في حوار خاص بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الإمام المجدد عبد السلام ياسين، تحدث الدكتور علي تيزنت، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، عن الأبعاد الروحية والتنظيمية لهذه الذكرى، وأكد أن “الوفاء” يظل عنوانا لصدقية المواقف وبوصلة لقضايا الأمة.
بين الوفاء للإمام وقضية فلسطين
استهل منسق لجنة تخليد الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، حديثه لبوابة العدل والإحسان بالدعاء للإمام الراحل، مشيراً إلى أن الجماعة حظيت منذ نشأتها بـ”نعمة التوفيق وبركة التأييد وروح التجديد”، وهو ما يتجلى في كل مناسبة. وفي سياق الذكرى الثالثة عشرة، أوضح أن لجنة الإعداد ارتأت أن “تصطبغ هذه الذكرى بميسم الوفاء لأرواح شهداء الأمة الأبرار والاحتفاء ببطولات المقاومين الأطهار”. وأكد تيزنت أن أصداء الذكرى يجب أن تُرجِّع “أصواتَ التعبير الصادق لقضية الأمة الأولى وبوصلة الضمير العالمي وامتحان القيم الإنسانية، قضية فلسطين”. وشدد على أن الانشغال بهذه القضية هو “تهمم عميق بأحوال أطفال نُزعت البسمة من وجوههم، ونساء تفطرت أكبادهن من هول الفقد والتشريد، وشيوخ أنهكهم النزوح ونهشهم المرض، ولشعب نزلت به شتى الفواجع والنائبات، واستفردت به أخس الكيانات وأبشع المخلوقات وتكالبت عليه كل المكائد والمؤامرات ووظفت من أجل إبادته وتصفيته أعتى وسائل الفتك والإبادة والتدمير”.
ورغم الحضور الدائم للقضية الفلسطينية في أنشطة الجماعة وفي النسخ السابقة، يرى الباحث في علم الاجتماع أن التطورات الجارية “تستدعي مزيدا من الانشغال والإبراز والعناية والاهتمام”، لأن “من مقتضيات الوفاء ومن دواعي النصرة والفداء أن تظل القضية الفلسطينية ومحنة أهل غزة حية فينا محيية لنا، وأن يشكل الانشغال بها والتداعي لها ساحة لقاء جامعة وأرضية بناء مشتركة”.
وفي هذا الإطار، تبرز تيمة الوفاء في الذكرى الثالثة عشرة “لا بوصفها عنوان تضامن عابر، بل باعتبارها قضية ميزان وابتلاء، تُوزن بها صدقية المواقف وتُستحضر من خلالها سنن الله في النصر والتمكين”. ففلسطين، حسب قوله، هي “عنوان تربية واستلهام، ونداء نصرة واستنهاض، وصوت صادع جريح يذكرنا بأمانتنا الشرعية ومسؤوليتنا الأخلاقية وضميرنا الإنساني”.
كما أنها أيضا، يضيف المتحدث، “فعل الله في الكون وسنته الجارية ووعده القائم الذي لا يُنال إلا بشروطه: صبر جميل ويقين أصيل وعمل دؤوب وتربية وتأليف، ومسار واضح وخطة قاصدة لا يستسلم للاستعجال ولا لليأس، كما أقر ذلك الإمام رحمه في مكتوباته وكلماته وفي حاله ومقاله”.
من وجوه التجديد في الذكرى
ومن وجوه التجديد في هذه الذكرى، إبراز البعد الأدبي والشعري في شخصية الإمام من خلال “ليلة الوفاء” التي جُعل محورها “الإمام شاعراً”، وهو إبراز “يعيد الاعتبار للكلمة الذاكرة بوصفها لبنةً في التربية، وللشعر باعتباره نفَسَ شوقٍ إلى الله، ولسانَ محبة، وزادًا يرقق القلوب ويشحذ الهمم، حتى يظل المشروع حيًّا يجمع بين الفكرة والروح، والمعنى والجمال”.
وخلص الأستاذ تيزنت إلى أن معاني الذكرى تتكامل بين “تربية إحسانية ترتبط بالأصل، وتؤكد عمق الأساس التربوي “، و”تهمم صادق بأحوال الأمة وفي مقدمتها محنة فلسطين ونداء طوفان الأقصى”، و”عناية بجوانب الإبداع والجمال وتربية الذوق للارتقاء بالإنسان نحو التحفز الكامل لإسماع الفطرة والتحفز الصادق لتنزيل مراد الله”.
وأكد أن المشروع الذي أسسه الإمام ياسين “ما يزال حيّا بفضل الله، ما دامت نعمة التوفيق تحفّ الخطى، وكرامة التسديد تقي العمل من الزلل، وما دامت قضايا الأمة – وفي مقدمتها فلسطين – بوصلة الوفاء، وعنوان الصدق، على طريق العدل والإحسان، حتى يأتي وعد الله الذي لا يُخلف الميعاد”.
من مقاصد الذكرى.. تجديد العهد والجهاد الشامل
وعن المقاصد الجلية التي تسعى ذكرى الوفاء لتحقيقها، أكد عضو مجلس الإرشاد أنها تسعى إلى “تجديد العهد مع الله إنابة صادقة وتوبة جماعية”، مع “الوفاء لروح المشروع الذي أثله الإمام رحمه الله ودعا إليه وجاهد في سبيله ومعه ثلة من إخوانه وأحبابه السابقين الأولين الذين لحقوا به إلى الدار الآخرة”، كما تسعى لتأكيد “عمق الصلة ومتانة الرابطة التي تجمع المؤمنين والمؤمنات عبر الأزمنة والأمكنة والحيثيات، إذ لا تحبس الصلة برازخ الموت كما عبر رحمه الله في وصيته الأخيرة”، ومنها أيضا شحذ الهمم واستنهاض العزائم على السير الحثيث والسلوك الصابر والعمل القاصد؛ سلوك جماعي وسير جهادي متزن وحكيم لإحياء ما اندرس في دين الأمة، وجمع ما تفرّق في واقع المسلمين، واستئناف لمشروع أسس بنيانه على تقوى من الله ونور من الوحي، واقتفاء لمنهاج النبوة.
والقصد كذلك من هذه الذكرى يضيف المتحدث “تعميق الصلة بالإمام المربي صحبةً ومحبةً واقتداءً، صحبةً معنوية لا يحدُّها الغياب ولا يقطعها الزمن، بل تتجدد بالعمل والاجتهاد وحمل الأمانة”. صحبةٌ تُحيي السلوك الإحساني، وتشدّ القلوب إلى الله، وتحوّل الدعوة من خطابٍ مُجَرَّد إلى قيام لله وشهادة بين الناس بالقسط، كما أمر المولى عز وجل إذ قال: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط.
وأضاف موضحا أن الذكرى كذلك تتجه إلى توسيع أفق التعاون على البر والتقوى وأرضية العمل المشترك، عبر “مدّ جسور التواصل والتعاون” مع مختلف الفاعلين وذوي المروءات وحَمَلة همّ الإصلاح داخل الوطن وخارجه، انفتاحا بالحكمة، وتعاونا على البر، وتكريسا لوظيفة الدعوة في البلاغ الرحيم والبناء الجماعي والجبهات الموحدة والمشترك الإنساني.
كما تروم هذه المحطة، يقول الأستاذ تيزنت “بعث معاني الجهاد الشامل في النفوس” بما هو جهاد التزكية، وجهاد الصبر، وجهاد الكلمة والموقف، وجهاد البناء المتراكم، وشحذ الهمم لإحياء الإرادة الفاعلة في زمن الوهن، حتى لا تستسلم القلوب لليأس ولا تنكسر أمام الابتلاء.
ذكريات الوفاء محطات ثابتة للذكر والثبات على العهد
وفي ختام الحوار، أكد منسق لجنة تخليد الذكرى أن ذكريات الوفاء “لم تكن يوما مناسبات سنوية تتكرر ولا احتفالات طقوسية تعبر”، بل ستظل بفضل الله وتوفيقه “مواسم ثابتة للذكر والتذكر والتذكير ومواعيد راسخة لإعلان قيم الوفاء للود ومعاني الثبات على العهد”.
واعتبر أنها “محطات حاسمة يتجدد فيها العزم على حمل الأمانة، والمضي بدعوة العدل والإحسان في الأنفس وفي الآفاق رحمة وحكمة، صبرا وبصيرة، صدقا ويقينا، رجاء في الله واعتمادا عليه وثقة في وعده”. وختم حديثه بالاستشهاد بقوله تعالى إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا، ووَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا.