الزاوية

Cover Image for الزاوية
نشر بتاريخ

البارحة، توقفت بنا الحافلة بسبب عطل في المحرك ونحن بين جبال الأطلس الكبير..
خرج الناس إلى قارعة الطريق، يتأملون جمال الطبيعة ومهابة القمم العالية المكللة بالثلوج.
فضل البعض الجلوس قرب الحافلة في انتظار إصلاح العطب بينما استغل الآخرون الوقت للتنزه واستطلاع المكان..
توغلت في الغابة وحيدا بعد أن ضللت الطريق إلى الحافلة، فجأة، سمعت أنينا خافتا لشيخ جليل يتأوه داخل زاويته..
وجدته ممددا على سرير خشبي وقد بدى حزينا وكئيبا ومستسلما..  أسرعت لأمنحه شربة ماء وأسأله عن حاجته؟
قال:
ـ أريد أن تقرأ لي سورة ياسين، فأنا أعلم أني سأموت بعد لحظات.
لحسن حظي كنت أحفظ بعض الآيات والسور الفاضلة، التي أوصاني بها شيخي، فجلستُ أمامه وبدأت أتلوها وهو يتمتم كلماتها خلفي في وهن..
عندما وصلنا إلى آخر السورة بكى بكاء مريرا حتى رحمته .. أعاد الآية الأخيرة ثلاث مرات وهو ينطق حروفها بخشوع (إنما أمره اذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون) ..
ثم التفت الي وهو يشد على يدي :
ـ عبدتُ الله في هذا المكان لأزيد من عشرين عاما. اعتزلتُ الأهل والناس والدنيا، طمعًا في ثلاثة أشياء، وها أنا أموتُ الآن ولم أحقق مرادي..
سألته عن الأشياء الثلاث هذه؟
فقال:
ـ أن اكون مستجاب الدعوة وأن أعبد الله كأني أراه وأن يسوق الله على يدي إحدى كراماته الجليلة.
فقلت له: أما يكفيك أنكَ كنت مع الله لأزيد من عشرين سنة؟
فابتسم وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
فجأة سمعت صوتا ملائكيا يقول:
” أسعدت ولي الله سعادة لن يشقى بعدها أبدا، فسل تُعطى”
قلتُ دون تردّد:
أريد أن أكون مستجاب الدعوة، وأن أعبد الله كأني أراه، وأن يسوق الله على يدي إحدى كراماته الجليلة.
فقال لي الصوت، إن الله يقول لك:
“سأجمع لك كلّ هذه الأشياء في شيء واحد، تجدهُ ما أن تفتح باب هذه الزاوية”.
عندما فتحت عيني كان ابني الصغير زكرياء يوقظني في ثلث الليل الأخير طالبا شربة ماء ..
توضأت وجلست مع الله..