مركزية وأهمية
الشباب مصطلح يطلق على مرحلة عمرية هي ذروة القوة والحيوية والنشاط بين جميع مراحل العمر لدى البشر، فمرحلة الشباب من أهم المراحل التي يمر بها الفرد في حياته، حيث تبدأ شخصية الإنسان بالتبلور. وتنضج معالم هذه الشخصية من خلال ما يكتسبه الفرد من مهارات ومعارف واستعداد لاكتسابها، ومن خلال النضوج الجسماني والعقلي، والعلاقات الاجتماعية التي يستطيع الفرد صياغتها ضمن اختياره الحر.
وإذا كان هذا معنى الشباب، فمن الطبيعي أن تكون له الأهمية والمركزية القصوى في المجتمع وحياة البشرية كلها. وتتميز مرحلة الشباب بأنها مرحلة التطلع إلى المستقبل بطموحات عريضة وكبيرة.
اغتنم شبابك.. وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم
عمر الإنسان ينبني على أساسيات تعتبر مقومات ثمينة في الحياة ولا معنى للحياة بدونها، وهنا نتحدث عن نعمة الصحة والوقت ووسيلة المال… هاته الأساسيات وغيرها لا تجتمع في مرحلة عمرية في حياة الإنسان، فكل واحدة يمنحها لك الله عز وجل في مرحلة عمرية محددة تبدأ بالزوال ببطء.
ومرحلة الشباب تتميز بالفترة الأكثر وفرة لهاته النعم؛ فهي مرحلة الأخذ والدراسة والعنفوان، تنعم وأنت شاب بوقت وافر وصحة وقوة (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) [حديث صحيح]. وكثير من الشباب يضيع صحته ووقته في غير ما ينفع ويقربه لله عز وجل.
وفي مرحلة من العمر يصبح الشاب لديه مجموعة ارتباطات؛ عمل، مسؤولية بيت… فيمن الله عليك بنعمة المال حسب رزقك، ولكن يصبح الوقت ضيقا ومحسوبا ومعدودا وأنت في ريعان شبابك.
وعندما يتقدم الإنسان في السن ويدخل مرحلة الضعف والوهن، يكبر الأولاد ويؤسسون حياتهم الخاصة. تتقاعد من العمل، فيعود الوقت بعد هذه لكن تذهب مقابله الصحة والشباب..
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم: 54].
وللأسف فإن مطمحنا الدائم نحن البشر أن نظفر بجميع هاته النعم، وننسى أن الكمال لله عز وجل، وأن العبد دائم الافتقار لله عز وجل، لاجئ إليه، ضعيف أمامه.
هنا يأتي التوجيه النبوي ويعلمنا كيف نغنم كل نعمة في مرحلتها، وأهمها مرحلة الشباب؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لرجلٍ وهو يَعِظُه: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناءكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَراغَكَ قبلَ شُغلِكَ، وحياتَكَ قبلَ موتِكَ” [أخرجه الحاكم في المستدرك].
حديث نبوي جامع شامل ينبه لاغتنام النعم قبل زوالها، فقد يقضي الإنسان حياته مغرورا حتى تزول النعمة ويتحسر عليها (من الأقوال المأثورة: ليت الشباب يعود يوما).
ومرحلة الشباب مرحلة مهمة؛ تتميز بالقوة والاندفاع والحماس، وقد تسري اختياراتك فيها على باقي العمر “فمن شب على شيء شاب عليه”، لهذا ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم كونها نعمة ينبغي اغتنامها، وهناك سلسلة من الأحاديث التفصيلية المتعلقة بتوجيه الشباب وتربيته وإعداده، لما يتميز به في تلك المرحلة، ولما على عاتقه من مهام ويشكله من مركزية في حمل هم الأمة والتغيير.
معاناة وتهميش
تتعرض فئة الشباب لأشرس الحملات ومحاولات التخريب والإلهاء والإساءة، فالشباب فئة حساسة قابلة للإغراء والانسياق وراء مغريات الحياة والملذات وما يحاك لها من مكايد.
خصوصا أن الشباب له دور أساسي وقيادي في التغيير والصدع بالحق، وهو مستقبل وبوصلة البلد، ولم تعد الإحصائيات ضرورية لإبراز ما تعانيه هذه الفئة في بلدنا من بطالة وتهميش وسوء تعليم وعناية، ولم يعد يخفى على أحد ما تعانيه هذه الفئة من صعوبة الاستقرار المهني والمادي في بلدنا الحبيب، زد عليه ضمان الكرامة في العمل والحد الأدنى من ضروريات العيش والمحافظة على استقرار أسري سليم، في ظل هذا كله نرى الشباب المبتدِئ عازف عن الزواج، وإن تزوج فعاجز عن الاستقرار.
فالاستقرار الاجتماعي بالزواج والإنجاب وحمل مسؤولية بيت، من أهم ما يعين على ترشيد الرجال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يخاطب الشباب: “يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء”.
وأنا أكتب هذه السطور أتابع ما تعرفه الزيادات من نسب صاروخية، كان آخرها الزيادة في الغاز، والذي بدوره سيساهم بشكل تلقائي في رفع أسعار مواد أخرى لها علاقة باستعمال الغاز. فكيف سيستقر شبابنا في ظل هذه الأوضاع، ويبنون أسرا تربي أجيالا سوية؟
ويا ليت شبابنا يعاني ويتصارع مع الحياة ومتطلباتها فقط، بل إن شبابنا وخاصة منهم الشرفاء الصادعين بالحق الغيورين على بلدهم يقمعون ويعنفون ويقادون إلى المحاكمات بأحكام قاسية وتهم ملفقة.
الشباب الفئة التي يستشرف بها كل بلد مستقبله، والتي من المفروض أن تُولاها عناية خاصة وحرص كبير، وأن تتمتع بامتيازات، وتفتح لها كل السبل التي تجعلها تساهم في التنمية والتطوير وبناء الوطن والرقي به. وهذا عكس ما نجده في الواقع، حيث يتوزع الشباب بين المحاكم والشوارع والمستشفيات، حتى إذا ضاقوا ذرعا بحياتهم ركبوا قوارب الموت.
أنقِذ النَّشْء مِنْ غيــابــاتِ جُـــبٍّ
عَلِّمْ النَّـشءَ حـَقَّ مَــا قـَدْ عـَلـِمْتَه
واصْطَنِعْ آمِرينَ بالعُرْفِ جـِيــلاً
طاهراً مِنْ صَفِّ الشَّبَاب اجْتَبَيْتَه
وعلى النُّكْرِ حَرِّض الجيلَ عَزْماً
«وأعدوا» أمـْرٌ عـزيــز تـَلـَوْتـه 1
الشباب مرن مطواع للحق
نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فئة الشباب إليه، واعتمد عليهم في بناء صرح الأمة ونشر القيم والإسلام، وهو وحامل الدعوة ورمزها وقائدها، وهذا دليل على أهمية دورهم الذي يتميز بعدة ميزات؛ من القدرة على التحمل والاستيعاب والحفزية والقوة والشجاعة والاندفاع.
وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تربية الشباب تربية إيمانية، وتحصينهم ومعالجتهم من الآفات والزلات حتى يتأهلوا لمهمتهم، فقد جاء في المنهاج النبوي للأستاذ عبد السلام ياسين: “ومتى حصرنا الشباب عن الحركة ولم نهيئ لهم مجالا لصرف نشاطهم خارج جلسات الأسرة انفجروا في حركية عنيفة تضطرب ولا تبني. فلابد للشباب من رياضة وخرجات في المعسكر وسياحة. أقصد سياحة الدعوة والخروج في القرى والمدن لدعوة الناس إلى الإسلام. وفي الجامعات ينظمون أنشطتهم بما يظهر قوة المؤمنين وصحة عقيدتهم وفكرهم.
وقد كان هذا على مر تاريخ الأمة والبشرية جمعاء ممن قادوا التغيير ورسموا معالم رقيها، وتحملوا الابتلاء والموت في سبيل الحفاظ على كلمة الحق وإعلائها.
ولا يسعنا الكلام لنسرد نماذج تاريخية وشخصيات شابة، لكن نكتفي بالإشارة والربط بين الجيل المثالي القدوة من الصحابة الرجال الذين رسخوا وجاهدوا ورسموا طريقا يقتدي به من بعدهم، إلى جانب ما تحملوا من ابتلاء وحصار في سبيل الحق، وهم في ريعان شبابهم.
والربط بين شباب اليوم الذي يسير على دربهم وخطاهم مع اختلاف الأزمنة والوسائل وتلون الأساليب الشرسة للتدمير والإلهاء والتخريب… وعلى رأسهم ما نشاهده اليوم من صمود وبطولة دفاعا عن الإسلام والمقدسات، ونيابة عن الأمة الإسلامية في فلسطين الحبيبة، فشبابها نموذج وقدوة على مر التاريخ؛ يدافعون عن المقدسات ويعيشون على يقين وموعود الله عز وجل بالنصر ويصنعون المعجزات ويسيرون بثبات.
“فلينظروا إلى أن هذا النشء الذي أنشأه الله عز وجل… وهذا الشباب المقبل على الله لن يقف، لن يخاف، لن يتقهقر. فإما يجدون حلا، وإلا فصوت هذا الشباب الذي يتضاعف بالعشرات والمئات والآلاف والذي سيتضاعف من سنة إلى سنة، من شهر إلى شهر، من يوم إلى يوم…” 2.