الذكاء الاصطناعي وأثره على سوق الشغل بالمغرب: التحديات والفرص المتاحة

Cover Image for  الذكاء الاصطناعي وأثره على سوق الشغل بالمغرب: التحديات والفرص المتاحة
نشر بتاريخ

 يحل العيد الأممي للعمال بالمغرب هذه السنة 2025 وسوق الشغل يعاني أزمات هيكلية متفاقمة بسبب عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية، أهم نتائجها ارتفاع معدل البطالة التي وصلت نسبة قياسية بحوالي 37,7%  في صفوف الشباب بين 15 و 24 سنة، وتراجع القطاع الفلاحي الذي فقد 150 ألف منصب شغل خلال ثلاثة سنوات بفعل الجفاف وضعف الاستثمار، وهيمنة القطاع غير المهيكل بنسبة 37% من إجمالي الوظائف.

وبخصوص الذكاء الاصطناعي فقد احتل المغرب الرتبة 79 من أصل 83 دولة بحسب المؤشر العالمي المعتمد من منظمة الأمم المتحدة، ممثلة بالهيئة الاستشارية للذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك يتصاعد تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق الشغل بالمغرب، وينذر بتغييرات جذرية بإزاحة وظائف وإحداث أخرى.

ترى ما هي أهم التحديات والفرص المتاحة بالمغرب؟ وماذا يتطلب الوضع من مهارات لازمة للتكيف مع التحولات المصاحبة لسيادة الذكاء الاصطناعي؟

1-    تحديات تبني الذكاء الاصطناعي

يواجه المغرب عدة تحديات رئيسية في تبني وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي يمكن تصنيفها إلى تحديات قانونية وتقنية واجتماعية واقتصادية.

  • التحديات القانونية والتنظيمية:

أ- غياب إطار قانوني متكامل: لا يوجد تشريع خاص بالذكاء الاصطناعي في المغرب، رغم وجود قوانين جزئية مثل قانون حماية البيانات الشخصية (09-08) وقانون الأمن السيبراني (05-20)، إلا أنها غير كافية لتنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي، خاصة في مجالات الأخلاقيات والمسؤولية القانونية للقرارات الآلية. 

  ب- الفراغ التشريعي: يعيق مواكبة التطورات السريعة في هذا المجال، مثل استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي (مثل ChatGPT) في القطاع العام أو الخاص، حيث لم يرد اسم المغرب ضمن قائمة الدول التي سنت قوانين مخصصة أو شاملة للذكاء الاصطناعي.

ج- ضعف “حوكمة البيانات”: يتجلى في محدودية إتاحة البيانات العامة رغم وجود قانون الحق في الوصول إلى المعلومات (31-13)، مما يعيق تدريب النماذج المحلية باستثمار المعطيات، وغياب معايير موحدة لجمع وتبادل البيانات بين الوزارات والمؤسسات. 

  • التحديات التقنية والبنية التحتية: 

أ- نقص الكفاءات المحلية: يعاني المغرب من عجز في المهارات الرقمية المتقدمة، خاصة في مجالات التعلم الآلي وتحليل البيانات، بسبب هجرة الكفاءات وضعف البرامج التعليمية المتخصصة. 

 ب- ندرة المكونين المؤهلين في الجامعات، مما يؤخر إعداد جيل جديد من الخبراء.

ج- ضعف البنية التحتية الرقمية: ذلك أن أنظمة المعلومات الحكومية قديمة وغير متكاملة، مما يصعب تطبيق حلول الذكاء الاصطناعي في الإدارة العمومية، والاستثمارات في البحث والتطوير محدودة مقارنة بدول مثل تونس أو مصر. 

  • تحديات اقتصادية وتمويلية:

أ- صعوبة تمويل الشركات الناشئة: تعاني الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي من نقص الدعم المالي، بسبب عدم ملاءمة شروط المنح الحكومية (مثل اشتراط ميثاق الاستثمار الجديد إحداث 50 منصب شغل قار للاستفادة من الدعم) لطبيعة هذه المشاريع التي تركز على البحث والتطوير، وغياب حوافز ضريبية أو صناديق استثمارية مخصصة للابتكار التكنولوجي. 

ب- التكلفة العالية للتكنولوجيا: تحتاج البنوك والمؤسسات إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية والتدريب، مما يشكل عبئًا على المؤسسات الصغيرة، وبالنظر لمناخ أعمال البنوك في المغرب وتخوفها من تمويل قطاع ناشئ وتفضيلها لقطاعات مضمونة الأرباح، فإن شركات الذكاء الاصطناعي بالمغرب تبقى مشلولة وغير قادرة على رفع التحدي.

  • التحديات الاجتماعية والأخلاقية:

وتتمثل في انعدام الوعي المجتمعي بالذكاء الاصطناعي، ذلك أنه حسب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي فإن 33% فقط من المغاربة على دراية بالذكاء الاصطناعي، و25% استخدموا أدواته، مما يعكس فجوة معرفية، ثم مقاومة التغيير داخل المؤسسات الحكومية، حيث يرى بعض الموظفين الذكاء الاصطناعي كتهديد لوظائفهم، والتخوف من “التحيز الخوارزمي” في التوظيف أو الخدمات العامة، والتوجس من انتهاك الخصوصية عند استخدام البيانات الحساسة (مثل الصحة أو القروض).

مع كل التحديات الآنفة الذكر وغيرها، ليس الذكاء الاصطناعي ترفًا تقنيًا، بل ضرورة استراتيجية للمغرب لضمان مكانته في الاقتصاد الرقمي العالمي، بحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في الموضوع.

2-    الفرص المتاحة للذكاء الاصطناعي بالمغرب: رؤية استراتيجية

يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة تحويلية للمغرب لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في القطاعات الحيوية. بناءً على أحدث التقارير والمبادرات، فيما يلي أبرز الفرص المتاحة:

أ- ثورة في قطاع الصحة: من خلال تحسين دقة التشخيص الطبي عبر تحليل الصور الشعاعية والبيانات الصحية، حيث يُتوقع أن يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة إيجابية بنسبة 84.8% (بحسب استطلاع رأي موسع للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي)، وتطوير أنظمة مراقبة وبائية ذكية، خاصة في المناطق النائية. 

ب- تطوير الفلاحة: وذلك بتحسين إدارة المحاصيل عبر تحليل البيانات المناخية والتربة، مما يعزز الأمن الغذائي ويحسن أنظمة الزراعة الذكية، والاستخدام الذكي للطائرات المسيرة (Drones) لمراقبة الحقول وتقليل هدر المياه. 

ج- النهوض بالتعليم: من خلال توفير منصات تعليمية ذكية وشخصية تراعي خصوصيات المتعلمين والفروقات على مستويات الاستيعاب والذكاء والقدرة على التحليل، وإدماج الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية لإعداد جيل قادر على التعامل مع التكنولوجيا. 

ح- تحفيز الابتكار وريادة الأعمال، وذلك بدعم الشركات الناشئة لإنشاء وحدات متخصصة في تحليل البيانات والأمن السيبراني، و السعي لجلب استثمارات أجنبية لتسريع التحول الرقمي والحرص على توطين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. 

3-    المهارات اللازمة للتكيف مع التحولات المصاحبة لسيادة الذكاء الاصطناعي

  • مهارات تقنية: 

  – برمجة وتطوير الذكاء الاصطناعي (مثل Python، Java، تعلم الآلة). 

  – تحليل البيانات (استخراج الرؤى من البيانات الضخمة). 

  – الأمن السيبراني لحماية الأنظمة الذكية. 

  • مهارات ناعمة: 

  – الإبداع والتفكير النقدي (لحل المشكلات المعقدة التي لا تستطيع الآلات معالجتها). 

  – التواصل والعمل الجماعي (للتعاون في فرق متعددة التخصصات). 

  – التكيف والتعلم المستمر (لمواكبة التطورات السريعة). 

  • مهارات هجينة: 

  – فهم أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لتجنب التحيز الخوارزمي. 

  – إدارة التفاعل بين الإنسان والآلة (مثل مدربي الذكاء الاصطناعي). 

4- وختاما

العالم يشهد تحولات جذرية كبرى بفعل ما يصطلح عليه “الثورة الرقمية”، يتصدرها الذكاء الاصطناعي الذي يعد أهم ركائز تحقيق التنمية المستدامة.

والذكاء الاصطناعي أصبح واقعًا يغير شكل سوق العمل ويؤثر في مسارات التنمية وتقدم الشعوب. ونجاحه يتطلب استثمارات مستمرة في التعليم وإعادة التدريب وسياسات تضمن عدالة التوزيع للفوائد الاقتصادية ويمكن أن يكون أداة لتعزيز العدالة الاجتماعية إذا تمت إدارته بمسؤولية.

ويبقى السؤال: كيف السبيل لتوطين تكنلوجيا رقمية في بيئة غير ديمقراطية ولا تعترف بالكفاءات واقتصاد هش مبني في مجمله على الريع وتنعدم فيه شروط التنافسية والنزاهة؟

 

.