الشباب والموسيقى.. ذوق فني متأرجح بين السليم والشائع 

Cover Image for الشباب والموسيقى.. ذوق فني متأرجح بين السليم والشائع 
نشر بتاريخ

لا شك أن للموسيقى حظا في حياة الإنسان، شأنها شأن الرياضة والمطالعة وغيرها من الضروريات التي يبني بها الفرد شخصية متزنة، وتنتظم بها يوميات حياته.

غير أن هذه الميزة للموسيقى تتوقف عند الاختيار الموفق لها، هذا الاختيار يتربى عند الانسان ويصقل تدريجيا في مراحل عمرية مبكرة، تكون ذروتها مرحلة الشباب، هذه المرحلة التي تتعاطى فيها هذه الفئة مع الموسيقى بشكل كبير.

يقول الخبير في مجال الموسيقى الأستاذ محمد العربي أبو حزم “الموسيقى والغناء وسيلة من وسائل التعبير والتواصل والتربية والتعبئة. وهما حاجة لا يمكن أن يستغني عنها إنسان لأنها من جزء مما فطره الله عليه. واليافعون أكثر الشرائح ميولا وتفاعلا وانجذابا إلى الموسيقى والغناء، ومن هنا تظهر أهمية حسن اختيار ما يستمعون إليه منهما”.

موسيقى شائعة وذوق متدهور

طغت على الواقع الفني اليوم موسيقى صادرة عن نماذج كثيرة “متشابهة” أضحت أغلبها إن لم نقل كلها تنتج فنا تجاريا يقصد عبره الشهرة وجلب جمهور كبير؛ موسيقى لا تراعي معايير الكلمة الشعرية السليمة واللحن الطربي غير الشاذ.. يقول أبو حزم في حديثه لموقع الجماعة.نت “لا يمكن عقد أي مقارنة بين الأغنية المغربية “القديمة” والأغنية المغربية التي تدوخ رؤوسنا هذه الأيام… الأغنية “القديمة”، في عمومها، كان يتصدى لكتابة كلماتها شعراء وزجالون مطبوعون يذللون نواصي الكلام، ويبدع ألحانها أساطين النغم، ولا ينال حق التغني بها إلا الصوت الندي المتمكن. أما في أيامنا هذه فالمشهد غني عن كل تعليق!”.

ونستقي في هذا السياق أراء شباب وعلاقتهم بالموسيقى ونظرتهم للواقع الموسيقي؛ تحكي مايسة وهي شابة في بداية العشرينيات من العمر ومجازة في علم الاجتماع تجربتها مع الموسيقى قائلة: “أفضل الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية على أن أستمع إلى المعاصرة، لأنها تلامس الشعور، مثلا أغاني أم كلثوم يمكن سماعها لساعة وأكثر دون أن تمل منها عكس المعاصرة التي تقتصر على وقت زمني قصير لأنها لن تستطيع إبقاء المستمع منصتا لها لوقت طويل”.

وتعلق مايسة على الأغاني المنتشرة حاليا بلغة متحسرة “معظم الأغاني التي تلقى صدى كبيرا اليوم تافهة ولا تضيف أي إضافة للمستمع، لكن تبقى هناك استثناءات تستحق الاستماع”، مضيفة “الفن يربي فينا أشياء كثيرة، فإن كان ما يقدمه لنا تافها فإنه سيربي فينا التفاهة وحبها فقط”.

أما خالد، وهو شاب في بداية الثلاثينيات، فاختار أن يعود بنا إلى زمن تلقى فيه أولى أبجديات السماع الطربي الأصيل، والذي وجد مدخلا سلسا إلى أذنيه عبر أغاني مغربية كان يستأنس لسماعها كل يوم عندما تشغل والدته الراديو، يقول خالد في حديثه لموقع الجماعة.نت: “تربى عندي حس طربي مع أغاني موزونة كلمة ولحنا، وانتقلت بعدها إلى مرحلة الاستماع إلى الأغاني الدينية بحكم أن والدي كان متدينا فتعرفت على هذا النوع من الغناء الجديد بالنسبة لي فوجدت فيه النغمة الراقية والطربية كلمات وألحانا. لكن، مع مرور الزمن، تلاشى هذا الفن للأسف وغاب عن الساحة، فوجدت نفسي بين الحين والآخر أبحث في الربيرطوار القديم عن أغاني طربية خالدة للاستمتاع”.

وعن الأغنية المنتشرة اليوم يعلق خالد: “هي أغاني تجلب الأذى للسمع، وللأسف تجد لها إقبالا من جمهور الشباب، وهذا يدل على أن الذوق الفني يتدهور”.

رسالة الفن ومتطلبات السوق:

نتناول هنا تجربة فتية للشاب اليافع معاذ أحوفير الذي ولج العالم الموسيقي قبل سنوات قليلة من باب فن الراب الذي صار الأكثر انتشارا بين الشباب لاعتماده بشكل كبير على الكلمات التي يتم اختيارها بدقة لايصال رسالة معينة لمن يهمهم الأمر، هذا النوع الموسيقي شد اهتمام معاذ ودفعه لخوض التجربة من أجل صناعة اسمه وسط المئات لإيصال رسالة فنية.

يقول معاد في حديث لموقع الجماعة.نت: “علاقتي بالموسيقى هي علاقة كبيرة وليست مع الراب فقط بل بجميع أنواع الموسيقى التي تحمل في طياتها رسالة فنية هادفة راقية لا تخدش الأسماع ولا تهدم القيم المجتمعية والإسلامية”.

وحول هذا النوع من الغناء الذي اختاره يقول أحوفير: “الراب في المغرب تطغى عليه مواضيع هابطة وجدالات فارغة المحتوى وتنافس بين المغنين لإرضاء المعجبين على حساب البقية بشكل يجعله عنوانا للتفاهة والكلام الهابط”.

ورغم صغر سنه قدم معاذ أعمالا فنية كثيرة بلغت  العشرة، تختلف مواضيعها بين السياسي والتربوي والتحفيزي والإنساني، ويجمع بينها عنوان واحد هو الدعوة للتغيير على جميع المستويات: “أحاول من خلال أغانيّ الارتقاء إلى مستوى فني ينافس البذاءة بالرغم من ضعف الإمكانيات مقارنة مع ما يصرف لإنتاج سلعة رخيصة تهدم القيم وتنشر ثقافة ذوقية جديدة تترفع عن مناقشة الفكرة والمضمون بالمقابل تعشق الضجيج المنظم والموسيقى الراقصة وتتحكم في الاختيارات الفنية للمتلقي في ظل غياب البديل الحقيقي” .

ويخلص معاذ: “الرسالة الفنية يمكن أن تتغير قوالبها بين الطربي والشبابي والرأي وغيره لكن لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تنجر نحو “متطلبات السوق” لأن انسلاخها من رسالتها يحولها إلى تهريج”.

ما السبيل لحماية الذوق الموسيقي

يوضح الأستاذ أبو حزم الذي خبر مجال الموسيقى لأزيد من 30 سنة انزياح أغلب الشباب واليافعين نحو ما يصطلح عليها موسيقى شبابية أو تجارية.. قائلا: “هذا الانزياح طبيعي بالنظر إلى تكالب وسائل وأجهزة الإعلام الموجهة على الأذواق، وإلى هجمة المهرجانات الفنية التي ترصد لها ميزانيات ضخمة ودعايات مدروسة ورموز فنية محلية وعالمية تجعلها قدوة تحجب بها شرائح الشباب واليافعين عن الأذواق الراقية والرموز الفنية الأصيلة”. ويستطرد بلهجة تغلب عليها خيبة أمل معللا ما بلغناه من وضع غنائي هابط أن “مِن الإسلاميين مَن لا يزال يلوك سؤال الحلال والحرام في الموسيقى وغناء المرأة في ما كان ينبغي أن يقدموا أجوبة عملية وبديلا منافسا منذ زمان”.

وطلبنا إليه أن يوجه بعض التوصيات إلى الشباب من أجل اختيار موسيقى ملائمة وسليمة تحميه من الهبوط نحو ماهو رائج: “ومن يسمع هذه التوصيات وسط هذه الضوضاء التي تَصُكُّ الآذان؟ فإن كان من كلمة في الباب فهو حسن اختيار المضامين التي تغذي الفطرة بالمعاني التي لا تشوهها ولا تستفز الذوق السليم، والألحان والأصوات التي تتقن ترجمة تلك الكلمات إلى أنغام حلوة معبرة لا يزيدها مرور الزمن إلا قوة وتأثيرا”.