“كلَّا! والله ما يخزيك الله أبدًا، إنَّكَ لتُؤَدِي الأمانَةَ، وتصل الرحم، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق”.
بهذه الكلمات الحانيات البانيات، ثبتت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها رسول الله عليه الصلاة والسلام حين خشي على نفسه بعد أول لقاء بالملَك جبريل عليه السلام. مواساة ممن غمرت قلب رسول الله حبا وسبقت بالإيمان وصدقت وآوت وأسعدت الأسرة الشريفة، فشرّفها الله بالكينونة مع كُمّل النساء.
وبهذه الشهادة العظمى، أخبرت رفيقة العمر المخلصة بجانب من الشمائل المحمدية التي أسَرَ بها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قلوب الناس حتى قبل الرسالة، وكان بها مصدر أمن وأمان لأمته ورحمة للعالمين.
أخلاق فاضلة علا شأنها وغلَت قيمتها لأنها كانت في خدمة عيال الله. جاء في الحديث الشريف: “الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله”. هكذا كان رسول الله عليه الصلاة والسلام قرآنا يمشي بين الناس وإسلاما ينطق بين الخلق. هكذا ينبغي أن يكون من سار على هديه، وهكذا ينبغي أن يُعرف الإسلام.
إن لنا في رسول الله إسوة حسنة بما كان قلبا كبيرا يفيض خيرا على الناس فصار ملاذا وأمانا تتعلق به القلوب: يؤدّي الأمانة؛ أمانة العباد، حيث يرعى عهدهم ويحفظ أماناتهم وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، ويصل الرحم فهو سند لأهله وعماد لأقاربه يَبرُّهم ويحسن إليهم “خيركم خيركم لأهله”، ويصدق الحديث فلا يرى منه كذب ولا غش ولا زور ولا تدليس “إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة”، ويحمل الكَلّ فينهض للعاجز يقضي مسألته ويرحم ذلّته ويسعد قلبه “من يَسّر على معسر يَسّر الله عليه في الدنيا والآخرة”، ويكسب المعدوم فيتبرَّع بالمال قليله وكثيره لمن لا يجده فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ، ويقري الضيف فيكرمه ويخدمه فيبيت آمنًا مشرفا وينصرف معترفا مسرورا “ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه”، ويعين على نوائب الدهر فيسارع إلى إعانة صاحب النائبة أو الكربة أو الفاجعة ليواسيه أو يكفيه أو يأويه أو يداويه أو يحتضنه “من فرَّج عن أخيه المؤمن كُربة من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة”.
ونحن نحتفل بذكرى الربيع النبوي، ما أحوجنا والفتن حولنا كقطع الليل المظلم، ونحن في أيام محنة بعد الزلزال الذي ابتلي به مغربنا الحبيب والطوفان الذي ابتلي به جيراننا وأصاب الناس منهما كرب شديد، أن نستحضر هذه الأخلاق الفاضلة والعبادات الاجتماعية، ونتنافس فيها تقربا إلى الله عز وجل وتأسيا بالحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام.