في خطوة تثير الجدل على الصعيدين المحلي والدولي ولا تتناسب مع حجم العدوان المنصب على أهل غزة منذ 615 يوما في حرب تطهير عرقي وإبادة جماعية يقودها الكيان الاحتلالي الصهيوني على مرأى العالم ضدا عن كل القوانين والأعراف والقيم الإنسانية العالمية، أقدمت السلطات المصرية على ترحيل عدد من المتضامنين الدوليين الذين وصلوا إلى القاهرة في انتظار التحاقهم بقافلة “كسر الحصار” عن قطاع غزة. هذه القافلة، التي تضم متضامنين من مختلف أنحاء العالم، وتهدف إلى رفع الحصار غير الإنساني المفروض على غزة، وتوفير مساعدات إنسانية أساسية إلى سكان القطاع المحاصر.
موقف السلطات المصرية: حفاظ على الأمن أم قمع للتضامن؟
السلطات المصرية، في موقف غير مبرر، احتجزت عشرات المتضامنين؛ مغاربة وتونسيين وجزائريين وفرنسيين بمطار القاهرة، في ظروف غير إنسانية (وفق شهادات نشرها بعض الموقوفين على وسائل التواصل الاجتماعي)، وقامت بترحيلهم إلى بلدانهم. وأفادت مواقع إعلامية دولية أن الشرطة اقتحمت فندق “داونتاون” وفندقا آخر وسط القاهرة حيث يقيم أعضاء الوفد الفرنسي المشارك في القافلة، قبل أن ينقطع التواصل معهم.
وقد أكد المتضامنون سلمية نواياهم وهدفهم الإنساني النبيل، حيث شددت الهيئة المنظمة للقافلة – في بيان لها – أنها ليست ذات طابع سياسي أو إيديولوجي، وأنها قافلة شعبية هدفها الوحيد هو المساهمة في كسر الحصار الجائر على أهل غزة ووقف الإبادة بحقهم، وأن تواصلها مع السلطات المصرية يقتصر على الجوانب القانونية والإدارية والأمنية المتعلقة بمسار القافلة على الأراضي المصرية، كما هو الحال مع السلطات الجزائرية والتونسية والليبية.
ورغم ذلك تصر السلطات المصرية على اعتبار قافلة كسر الحصار “تهديدا للأمن القومي”، متجاهلة الوضع الكارثي الذي يعيشه مليونا فلسطيني في غزة نتيجة للحصار، وهو ما اعتبره ناشطون دوليون ومنظمات إنسانية تكبيلا لجهود التضامن مع الشعب الفلسطيني، بل ومساهمة في استمرار معاناته.
القافلة على الطريق: تحديات ومقاومة
رغم العراقيل التي وضعتها السلطات المصرية، لم تتوقف قافلة “كسر الحصار” البرية – التي تحمل مساعدات طبية وغذائية ومواد إغاثية لشعب غزة – عن مساعيها، وقد حظيت باستقبال حافل وتضامن واسع من أهالي مدينة “مصراتة” الليبية اليوم الخميس 12 يونيو 2025، تمهيدا لاتجاهها نحو مدن ومناطق شرق ليبيا.
وقد عبر المشاركون، الذين يبلغ عددهم بين 1500 و2000 من المغرب والجزائر وموريتانيا وتونس وليبيا، عن استعدادهم للبقاء على الحدود الليبية المصرية إلى حين استكمال الإجراءات، حيث أعلن المنظمون احترامهم للسيادة المصرية، وسعيهم للتنسيق بشكل قانوني ومنظم.
والمعروف أن معبر رفح هو المنفذ الوحيد بين مصر وغزة، ورغم الوعود المصرية بتسهيل حركة المرور للمساعدات الإنسانية، إلا أن المعبر لا يفتح إلا بشكل محدود، مما يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني. وقد انتقدت العديد من المنظمات الإنسانية الدولية هذا الإغلاق المتكرر، معتبرة إياه جزءا من الحصار الذي يرقى إلى جريمة حرب ضد الإنسانية.
الموقف الدولي: دعوات لرفع الحصار وإنهاء المعاناة
المجتمع الدولي، بما في ذلك المنظمات الحقوقية والنشطاء السياسيون حول العالم، أعرب عن استيائه العميق من الإجراءات المصرية ضد قافلة “كسر الحصار”. وأدان العديد من الشخصيات العالمية هذه الخطوات التي وصفوها بأنها تساهم في استمرار معاناة الفلسطينيين في غزة وتعرقل الجهود الشعبية الدولية لإنهاء الحصار.
منظمات مثل “أطباء بلا حدود” و”العفو الدولية” أكدت أن الشعب الفلسطيني لا يمكنه الانتظار أكثر، وأنه حان الوقت لإنهاء الحصار الذي يُعتبر أحد أطول وأشد حصارات العصر الحديث. وكانت منظمة العفو الدولية قد دعت، مطلع مارس الفارط الكيان الصهيوني إلى أن ينهي فورا حصاره المدمر على قطاع غزة، معتبرة إياه فعلا من أفعال الإبادة الجماعية، وشكلا سافرا من أشكال العقاب الجماعي، وجريمة حرب تتمثل في استخدام تجويع المدنيين كسلاح من أسلحة الحرب..
رسالة التضامن: مقاومة مستمرة ضد الحصار
في الوقت الذي تتزايد فيه المؤشرات على مضي السلطات المصرية في قرار منع القافلة من عبور الحدود، يظل التضامن الدولي مع فلسطين قوة لا يُستهان بها، حيث يواصل المتضامنون من جميع أنحاء العالم الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ويؤكدون أن المساعي الشعبية لن تتوقف حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من العيش بحرية وكرامة، بعيدا عن الحصار والقيود المفروضة عليه.
ويعتبر التضامن الشعبي مع غزة مؤشرا قويا على أن قضية فلسطين لا تزال في صميم اهتمامات العالم. وقافلة “كسر الحصار” هي جزء من حراك دولي واسع يسعى لرفع الحصار، وإيصال المساعدات، وكسر العزلة التي فرضت على قطاع غزة.