الشأن السياسي في المنظومة الإسلامية بين سؤال الاجتهاد وسياقات الواقع (1)

Cover Image for الشأن السياسي في المنظومة الإسلامية بين سؤال الاجتهاد وسياقات الواقع (1)
نشر بتاريخ

الشأن السياسي في المنظومة الإسلامية قائم على النص والاجتهاد، وما زالت العلاقة بين النص بما هو وحي إلهي مقدس، يلزم المكلفين السعي إلى امتثاله وتنزيله، وبين الاجتهاد بشقيه الاستنباطي والتنزيلي تعرف صورا عديدة من التفاعل تتغير وتتطور بحسب التحولات التي تعرفها الأمة الإسلامية في علاقتها بباقي الأمم، وسعيها إلى القيام بالواجب الأعظم وهو الدعوة إلى الله تعالى بإعمال الوسائل المشروعة النافعة.

يتأثر هذا التفاعل اليوم بكل السياقات السياسية، والخلفيات النفسية والفكرية الت يتعرفها الساحة العالمية، وتعمل الآلة الإعلامية الضخمة والمتشابكة والمعولمة على توجيه الأنظار إلى هذا الاتجاه أو ذاك، وترسخ في العقول والنفوس هذا الانفعال أو ذاك.

فأية علاقة بين القرآن الكريم والشأن السياسي؟ وما ملامح تعامل الأنبياء المأمورون بالتبليغ مع محيطهم السياسي؟

كيف استطاع النبي صلى الله عليه وسلم بناء المشروع السياسي الأساس للأمة؟ وما وظيفة الأمة الإسلامية اليوم وغدا في القيام بوراثة النبوة منهجا وسلوكا عمليا في هذا المضمار؟

أولا: أصول الشأن السياسي من خلال القرآن الكريم

الأصل في القيام بأمر الله تعالى في الأرض الوجوب على كل مسلم ومنه إقامة الخلافة، أما التفاصيل التنزيلية فاجتهاد موكول إلى الإنسان في ضوء الأمر الكلي بالقيام بأعباء الخلافة التي طوقها آدم عليه السلام وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة 1 .

ولقد اقتضت حركة الأنبياء عليهم السلام إزاء أقوامهم اجتهادات في الشأن السياسي باعتباره أحد أهم وسائل التبليغ وأسباب النصر، وأحد أجدى الأساليب لاستصلاح شؤون الناس في الدنيا والآخرة، يقول الله سبحانه وتعالى في معرض محاجَّة أهل الكتاب: إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 2 .

ولقد أمر الأمة الإسلامية أن تنظر في السنن السابقة، لتتعلم منها الدرس. وما السنن إلا تدافع بين الحق والباطل، أجلى صوره الجانبُ السياسي، قال الله تعالى: قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ.هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ. وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ 3 .

ومن خلال دراسة منهج ذكر القرآن الكريم لدعوات الرسل عليهم السلام، نلاحظ أنه يركز على المسائل التالية:

1. لا انفصال بين الدعوة والهداية وبين السياسة والتغيير

ذلك أن نظر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في حركتهم التغييرية لم يعرف انفصاما وتضادا بين الدعوة إلى الله وعبادته، وبين الخوض في شؤون العدل والحكم، مع الاحتفاظ للدعوة بأولويتها في ذلك. وقد بين يوسف عليه السلام ذلك يواضوح لصاحبَي السجن عندما قال لهما: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ. إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ 4 .

الدين القيم، هو الجامع بين نور الوحي المنزل من الله تعالى، واتخاذ كافة الأسباب لتكون كلمة الله هي العليا، ومنه الاجتهاد السياسي لتكون الدعوة الربانية حاكمة، والدولة خادمة لها، تابعة لا متبوعة. وقوام انتشار أي شريعة هو ما يقوم به أهلها من اجتهادات، وما يبتكرونه من قواعد ضابطة له، يقول صاحب الملل والنحل: ولم تنضبط شريعة من الشرائع إلا باقتران الاجتهاد بها، لأن من ضرورات الانتشار في العالم الحكم بأن الاجتهاد معتبر) 5 .

2. يحكي القرآن اجتهادات الأنبياء في الشأن السياسي بواقعية تامة

يبين جوانب القوة والضَّعف في تصرفاتهم الدعوية – عليهم السلام- عموما والسياسية على وجه الخصوص، حتى يستوعب المتدبر العبرة والدرس، لذلك يذكر القرآن الكريم ما اعترى ذلك من مجانبة للصواب في بعض الأحيان 6 ، مما يدل على أن الأصل في الشأن السياسي هو الاجتهاد المسدد بنور الوحي وتوجيهاته، وأن حركة التاريخ والتدافع بين الحق والباطل من مسؤولية بشر من لحم ودم، هو الذي يتحمل مسؤولية الاجتهاد من أجل نصرة الحق، دون نسيان أن الفاعل الحق هو الله تعالى.

لقد قال سبحانه عن سيدنا نوح عليه السلام لما رجا أن يكون ابنه معه في السفينة صحبة الناجين، وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ. قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ. قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ 7 .

وحكى جل وعلا عن سيدنا موسى عليه السلام قوله قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ 8 .

وذكر قصة سيدنا سليمان عليه السلام فقال جل شأنه: ولَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ. قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّاب 9 ، يقول الشنقيطي 10 : وهذا المنهج القرآني هو الذي يجعل الصورة مكتملة، والحجة قائمة، وإلا فما لنا وللاقتداء ببشر تجردوا من صفة البشرية؟ إن الخالق الحكيم العدل لم يكلفنا بذلك، ولذلك بعث إلينا بشرا رسولا، لا ملكا رسولا، عن قصد وحكمة، قال سبحانه: ) قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً) 11 .

3- اختلاف الحركة السياسية للرسل عليهم السلام من رسول لآخر

لم تكن الأعمال السياسية التي قادها أو تحملها الأنبياء عليهم السلام على النمط نفسه في التعامل مع الواقع، بل سعى كل منهم إلى الاستجابة للأمر الرباني، آخذا بعين الاعتبار تقلبات الواقع وتغيراته، فمنهم من ابتلي بتحمل مسؤولية الحكم كما في قصة سيدنا داود وسيدنا سليمان عليهما السلام، ومنهم من تقلد مناصب عليا في الشأن السياسي للقوم الذين بُعث فيهم كسيدنا يوسف عليه السلام، ومنهم من قاد حركة تغييرية في وجه الحاكم الظالم القائم على الشرك بالله عز وجل، وخير مثال على ذلك قصة سيدنا موسى وهارون عليهما السلام ضد فرعون وجنده.

لقد اجتهد جميع الأنبياء في استثمار كل الفرص الممكنة من أجل تغيير ما بالنفوس من أمراض حائلة دون رفع شأن الدعوة في الناس وتبليغ كلمة الله تعالى إليهم، كل ذلك على ضوء ما تقرره التوجيهات الربانية المنزلة وحيا من عند الله تعالى من قواعد ضابطة لحركة النبي المرسل السلام.

هذا، ولقد سجل القرآن الكريم نماذج من اجتهادات الأنبياء عليهم السلام في الشأن السياسي، شكلت بمجموعها المنهج العام للاجتهاد في هذا المجال، وفي ذلك بيان واضح للمحجة التي ينبغي أن يكون عليها هذا النوع من الاجتهاد فيما يستقبله علماء هذه الأمة من مستجدات ومتغيرات في حياتهم السياسية.

لقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم منذ بداية البعثة في العمل السياسي، فهو مأمور بنشر دعوة التوحيد وإقامة القسط بين الناس، قال جل شأنه: فإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ، وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً، وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ. إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 12 ، وتلك مهمة كلف الله بها جميع الأنبياء عليهم السلام: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ. وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ، وليَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ، إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز 13 .وقد نزلت خلال حياة النبي صلى الله عليه وسلم عشرات الآيات في القرآن الكريم تتناول قضايا الشأن السياسي من قبيل مسائل الحكم بما أنزل الله، حيث قال جلَّت عظمته: فاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً 14 .

ولقد سمى العلماء بضع آيات كريمة بآيات الأمراء في كتاب الله، وهي قوله تعالى: إنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً 15 ، قال العلماء: نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور، عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، ونزلت الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك، إلا أن يؤمروا بمعصية الله، فإن أمروا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن لم تفعل ولاة الأمر ذلك، أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله، لأن ذلك من طاعة الله ورسوله، وأديت حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: “وتعَاونُوا على البِر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بالعدل، فهذان جماع السياسة العادلة، والولاية) 16 .

ثانيا: أسس الاجتهاد في الشأن السياسي في العهد النبوي:

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهيئ لعهد سياسي مستقبلي يفتح بواسطته آفاقا واسعة للدعوة. تجلى ذلك في الميثاق الذي أخذه على قادة وزعماء الأوس والخزرج في مكة في “بيعة العقبة” مما مهد الطريق لبناء هذه الدولة الإسلامية، فكانت الهجرة الانطلاقة التطبيقية لما كان من ممهدات مرتبة بإحكام، وتسديد من الحق جل وعلا، إذ بدأ صلى الله عليه وسلم بتكوين دولـة المدينة بمشاركة غير المسلمين، حتى من اليهود، دون أن يكرههم على الدخول في الإسلام. ونظم العلاقات بين مكونات الأمة الجديدة فيما سمي بالصحيفة أول دستور في تاريخ المسلمين 17 . وقد اشتمل على سبعٍ وأربعين مادة تنظيمية لشؤون السلم والحرب والاقتصاد، والعلاقات الداخلية والخارجية.

وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يرعى بناء الدولة الإسلامية الناشئة، ويجتهد صلى الله عليه وسلم بتسديد من الوحي في تنظيم هياكلها، فلقد كان لها أجهزة إدارية وقضائية، ومالية وعسكرية، وكان له صلى الله عليه وسلم باعتباره الحاكم الأعلى مستشارون يديرون مصالح الأمة، كانوا بمثابة مجلس شورى النبي صلى الله عليه وسلم .

وعاش الصحابة رضي الله عنهم في كنف التربية النبوية وتحت عينها من أجل إعداد هم لتحمل مسؤولية الخلافة بعده صلى الله عليه وسلم ، دام هذا العمل المتواصل خلال عشر سنوات في مكة و ثلاث عشرة سنة في الفترة المدنية.

هذا هو الذي أسس الانبثاق النموذجي الكبير، والدفعة العظيمة للحضارة الإسلامية والتي امتدت عبر آفاق قرون المستقبل، على ما خالطها دخن، وما داخلها من فتن.

هذه السنة العملية هي التي أسست لتاريخ الإسلام والمسلمين في جوانب حركتهم السياسية، قال عمر رضي الله عنه: يا أيها الناس إن الرأي كان من النبي عليه السلام مصيبا، فإن الله تعالى كان يسدده. وإنما هو منا الظن والتكلف). وقال النووي: وأكثر العلماء على أنه يجوز عليه الخطأ فيما لم ينزل عليه. وقد أجمعوا كلهم على أنه لا يُقر عليه… ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم وإن كان الله تعالى قد رفع درجته فوق الخلق كلهم، فلم ينزهه عن سمات الحدث والعوارض البشرية. وقد سها صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فلا ينكر أن يظن به حدوث بعض هذه الأمور في مرضه فيتوقف في مثل هذا الحال حتى تتبين حقيقته. فلهذه المعاني وشبهها راجعه عمر رضي الله عنه) 18 ، فليس تصرفه صلى الله عليه وسلم باعتباره إماما (قائدا سياسيا للدولة الإسلامية)، كتصرفه باعتباره قاضيا (بمقتضى السلطة القضائية)، ولا كتصرفه بمقتضى تبليغ الرسالة. يقول الإمام القرافي: اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإمام الأعظم، والقاضي الأحكم، والمفتي الأعلم، فهو إمام الأئمة، وقاضي القضاة، وعالم العلماء، فجميع المناصب الدينية فوضها الله تعالى إليه في رسالته، وهو أعظم من تولى منصبا منها في ذلك المنصب إلى يوم القيامة…. غير أن غالب تصرفه صلى الله عليه وسلم بالتبليغ لأن وصف الرسالة غالب عليه، ثم تقع تصرفاته صلى الله عليه وسلم منها ما يكون بالتبليغ والفتوى إجماعا، ومنها ما يجمع الناس على أنه بالقضاء، ومنها ما يجمع الناس على أنه بالإمامة، ومنها ما يختلف العلماء فيه، لتردده بين رتبتين فصاعدا) 19 .

كل ذلك شكل سلوكا اجتهاديا في بنيان شامخ رعاه الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحابة رضي الله عنهم، ومن ثم فيمن تبعوهم بإحسان.


[1] سورة البقرة.\
[2] سورة آل عمران الآية 62.\
[3] آل عمران الآيات من 136 إلى 139.\
[4] سورة يوسف الآيات من 39 إلى 40.\
[5] الشهرستاني ج1 ص 206.\
[6] هذا لا يخل في شيء من صفة العصمة المقررة للأنبياء والرسل إذ الوحي يستدرك كلما تطلب الأمر ذلك.\
[7] سورة هود الآيات من 45 إلى 47.\
[8] سورة القصص الآية 16.\
[9] سورة ص الآية 34 ـ35.\
[10] الخلافات السياسية بين الصحابة ص 25\
[11] سورة الإسراء الآية95.\
[12] سورة المائدة الآية 42.\
[13] سورة الحديد الآية 25.\
[14] سورة المائدة الآية 48.\
[15] سورة النساء الآية 58 ـ 59.\
[16] الشأن السياسي في إصلاح الراعي والرعية لابن تيمية ص 2.\
[17] إطلالة واحدة على نص الصحيفة يبرز ذلك: “هذا كتاب من محمد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن اتبعهم فلحق بهم وجاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس…وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم…وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين …وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره. وأن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وأن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره. وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو آثم، وأن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.\
[18] شرح النووي على صحيح مسلم ج 11 ص 91\
[19] الفروق ج1 ص 221.\