الصحراء مقابل التطبيع.. هل تصح المقايضة؟

Cover Image for الصحراء مقابل التطبيع.. هل تصح المقايضة؟
نشر بتاريخ

1-     سياق الإعلان

أعلنت الدولة المغربية يوم الخميس 10 دجنبر 2020م تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، إثر مرسوم رئاسي أصدره الرئيس ترامب الخاسر للتو للانتخابات الرئاسية والمغادر للأبيض الأبيض بعد أسابيع قليلة، والذي يعترف فيه بسيادة المغرب الكاملة على الصحراء وفتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة تقوم أساسا بمهام اقتصادية.

وبذلك يكون المغرب رابع دولة عربية تعلن تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال في عهد ترامب، بل في السنة الأخيرة من ولايته الرئاسية بعد الإمارات والبحرين والسودان، وسادس دولة عربية في المجموع منذ التطبيع المصري سنة 1978 والأردن 1994.

2-     مساق التطبيع

ظل الكيان الصهيوني منذ اغتصابه لأرض فلسطين سنة 1948 وفيا لاستراتيجيته الصهيونية التي تستند إلى تصورات عنصرية وتوسعية خطيرة. وظل الشعب الفلسطيني الأعزل عقودا وهو يواجه ويصمد أمام هذه الآلة الصهيونية المدعومة من قوى الهيمنة العالمية، وخذلان النظام العربي الرسمي للحق الفلسطيني وحق الأمة في أحد أهم مقدساتها، والذي كان التطبيع لونا آخر من هذا الخذلان ولن يكون حتما آخره.

كانت الحلقة الأولى من هذه الاستراتيجية اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم لإحداث شرخ جغرافي وتاريخي وهوياتي بين الفلسطيني وأرضه، وسلك في ذلك الاحتلال الصهيوني حروبا شاملة مدمرة أدت إلى احتلال معظم فلسطين.

وقد أدى فشل هذا الخيار مع تمسك فلسطينيي الشتات بحق العودة وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية على خيار المقاومة المسلحة واندلاع الانتفاضة الأولى سنة 1987، بالكيان المحتل إلى تغيير الخطة بالبحث عن السلام مقابل السلام ليأخذ من خلاله مع لم يأخذه بالحرب، بل استطاع إحداث شرخ في الصف الفلسطيني حيث أقنع قسما بتبادل الاعتراف المتبادل بل التنسيق الأمني لمعاقبة القسم الآخر الذي ظل وفيا للمقاومة.

فشل الاحتلال في كسر شوكة المقاومة المسلحة واستهداف بنيتها العسكرية وكي وعي حاضنتها الشعبية، لجأ كعادته إلى القوة العظمى -أمريكا- في عهد رئيس يتقن الابتزاز لجر الأنظمة العربية والإقليمية طوعا وكرها إلى التطبيع مع دولة الاحتلال، بهدف تصفية القضية الفلسطينية بخطة صفقة القرن التي أربك الفلسطينيون مسار تنزيلها بصمودهم الأسطوري في مسيرات العودة.

فما هي حيثيات التطبيع المغربي؟

3-     قرار مصيري مقابل قرار تكتيكي

اتخذ النظام السياسي المغربي قرار مصيريا بالتطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي مما سيكلفه سياسيا ويرهنه اقتصاديا باتفاقيات ملزمة بين الطرفين دون ضمانات متعاقد عليها مع الطرف الثالث الراعي للتطبيع وهو الولايات المتحدة الأمريكية.

القرار أيضا سيأكل من الرصيد الرمزي الذي يبني عليه النظام السياسي المغربي أحد أهم مقومات وجوده، بل ستقضم الخطوة المزيد من رصيده المجتمعي والشعبي تجاه عامة المغاربة الرافضة للتطبيع والتصالح مع الكيان الغاصب لمقدسات الأمة ورموز المرابطين المغاربة هنا، رغم محولات نخب النظام السياسي الثقافية والإعلامية تسويغ التطبيع للمغاربة.

كما أن هذا القرار سيخندق المغرب في محور إقليمي غير منسجم وغير متماسك، وبالتالي التفريط في المبدأ التي ظل يسم سياسته وهو عدم التخندق في المحاور على غرار موقفه من الصراع الخليجي الأخير. بل إن هذا الموقف سيفقد المغرب دوره في القضية الفلسطينية لانتقاله إلى طرف غير محايد في القضية رغم رسائل الطمأنة التي وجهت للجانب الفلسطيني الرسمي الذي فقد بدوره أي تأثير على مسار القضية الفلسطينية الذي بات منحصرا بين معادلات المقاومة الفلسطينية والاحتلال.

بالمقابل فالإعلان الرئاسي لترامب الاعتراف بمغربية الصحراء تكتيكي ولا يلزم إلا ترامب نفسه، وقد وصفه الباحث المغربي محمد الشرقاوي، أستاذ تسوية النزاعات الدولية بواشنطن، أنه ضعيف من الناحية القانونية والسياسية في السياق الأمريكي لسهولة إلغائه.

وقد استبعد ذات الباحث أن تتجه الإدارة المقبلة في البيت الأبيض إلى وضع ثقلها لاستصدار قرار في مجلس الأمن لصالح إنهاء الصراع المفتعل لصالح المغرب، وسيبقى الموقف الأمريكي داعما لمبدأ تقرير المصير، وحث الأطراف على التفاوض بحسن نية وبدون شروط 1 وفقا لقرار الأمم المتحدة التي أعلنت ساعات بعد إعلان ترامب أن موقفها من القضية لن يتغير.

ثم إن اختيار مدينة الداخلة عوض العيون التي فتحت فيها قنصليات الدول الأخرى وقصر مهامها على الجانب الاقتصادي والتنمية الاجتماعية له دلالته السياسية التي تؤكد أنها مناورة أمريكية ولا ترقى إلى مستوى اتفاق موقع بين الطرفين ملزم للطرف الأمريكي، وهي أيضا رسائل طمأنة للطرف الآخر.

4-     فهل تصح المقايضة؟

إن ربط القضية الترابية التي يراها المغرب قضية عادلة ومرتبطة بالحق التاريخي للمغاربة، وجزء لا يتجزأ من سيادته الوطنية على أرضه الطبيعية، بالتطبيع مع أصحاب قضية غير عادلة قائمة على اغتصاب الأرض الفلسطينية وطرد سكانها وتقتليهم خطأ مصيري سيكلف المغرب كثيرا.

فكيف يصح دحض خيارات كيان وهمي بالاعتراف بكيان آخر وهمي بمنطق التاريخ والشرعية والعدالة والإنسانية رغم احتلاله المؤقت للجغرافيا وامتلاكه أدوات الضغط والهيمنة السياسية والمادية، إلى جانب قوة الردع العسكري التي تحرص الولايات المتحدة على إبقاء قدرات الاحتلال فيها متفوقا على كل أنظمة المنطقة!

إن مساق التطبيع يعكس بعمق أزمة النظام السياسي العربي الرافض لأي تحول سلمي نحو الديمقراطية، وبالتالي سهولة ابتزازه من طرف قوى الهيمنة العالمية رغم كل شروط الإذلال. 


[1] الشرقاوي: الإعلان الرئاسي الذي وقعه ترامب بخصوص الصحراء ضعيف قانونيا وسياسيا، موقع لكم، على الرابط: https://lakome2.com/politique/210183/.