الذكر وروح الأعمال

Cover Image for الذكر وروح الأعمال
نشر بتاريخ

تقديم

إذا كان غذاء الأبدان الطعام والشراب، فإن غذاء الأرواح والقلوب ذكر الله تعالى بمفهومه الشامل، قال الله عز وجل: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد: 28)، ومثّل الحبيب صلى الله عليه وسلم لهذه الحاجة الملحة بقوله: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ»، وعند مسلم: «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ” 1، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: “لكلِّ شيء جلاء، وإنَّ جلاء القلوب ذِكر الله عزَّ وجل” 2، لذلك كان تعهُّد القلب ومداومة الذكر أساس استقامته، وحصول ثمراته.

وعلى أساس ذلك يكون الذكر شرطا في سلوك مدارج الإحسان، وبرهانا عمليا للتأسي بخير الذاكرين، قال الله عز وجل: لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (الأحزاب: 21)، بل شهادة ربانية على الرفعة والفضل من الله عز وجل الذي قال: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (العنكبوت: 45)؛ أكبر من كل عمل، وأجره فوق كل أجر، وثمرته لا حد لها ولا حصر، خاصة إذا كان مقرونا بالقلب واللسان والجوارح، يترقى به المومن من ذكر باللسان إلى ذكر بالقلب واللسان، ومن الذكر في أوقات معينة إلى الاستغراق ثم الاستهتار، باستحضار نية طلب وجه الله والجهاد لتحقيق موعوده في الأرض، وبدونه قد لا يدرك أو يتذوق المرء روح الأعمال وثمرتها التي أدركها الصحابة الكرام وفق المنهاج النبوي، فبم أبدأ ذاكرا؟ وكيف أتدرج صعدا؟ وما المحاذير التي ينبغي لي تجنبها عند الذكر وتلقينه حتى يكون سلوكي؛ بصحبة الذاكرين؛ جهادا وبناء وتنمية للصفات الروحية والأخلاقية فردا وجماعة؟ بل كيف يكون الذكر الكثير وسيلة لتلمس هذه الروح التي هي جوهر الأعمال؛ كل الأعمال؟ وكيف أصطحب هذه الروح والنية الحسنة المتعددة والعظيمة كلما كان الاستغراق في الذكر متاحا؟

الذكر لغة واصطلاحا

الذكر لغة مصدر ذكر الشيء يذكره ذِكْرا، وذُكْرا، وهو “اسم مشترك، فالذكر بالقلب ضد النسيان، قال تعالى حكاية عن فتى موسى: وَمَا أَنْسَانِيه إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الكهف: 63]. والذكر باللسان ضد الإنصات، والذكر الشرف، وقال الكسائي: ما كان بالقلب فهو مضموم الذال، وقال غيره: هو لغتان: ذِكر وذُكر، ومعناهما واحد.” والذكر باللسان ضد الإنصات، ذاله مكسورة، ومن الذكر بالقلب واللسان معا قوله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة: 200]” 3.

أما في الاصطلاح، فيستعمل الذكر بمعنى ذكر العبد لربه عز وجل، سواء بالإخبار المجرد عن ذاته، أو صفاته، أو أفعاله، أو أحكامه، أو بتلاوة كتابه، أو بمسألته ودعائه، أو بإنشاء الثناء عليه بتقديسه، وتمجيده وتوحيده وحمده وشكره، وتعظيمه، ويستعمل الذكر اصطلاحا بمعنى أخص من ذلك، فيكون بمعنى إنشاء الثناء بما تقدم، قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت: 45]، وهذا الاستعمال الأخص هو الأكثر عند الفقهاء.

الذكر جوهر الإيمان وأحد أعمدته الأساسية

ويطلِق الذكر على القرآن العظيم نفسه، “وقد سمي بالذكر في آيات كثيرة لأنه يتضمن تذكير الناس بما هم في غفلة عنه من دلائل التوحيد وما يتفرع عنها من حسن السلوك، ثم تذكيرهم بما تضمنه من التكاليف” 4، ويطلق على كتب الأنبياء المتقدمين، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً [الطلاق: 10-11]. فقد قيل: إن الذكر هنا وصف للرسول صلى الله عليه وسلم كما أن الكلمة وصف لعيسى عليه السلام، والذكر بمعنى الصِّيت في الخير والشر، وبمعنى الشرف، من حيث إن صاحبهما يُذكَرُ بهما. وقد فُسِّر بهما: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الانبياء: 10]، “فنُكِّر الكتاب لتعظيمه أي: أنزلنا إليكم كتاباً عظيماً فيه ذكركم، أي: فيه شرفكم، فتتشرفون بهذا الكتاب الذي هو بلسان عربي مبين… وهنا الذكر بمعنى الشرف، أي: أنزلنا عليكم كتاباً باللغة العربية ليكون شرفاً لكم على غيركم من الأمم، فمن المفترض أنه إن جاءنا كتاب يشرفنا بلغتنا أن نفرح بهذا الكتاب، ونفرح بهذه المنزلة التي أنزلنا الله عز وجل إياها، ولكنهم غاروا على النبي صلى الله عليه وسلم وحسدوه” 5.

ويأتي الذكر بمعنى الاتعاظ وما يَحصل به الوعظ، ويأتي كذلك بمعنى ذكر الله تعالى والثناء عليه؛ وبمعنى النطق باسم الشيء؛ واستحضار الشيء في القلب؛ والشُّهْرَة والصيت والشرف، ولقد أمر الله تعالى بذكره عقب الصلاة، وعقب أداء فريضة الحج، وكذلك عند فريضة الصيام، بل أمرنا بالإكثار من ذكره في كل وقت وحين، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (الأحزاب: 41)، ووعد المكثرين من ذكره والمجتمعين على ذلك بالمغفرة والأجر العظيم والرفعة، ففي رواية لأبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده” 6.

وعلى أساس ذلك اعتبر الإمام ياسين رحمه الله الذكر منبعا من منابع الإيمان وأحد أعمدته الأساسية، ومن أعظم الوسائل لتجديد الإيمان، لأنه يبلى كما يبلى الثوب، وفي الحديث: “جددوا إيمانكم!” قيل: كيف نجدد إيماننا يا رسول الله؟ قال: “أكثروا من قول لا إله إلا الله” 7، وقال ﷺ: “إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم” 8، وهذا ما فطن له الصحابة رضي الله عنهم، حيث كانوا  يجلسون لذكر الله​ ويتدارسون كتاب الله، وهو ما يبرز قيمة الذكر وحلق الذكر في تثبيت الإيمان في نفوسهم، يروي الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا”، قيل: وما رياض الجنة؟ قال: “حلق الذكر”، ولمكانة هذه الحلق شدد الإمام على جعلها ركنًا روحيًا نيّرًا، يتنفس فيه الصالحون رحمة الله، ويتقوّى فيها الذاكرون​ بحسن ظنهم بالله، وفي ذلك يقول: “إن المجالس التي نريد أن نحييها هي تلك المجالس التي تشحن القلوب وتشحذ الإرادات وتسمو لمعرفة الله تعالى، ونتعلم فيها العلم النافع المنشئ للعمل الصالح، ومجالس نتعلم فيها كيف ننهض بأمتنا نحو الكرامة والشهود الحضاري وقيادة العالم نحو السلم والسكينة والسعادة والتعاون على الخير” 9.

وهي المجالس نفسها التي كان الصحابة رضي الله عنهم يسمونها “مجالس الإيمان. حيث تنظم حول القرآن وتلاوته وفهمه وتدبره وترتيله، وتعلم الدين” 10. وهي المجالس التي يحرص الصالحون على شهودها لأنها تربي على التقدم صفا واحدا منضبطين صابرين، وقد تحلى كل منهم بخصلة التؤدة.

روح الأعمال وثمار الذكر

قال الإمام ياسين رحمه الله: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله عز وجل على كل أحيانه كما روى مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها. وبذلك أُمِرَ في قوله تعالى يخاطبه: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (سورة الكهف، الآية: 28). وقوله: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (سورة الأعراف، الآية: 205).

وجاء القرآن بتحريض الرجال حقِّ الرجال على الذكر في أطراف الليل والنهار في قوله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ (سورة النور، الآيتان: 36-37)، كلمة “سَبَّحَ” ذاتُ دلالة عامة تشمل كل العبادات من قول وفعل ونية كما قال الراغب الأصفهاني رحمه الله. واستغراق الوقت كله بالذكر والتسبيح درجة عليا نَدَبَ الله إليها رسله وسائر عباده المؤمنين. استغراق الوقت كله في الذكر والتسبيح علامة على إقبال العبد على ربه إقبالا كليا” 11.

لكن الإمام وهو المصحوب المجرب لم تفته فرصة تنبيه المنتشي بكثرة ذكره فقال: “ذكر الله باللسان والقلب والاستغراق والاستهتار والمحافظة على الأوراد آناء الليل وأطراف النهار بناء على غير أساس إن لم يَصن ذلك الذكر الكثير؛ ذكرُ الله عند الأمر والنهي، ذكرُهُ عند حق كل ذي حق، ذكره في الدرهم والدينار، ذكره في الأمة التي تنتظر مجاهدين لإقامة دين الله في الأرض” 12.

وعندها فقط نتحدث عن الثمار، ثمار الذكر باعتباره يطرد الشيطان، ويرضي الرحمن، ويزيل الهم والغم عن القلب، ويجلب الرزق، ويكسو الذاكر المهابة والنصرة، ويورث المحبة، التي هي روح الإسلام، وقطب رحى الدين، ومدار السعادة، ومنها كذلك إكرام الله عز وجل الذاكر في الدنيا بمجالسته وبتحققه بالطمأنينة القلبية والسعادة الأبدية، ثم يكرمه في الآخرة بظل ينجيه مما يعانيه الغافل عن الله في الدنيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده” رواه مسلم.

ومن ذلك الحماية من الهلاك والحصانة من المكروه والحصول على المرغوب، والحفظ والعناية والمعية الخاصة للذاكرين والداعين، والحصول على البركات والخيرات، وحصول الأمن والاستقرار، وتحقق النصر والظفر على الأعداء، وثبات القلب وقوة البدن، ورفعة الدرجات في الآخرة، والطمأنينة وراحة البال لاستشعار الذاكر والداعي أن الله معه، ومن كان الله معه، فلا غالب له.

الذكر وأثره في بناء الجماعة

قال الإمام رحمه الله: “وكانت حِلقُ الذكر على عهد رسول الله ﷺ سنة ثابتة ثبوت كتائب الجهاد، مقدسة قدسيَّتَها. فلما انفرط عقد الأمة، واختصم السلطان والقرآن، وأخذت عرى الإسلام تنتقض عُروةً عروةً غشي حلق الذكر بعضُ الخمول، لكنها بقيت على العموم رُكنا نيِّراً عاش فيه الصالحون يناجون ربهم ويستروحون الرحمة الموعودة للذاكرين في الحِلق. وتبقى حلق الذكر دائرة نورانية عزيزة من دوائر السنة المحمدية على جند الله أن يعطوها حقها” 13.

وحقها أي حلق الذكر: أن تصبح مجالسنا ولقاءاتنا كلها مجالس ذكر، وأن نحيي مجالس الشروق، ونحفز المومنين على رباطات الذكر بين العشاءين… وبذلك يكون الذكر منهج حياة يؤدي إلى الإحسان في العبادة، في المعاملات، في العمل والإنتاج، في الأخلاق والسلوك، فيتحقق بناء الأمة المتماسكة، وتنتشر روح المحبة والأخوة بين الناس، وينحسر الظلم والفساد، ويسود العدل والإحسان، لأن القلوب الموصولة بالله لا تؤذي أحدا. يقول الإمام رحمه الله: “الذكر ليس فقط مناجاة في الضمائر، وكلمات على اللسان، وشعائر ظاهرة يعظمها المؤمن. بل الذكر الوقوف بين يدي الله صفا في الصلاة، يتقدم إليه جند الله لأداء مراسيم العبودية، ثم إشاعة حاكمية الله في علاقات جند الله مع الله، وفي علاقاتهم استعدادا لتطبيق شريعته يوم يؤول الحكم إلى المؤمنين، في كل مجالات الحكم، والسياسة، والاقتصاد، وشكل المجتمع، والعدل فيه، والثقافة، والجهاد كله” 14.

وبالذكر يكون ولاء جند الله تعالى لله سبحانه، حين يطلبون وجهه، ويتبعون سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، ويتخذون كتاب الله دستورا متبعا، ويجاهدون في سبيل إعلاء كلمة الحق. ويستعدون لبذل حياتهم في سبيل الله تعالى دليل صدق إيمانهم، وهذا الولاء لله تعالى يخالف ويناقض كل ولاء عرقي أو قومي متعصب ومفرق، مشتت لجهود المومنين، أو يزرع الخلافات بينهم.

ويجمل الإمام هذه الثمرات بقوله: “آثار ذكر الله فيك إحياء قلبك. وآثاره في مجتمع الغفلة والفتنة أن يسري شفاء ذكر الله في الجسم المريض. تذكر الله في ملأ عندما تؤذن للصلاة، وعندما ترفع شعار التوحيد بين المتنكرين لدينهم، وعندما تدعو هذا وذاك وهذه الجماعة وتلك إلى الله. تحاضر، وتحاج، وتخاصم في الله. كله ذكر.

والورد المواظب عليه بآداب الذكر، ومنها الطهارة واستقبال القبلة والحضور القلبي، منه تأتي القوة التي تحملك إلى محافل الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله” 15.

البعد الجماعي للذكر نية

يتجلى البعد الجماعي للذكر في كونه عبادة قلبية تجمع القلوب وتوحّد الأرواح، إذا جدد الذاكرون النية في السعي نحو القرب من الله. وعند الاجتماع للذكر، عبر التالي:

1.     بنية الصحبة الموصولة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2.     بنية التبؤس والمسكنة والافتقار والانطراح بين يدي الله.

3.     بنية تقاسم آثار الذكر ونوره ليشمل عامة الأمة.

4.     بنية المساهمة في بناء مشروع الخلافة على منهاج النبوة.

5.     بنية التقرب إلى الله، إخلاصا وصوابا.

6.     بنية إحياء سنة النبي  ﷺ: حلق الذكر التي أثنى عليها النبي  ﷺ.

7.     بنية التواصي بالحق والصبر والتعاون على البر وتقوية الروابط بين المؤمنين وحثّهم على الخير.

8.     بنية تحصيل بركة الاجتماع: فالملائكة تحفّ مجالس الذكر، كما ورد في الحديث الصحيح.

9.     بنية التطهير الروحي ومجاهدة النفس: فالذكر الجماعي يساعد في تليين القلوب وزيادة الإيمان.

10. ……

خاتمة

يظهر أن خصلة الذكر ليست مجرد عبادة، بل وسيلة إيمانية متكاملة لتجديد الإيمان والدين وتثبيتهما وإحياء الأمة، وتقوية الرابطة بالله وبالذاكرين، فالذاكرون هم الذين يستحقون القرب من الله، وحلق الذكر هي رياض الجنة التي يجد فيها المؤمنون الطمأنينة واليقين. لذلك أيها الكرام، علينا ألا نغفل عن ذكر ربنا؛ فدوام الذكر، وتغلغله في القلب عن طريق الأوراد اللسانية التفكرية طريق الولاية مع الصحبة، والذكر عبادة يسيرة على كل من يستطيع تحريك لسانه، يستطيعها الغني والفقير والمريض؛ فهي لا تحتاج إلى درهم أو دينار، ولا تحتاج إلى تفرغ، أو وقت خاص لها، وإن كان التفرغ لها أفضل وأعظم، بل  أدعى للتفكر في مقاصدها وروحها، ومع ذلك يمكنك ذكره سبحانه قائمًا وقاعدًا وعلى جنب، وأثناء القيام بوظيفتك أو عملك، وأثناء تجوالك، وفي سيارتك، وفي كل أحوالك، قال سبحانه:  إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (آل عمران: 190، 191). والله أعلم.


[1] https://hadeethenc.com/ar/browse/hadith/4177
[2] محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، الوابل الصيب من الكلم الطيب، تحقيق: سيد إبراهيم، دار الحديث- القاهرة، الطبعة: الثالثة، 1999 م، ص: 40.
[3] https://www.altafsir.com/Tafasir.asp تفسير النكت والعيون، الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق، البهوتي – منصور بن يونس البهوتي، فروع الفقه الحنبلي، كشاف القناع عن متن الإقناع، دار الفكر 1402هـ/1982م، د.ط، ج: 1، ص: 91/92، بتصرف.
[4] https://www.greattafsirs.com/Tafsir_Library.aspx التحرير والتنوير ابن عاشور.
[5] تفسير الشيخ أحمد حطيبة، دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net، ج: 2، ص: 8.
[6] أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر برقم (2699).
[7] ​أخرجه الإمام أحمد في المسند – تتمة مسند أبي هريرة رضي الله عنه- (3/ 345) رقم: (8695) قال الهيثمي في المجمع – كتاب الأذكار، باب ما جاء في فضل لا إله إلا الله- (10/ 64): رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات.
[8] علي بن أبي بكر الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، مؤسسة المعارف – بيروت الطبعة: بدون/1406هـ، ج: 1، ص: 57: ح ر: 13380. الراوي: عبدالله بن عمرو، إسناده حسن .
[9] ياسين عبد السلام، تعال نؤمن بربنا ساعة.. مع الأستاذ المصطفى حمور  https://www.aljamaa.net/posts
[10] ياسين عبد السلام، رسالة الإسلام أو الطوفان، الطبعة: 2، عام 2000، ص: 136.
[11] ياسين عبد السلام، الإحسان: 1، الأوراد وخصائص الأذكار، ص: 251.
[12] الأوراد وخصائص الأذكار.
[13] الإمام، الإحسان، ج 1، ص: 239-241.
[14] المنهاج النبوي، ص: 173.
[15] المنهاج النبوي، ص 182.