الشباب هم اللبنة الأساسية والقوة المحركة في كل المجتمعات، فهم يمثلون العمود الفقري لأي مشروع تحريري وبنائي، لكونهم الفئة الأكثر حيوية في المجتمع والأكثر تفاعلا مع قضايا الأمة، هم أعظم ثروة في قيمتها وأثرها وامتدادها وبقائها، وهم مبعث عز وحضارة كل أمة. وتعتبر مرحلة الشباب مرحلة القوة بين ضعفين؛ ضعف الطفولة وضعف المشيب، قال الله عز وجل في محكم كتابه: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ 1.
على مر التاريخ، كان الشباب القوة المحركة للتغيير والإصلاح، كانت لهم مساهمات فعالة في ميادين شتى، احتضنهم الإسلام وزودهم بالقيم والمبادئ التي تجعلهم بناة حقيقيين، سواء على المستوى الفردي الذي يتمثل في بناء النفس روحيا وفكريا، أو على المستوى الجماعي الذي يكمن في بناء المجتمع، لأن بناء مجتمع متماسك أخلاقيا يبدأ من إصلاح الأفراد أخلاقيا.
ففي البعثة المحمدية كان للشباب دور محوري وأساسي في نشر الدعوة الإسلامية ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعم رسالته، فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان أول من أسلم من الفتيان وشارك في كل المراحل الأولى للدعوة، وقدم نفسه فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما نام مكانه يوم الهجرة لتضليل كفار قريش الذين أجمعوا على اقتحام بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واغتياله، وظنوا أن محمدا عليه أزكى الصلاة السلام ما زال نائما في فراشه، فأعطى وقتا كافيا لخروجه صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه أبي بكر نحو المدينة.
وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنه شاب يشاوره النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك، ويسلمه قيادة جيش المسلمين المتجه إلى الشام لمواجهة الروم ولم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره.
أما عتاب بن أسيد فشاب جعله النبي صلى الله عليه وسلم واليا على مكة، ومصعب بن عمير أول سفير في الإسلام، يرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم داعية إلى أهل المدينة، فيُسلم على يديه أكثر أهلها، ينسب له الفضل في تمهيد الطريق للهجرة النبوية الشريفة وجمع كلمة الأنصار.
ولم تتخلف الشابة عن موكب النصرة والدعوة والفداء، فهذه أسماء ذات النطاقين نموذج يحتذى، ونجمة تضيء سماء الراغبات في الارتقاء، الطامحات فيما عند الله تعالى؛ قامت بمهمة عظيمة في هجرة رسول الله صلى الله وسلم وأبيها أبي بكر حينما تكلفت بحمل ما يحتاجانه من زاد إلى غار ثور بجبل ثور الذي يبعد قرابة خمسة كيلومترات عن مكة، حيث مكثا فيه مدة ثلاثة أيام لإخفاء أثرهما عن كفار قريش الذين كانوا يطاردونهما.
وهذه درة ابنة أبي لهب الذي عرف بعداوته وزوجه حمالة الحطب لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل فيهما قرآن يتلى إلى قيام الساعة، فقد أسلمت درة وتحملت كل الأذى وخرجت بمفردها مهاجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمرها حوالي العشرين، وروت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث الذي ورد في المسند، قالت: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ فَقَالَ: “خَيْرُ النَّاسِ أقْرَؤهُمْ وَأَتْقَاهُمْ للهِ، وآمَرُهُمْ بِالمعروفِ، وأنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ” 2.
لم يكونوا حول النبي صلى الله عليه وسلم يسمعون ليتركوا ولا يسألون إلا وهمهم التطبيق والمتابعة.
إن الشباب دائما في الطليعة الدعوية ومصدرا للهمة العالية، ومضنة للاستجابة السريعة للتغيير والإصلاح، أليسوا من ساندوا النبي صلى الله عليه وسلم في السلم والحرب، أثناء دعوته السرية ولما أمره الله تعالى بالصدع بما أمر؟ ولعلو كعبهم في الدين دعوة واستجابة، كان سيدنا أبو سعيد الخدري إذا رأى الشباب قال: “مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نوسع لكم في المجلس، وأن نفهمكم الحديث، فإنكم خلوفنا، وأهل الحديث بعدنا” 3.
واليوم مع ملحمة طوفان الأقصى نرى شباب غزة، القلب النابض للقضية الفلسطينية، يقدمون أروع نماذج الفداء دفاعا عن الأقصى وعن أرض فلسطين، كان وما زال لهم الدور الأبرز في مواجهة الاحتلال منذ بدايته حتى اليوم، مما يجعلهم مصدر إلهام ليس فقط لوطنهم بل لكل الأوطان التي تسعى للتحرر والكرامة الآدمية، والأكيد أن الأمثلة التي قدم الشباب فيها تضحيات عظيمة، وكانوا القوة المحركة في لحظات تاريخية حاسمة أكبر من أن تحصى.
هذا وإن للإمام عبد السلام ياسين، جدد الله عليه الرحمات، التفاتة خاصة للشباب في كتاباته، وقد خص الطلبة برسالة للدور الأساسي الذي يقومون به في عملية البناء والتغيير على جميع المستويات، فالشباب ركيزة أساسية في مشروعه الإصلاحي والدعوي، وجب تهيئتهم على أسس إيمانية وتربوية وخلقية سليمة وسامية، لأنه يعتبرهم عماد الأمة، بهم ينهض صرح البناء، وعليهم تتكئ قوى الدفع نحو التغيير، فإذا صلحت تربيتهم، وتنظمت صفوفهم، وتوحد هدفهم، صاروا طليعة الأمة الزاحفة نحو التحرير.
جاء في قوله رحمه الله: “يُنتَظَرُ من الشباب المسلم أن يُنقذ الأمة من مهواة الموت، وأن يُنقذ العالم من الاستكبار الجاهلي، وأن يقاتِل التخَنُّثَ، والترفَ، والظلمَ، وأن يسهر على إقامة دولة العدل والأخلاق، وأن يرابط مستعداً لنجدة المستغيث، وأن يُفْرِغَ كل طاقاته لحماية القومة الإسلامية، ودفع العاديات عنها. يُنتظر من الشباب المسلم أن يكونوا أسد العرين وحماة الدين، وعماد الأمة. وذلك لا يأتي الا بتربية تزرع في القلب الايمان والتقوى” 4.
إن العناية بالشباب، حتى يحققوا غد الأمة المأمول وليؤسسوا قوة اقتحامية قادرة على التميز والتفرد لتحقيق التغيير المنشود والإصلاح المرغوب، تقتضي العناية بارتقائهم الروحي وقوتهم العلمية وحكمتهم العقلية، وإدماجهم في بناء مشروع إسلامي حضاري باعتبارهم رواد البناء وقادته، كما لابد من إشراكهم في كل مراحل البناء، من التخطيط إلى التنفيذ.