الناس في ربهم، إن أحسنت فلك أجران وإن أسأت فيكفيك صدق النية ولا يضيع عند الله أجر ذكر أو أنثى.

واحذر حظ النفس فإنها تتقن التلون حتى توهمك بالصواب وهو منك براء.

متى؟

“احفظ الله يحفظك”، احفظه في مواعيد صلاتك، احفظه في أورادك فهي الوتد لروحك، واربأ بنفسك أن تصير أسيرا لكل منشور، متلهفا  للتعليق عليه.

اجعل لك مواعيد محددة تجدد بها رتابة وقتك، وكن بهذا الأخير شحيحا أن يضيع في كواليس العالم الافتراضي، حتى إذا ما رجعت إلى حصيلة سيرك وجدت سرابا حسبته ماء فما زاد منك إلا عطشا وجوعا لروحك.

اقبل مني هذه النصائح، وإن كنت لست لها أهلاً، فإني أحوج منك إلى من يوقظ في قلبي جذوة الحب لله حتى لا يشغلني عنه أحد ولا يبعدني عن مجالسته هذا البريق الأزرق.

ولا يفوتني أن أنوه في الأخير إلى كل من كان راقيا في نشره، صادقا في قوله، مبدعا في طرحه، غير موجع في نصحه. إن كان حقا قوي فيه بالله، وإن كان علما جدد فيه النية، وإن كان توجيها زينه بالرفق، وإن كان  فنا جمله بالأدب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.