الصباغة: جديد الدخول المدرسي

Cover Image for الصباغة: جديد الدخول المدرسي
نشر بتاريخ

 افتتح الموسم الدراسي الجديد 2017- 2018 بعدما سبقته دعاية إعلامية تبشر بانطلاقة غير مسبوقة، فقد تحركت الوزارة ملوحة بإجراءات قيل إنها ستجبر ما كسر وتصلح ما أفسد، تحركات وجولات ومذكرات وقرارات عجلت باحتجاجات صيفية ساخنة، انضافت إلى قائمة النضالات والاحتجاجات المتواصلة،-الأساتذة المرسبون، المعفيون، 10آلاف إطار، الزنزانة 9، التقاعد….- حيث تسببت الحركة الانتقالية الوطنية بصيغتها الجديدة في أضرار للأساتذة الذين تحولت أحلامهم إلى كوابيس، بعدما أصبحوا  في الجهات عالقين، و يئس القدماء في أقاليمهم بعدما استحالت الحركة المحلية، واحتار مدبرو الموارد البشرية في المندوبيات في تدبير الفوضى التي سببها فائض يفوق الحاجة أو خصاص، و في أوج حرارة الاحتجاجات و استمرار الاعتصامات، ألزمت الوزارة المدراء بصباغة مؤسساتهم و تغيير الطاولات، و الأطر التربوية بحسن الهندام و الأساتذة بالوزرة، و كل من فرط و لم يتحمل مسؤولية تدبير تكاليف الصباغة قد يكون مصيره الإعفاء. فكان الدخول المدرسي مصبوغا بأمر فوقي، هدفه تربوي -بحسبهم-، فمن حق المتعلم أن يجد فضاء ينشرح له قلبه و تتفتق فيه قريحته. و لا يهم إن كانت لهذه المدرسة ميزانية أم لا، و لا يهم إن غطت الصباغة على عورات غياب المرافق الضرورية و الأدوات و المعدات ، و انعدام الماء و الكهرباء و التدفئة، و صعوبة المسالك وطولها و وعورة الطرق غير المعبدة في العالم القروي، وحرمان المتعلم من وجبة طعام  مفيدة تلبي الحاجة، لا يهم أن تغطي الصباغة على مؤسسات سميت عفوا “مدرسة”، فكيف لها أن تستر المستوى الهزيل لتلاميذ هم ضحايا  سياسة تعليمية أُريد لها أن تكون فاشلة؟

أليس الاهتمام بالطاولات و الأصباغ و الألوان في وقت تتنوع فيه الاحتجاجات و تعلو الأصوات مطالبة بالإصلاح الحقيقي، هو التفات مقصود عن كنه المشكل و  لبه؟ لعل البوصلة ضاعت من المسؤولين بقطاع التربية و التعليم، فلا زالت الرؤية لم تتضح، بعدما فشل الميثاق و الخطة الاستعجالية و تبددت الرؤية للرؤية الاستراتيجية، فهي إصلاحات بمسميات متغيرة و تبقى دار لقمان على حالها، تخبط و ارتجال و تبذير للأموال و الموارد و انحراف مقصود عن الجوهر و الغاية، و النتيجة ثابتة بل إلى الأدنى في سلم الترتيب عربيا و دوليا،  و”تقرير حديث للمنتدى الاقتصادي العالمي صنف المغرب في المرتبة 101 من بين 140 دولة شملها مؤشر جودة التعليم، بمعدل 3.6 نقطة من أصل 7، مسبوقا بكولومبيا ومتبوعا بدولتي أدربدجان وبوتسوانا، لينضاف هذا التقرير حول التنافسية العالمية برسم 2015/2016 إلى تقارير أخرى جعلت المغرب في آخر ترتيب جودة التعليم..” ألم يحن الوقت بعد لبلورة مشروع حقيقي للنهوض بقطاع التربية و التعليم في مغربنا، الذي لا يليق وصف وضعه سوى بالكارثة؟ أما من إرادة سياسية صادقة، تبدد شبح صناعة الأمية و الجهل و البطالة و البؤس، و ترقى بتعليمنا إلى مستوى أرفع؟

إن ما يحتاجه التعليم في بلدنا الحبيب هو الإرادة السياسية الحقيقية التي تعيد الاعتبار لهذا القطاع، الذي لا يمكن عزل وضعه المتردي عن الفساد الذي تعاني منه باقي القطاعات، فهوبحاجة لتغيير  يستجيب للواقع المحلي و لحاجات المجتمع المغربي بإشراك فعلي لكل الفاعلين الحقيقيين في هذا القطاع و بعيدا عن الإملاءات الدولية المدعومة، وبنظرة شمولية غيرتجزيئية. إننا في حاجة إلى تعليم يعيد الاعتبار لرجل التعليم، لإنه واسطة المنظومة التعليمية التربوية، و هو حجر الزاوية في أي إصلاح، إنه في حاجة إلى تطوير مستمر لكفاءته و متابعة دائبة لتكوينه مع الحفاظ على حرمته بتقديره و تكريمه، و لن نتحدث عن أي إ صلاح أو تغيير ما دامت العقلية المتحكمة تخاطب رجل التعليم بلغة التهديد و الوعيد بدل التكريم و الاعتراف و التنويه.

و إلى أن يتحقق المرجو، و ينتشل التعليم من مستنقع الفساد الذي لم يستثن في بلادنا أي قطاع أو صعيد أو منحى من مناحي الحياة المجتمعية، نهنئ الشغيلة التعليمية بالموسم الدراسي الجديد، و نحن على يقين أن رجال التعليم و نساءه لهم كل الفضل و يبذلون قصارى الجهد، فمزيدا من العطاء، إلى أن يكشف غدنا المشرق عن صبح نجد فيه الحل مجتمعين لكل المشاكل و المفاسد. و دمتم للعطاء و البذل و النضال  عنوانا.