الدكتورة البوسعداني تبسط موقف “العدل والإحسان” من النقاش الدائر حول تعديل مدونة الأسرة

Cover Image for الدكتورة البوسعداني تبسط موقف “العدل والإحسان” من النقاش الدائر حول تعديل مدونة الأسرة
نشر بتاريخ

 استضاف برنامج “ضيف الشاهد”، الذي تبثه قناة “الشاهد” الإلكترونية، الدكتورة أمينة البوسعداني؛ عضو المكتب الوطني للقطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان وعضو الأمانة العامة لدائرتها السياسية، لمناقشة موقف الجماعة من النقاش الدائر حول تعديل مدونة الأسرة.

افتتح الإعلامي محمد الإبراهيمي الجلسة بسؤال حول سياق النقاش الحالي حول المدونة، حيث أشارت البوسعداني أن “مطلب تعديل المدونة مطلب قديم جديد، واكب تاريخ المغرب منذ الاستقلال، فكانت المطالبة بتغيير المدونة سواء في صيغتها القديمة “مدونة الأحوال الشخصية” أو في الصيغة الجديدة، والنقاش الحالي بدأ فترة قليلة بعد تنزيل مدونة 2004، حيث بدأ التشكيك في قدرة هذه التعديلات التي أدخلت على حل الإشكالات التي رصدت لأجلها، وتم التنبه كذلك أنها كانت سببا في ظهور إشكالات جديدة”، هذا النقاش “كانت تزيد حدته وتتناقص حسب السياقات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والدولية، وزادت حدته مع اعتماد دستور 2011، الذي نص على اعتماد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الفصل 19 وطالب بالوصول إلى المناصفة في جميع المجالات بين الرجال والنساء، وخطاب العرش ليوليوز 2022 أعطى الضوء الأخضر لإدخال تعديلات جديدة على نص المدونة الحالي، لكنها تعديلات مسقَّفة ومؤطَّرة، فزادت وتيرة النقاشات وكثافتها”.

هذا بالنسبة للسياق الوطني، أما على مستوى السياق الدولي، تقول أستاذة التعليم العالي، فهو أيضا كان “ضاغطا في اتجاه ملاءمة التشريعات الوطنية مع مقتضيات المواثيق والاتفاقيات الدولية فيما بات يعرف بـ”بيكين +25″، ففي تقرير يوليوز 2022، تقدمت لجنة وضع المرأة الأممية بتقريرها الدولي تطالب فيه المغرب بإحداث استعراض تشريع شامل قصد الوصول إلى ترسانة قانونية خالية من جميع أشكال التمييز ضد المرأة ويكرس لمبدأ المساواة”.

في السؤال الثاني كشفت الفاعلة النسائية أن القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان سيرا على نهج الجماعة ما فتئ يدعو إلى الحوار مع كل المكونات الوطنية، وبناء عليه “لا يمكن إلا أن نرحب ونثمن هذا النقاش الجاري، ما دام نقاشا هادئا موضوعيا غير انتقائي وغير إقصائي، فيما يتعلق بموضوع المدونة أو بكل قضايا المجتمع العادلة، لكن هذا الموضوع يمتلك خصوصية بحيث يجب أن يؤطر بهوية الأسرة المغربية المسلمة التي ستخضع له، ولابد أيضا أن يستحضر خصوصية المجتمع المغربي الذي تنتمي إليه هذه الأسرة”.

وعن موقف الجماعة من هذا المطلب أوضحت المتحدثة أنها تعتبره “مطلبا مشروعا وعادلا، لأن تغير التشريعات التي تواضع عليها البشر لابد أن يحدث مع تغير الواقع وتطور المجتمع، وتعديل هذه التشريعات لابد أن يكون محكوما برؤية ناظمة ومؤطرة”، وهو موقف -تقول البوسعداني- “ليس جديدا، ففي نقاش 2004 عبرت الجماعة أنها لا تعتبر نص المدونة مقدسا، لأنه يضم اجتهادات بشرية تحتمل الخطأ والصواب، لكن في المقابل، وعندما كان الكل يحتفي بالتعديلات الجديدة تحفظت الجماعة على هذه التعديلات، واعتبرت أنها لن تكون ذات جدوى وفعالية لحل الإشكالات نظرا لغياب مجموعة من الشروط الضامنة لنجاحها، لا من حيث بيئة التنزيل، المحكومة بالفساد والاستبداد، ولا من ناحية غياب الاهتمام بالعنصر البشري موضوع التنزيل، وكذلك غياب تحمل الدولة لمسؤوليتها الكاملة في مواكبة هذه التعديلات”. وأكدت البوسعداني أنه “بعد مرور حوالي 20 سنة تبين أن موقف الجماعة كان صائبا”، متمنية “أن لا نحتاج إلى 20 سنة أخرى كي نثبت صحة الموقف الحالي”.

وذكّرت عضو المكتب الوطني للقطاع النسائي أنهم يشتغلون على “مجالات متعددة بما يتيحه التضييق والحصار المخزني، فنحن نعمل على تحسين وضع النساء المغربيات، والحفاظ على كرامتهن، وضمان الإنصاف وتحقيق الحقوق لهن باعتماد مداخل متعددة؛ من بينها المدخل القانوني، لذلك فتفاعلنا مع هذا النقاش هو تفاعل إيجابي، لأنه يدخل في إطار اهتماماتنا، والكثير منه يتقاطع مع قناعاتنا واختياراتنا وليس من باب ردود الأفعال التي تهدف إلى إثارة أي جهة كانت”. من هذا المنطلق، اعتبرت البوسعداني أن “انخراطنا في هذا الورش انخراط جاد وأساسي لأهمية موضوع المرأة والأسرة في مشروعنا المجتمعي، وهذا الانخراط لم يكن بصفة منفردة ولكن بمقاربة تشاركية مع عدد من مؤسسات الجماعة التي تهتم بهذا الموضوع من قريب بحكم اختصاصاتها، نذكر على سبيل المثال: قطاعي المحامين والعدول، ولجنة الأسرة والطفل، والهيئة العلمية للجماعة. هذا الورش الجماعي توج بيوم دراسي عرضت فيه كل مؤسسة أوراقها التي اشتغلت عليها لأشهر، تم التوافق لله الحمد على العديد من القضايا لكن الاشتغال ما يزال مستمرا في هدوء، لأننا نعتبر أن قضايا الأسرة ليست سهلة على الإطلاق نظرا للمآلات لكل تعديل محتمل على أطراف هذه الأسرة، سواء كان امرأة أو رجلا أو طفلا، فلابد أن يكون الاشتغال بشكل رصين وجاد بعيدا عن الانفعال وردود الأفعال”.

وأنبأت البوسعداني عن مؤطرات النقاش التي تعتبرها الجماعة “ضرورية لكي يكون هادفا ومثمرا كي لا يتم تكرار ما حدث في التعديل السابق”، أهم هذه المنطلقات:

– “أن تخضع التعديلات المقترحة لنقاش مجتمعي بمعنى الكلمة، بحيث يتم إشراك جميع التوجهات المجتمعية، وأن يتم على أعين الشعب وبحضوره، سواء في مرحلة النقاش أو في مرحلة الحسم”، مؤكدة أن نقاش النخبة مهم “لكن عندما يخص النقاش قضايا أحوال شخصية للأفراد فلا بد أن يكون المعنيون حاضرين، من أجل رصد احتياجاتهم ومن أجل أن تكون التعديلات محققة لتطلعاتهم”.

– “نحن نعتبر أن هذه المدونة هي مدونة لكل أسرة، فلا يصح اصطفاف مع النساء ولا يصح اصطفاف ضد النساء، فلابد من استحضار المصالح الكبرى للأسرة، وتحقيق التوازن من خلال إنصاف الأطراف ومن خلال استحضار كذلك المصالح الفضلى للأطفال، ولابد من تحمل الدولة لمسؤوليتها الكاملة في حماية الأسرة ورعاية كل مكوناتها”.

– “نعتبر كذلك أن إنصاف المرأة هو مطلب شرعي، وحماية الأسرة كذلك مهم لكنه لا ينبغي أن يأتي عن طريق ظلم النساء”.

– “نعتبر أيضا أن الأسرة حاليا تتعرض لقصف شديد على جميع المستويات؛ الغلاء، الإكراهات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لذلك فحمايتها لابد منها، ومن بين المداخل نؤكد على المدخل القانوني”.

– “نعتبر كذلك أنه لابد من السعي إلى الحصول على مدونة وطنية تستحضر اجتهادات فقهية متنوعة، ولا ترتهن بالمقابل لأجندات دولية، وهنا أشير إلى نقطة مهمة جدا وهي أنه لابد من بلورة اجتهادات فقهية تبرز أن الفقه الإسلامي له قدرة متجددة على الاستجابة لأسئلة العصر ويساهم في الخروج من هذه الأزمة”.

وفيما يخص نظرة القطاع النسائي للمواثيق الدولية في هذا الباب، قالت البوسعداني إن ما تتضمنه هذه المواثيق “من قيم تحفظ إنسانية الإنسان وتدعو للحفاظ على كرامته وحقوقه فلا يمكن إلا أن نكون معها، لكن أي دعوة تشوه إنسانية الإنسان وتمسخها وتمسخ الفطرة التي خلق الله عز وجل عليها الإنسان فلا يمكن إلا أن نتحفظ عليها، وطبعا؛ بين الكونية والخصوصية منح الدول التحفظ على هذه المواثيق الدولية هو دليل على الاعتراف بخصوصية الشعوب”.

وفي الملاءمة مع دستور 2011 خصوصا البند 19 بينت البوسعداني أن “التعديلات المقترحة من مكونات الحركة النسائية تطرح ضرورة ملاءمة مدونة الأسرة مع الوثيقة الدستورية خصوصا في النص 19 الذي ينص على أن “الرجل والمرأة يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في الباب وفي مقتضيات أخرى وفي الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب” لكنه فصل مؤطر لأنه في آخره يضيف: “وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها” وأعتقد أن الدين الإسلامي من أهم ثوابت المغرب”.

ومما ينبغي أن تستحضره التعديلات، حسب البوسعداني، “التغييرات التي حدثت في بنية الأسرة المغربية والمجتمع المغربي، والأدوار التي أصبحت المرأة تلعبها فيهما، لكن هذه التعديلات سواء ببعدها النصي أو بعدها الإجرائي لا يمكن بالتأكيد أن تحل المشكلات وتحقق الغاية التي هي تماسك الأسرة واستقرارها وضمان حقوق جميع أطرافها، فلا بد من إدخال إصلاحات على منظومة العدالة ككل وبيئتها، نذكر على سبيل المثال: توفير الموارد الضرورية، تأهيل وتحفيز العنصر البشري، تأسيس وتفعيل المؤسسات والفعاليات المواكبة للتنزيل، وتحمل الدولة للمسؤولية الكاملة في مواكبة هذه التعديلات”.

وشددت الفاعلة المجتمعية أن “شروط إنزال أي إصلاح مهما كان راقيا ومهما كان جديا غير متوفرة في المغرب، كما كان في الأمس، بل إن الأمر حاليا ازداد سوءا. ثم إن محاولة تطويع المجتمع بالإكراه القانوني يولد حالة من العصيان الصامت، ومحاولة الالتفاف والتحايل على النص القانوني، مما يولد إشكالات هي أكثر خطورة وعمقا”. معتبرة أن “المدخل التربوية هو مدخل حاسم، لأنه يعمل على تغيير العقليات المتلقية للنص القانوني، وعلى تنشئة ذهنيات وذمم نزيهة تحكم وتطبق القانون، وهذا يسائل جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية بما فيها المدرسة والأسرة والمسجد والإعلام والمجتمع المدني..”.

وحول التعديلات التي تخلق الجدل؛ التعدد وزواج القاصرات والإرث، أوضحت البوسعداني أنه تبعا للسياق الوطني والدولي فإن هناك “تداخلات كثيرة فيما بينهما”، لذلك فإن “التعديلات عندما تكون مؤطرة وتكون منبثقة من الشعب فهذا الذي يعطينا الطمأنينة، فلا بد أن يكون هناك نقاش صحي وهادئ ومبني على أسس متينة لكي يصل إلى نتائج مطمئنة، لكن ما يتم حاليا من نقاش وانتظار التحكيم فهذا ما لا نقبله، لأن التعديلات يجب أن تنبثق من القوى المجتمعية ولابد أن يستشار فيها الشعب”.

وراهنت البوسعداني على التطور الذي حصل في المجتمع وفي مكوناته بما فيها المكونات النسائية والحركة الإسلامية لتستبعد حصول سيناريو 2003، معتبرة “أن هذا النقاش وكل نقاش يمس المجتمع لا ينبغي أن يكون مناسبة للاصطفاف لا الإديولوجي ولا السياسوي، بل نعتبره مناسبة بامتياز للتواصل بين مختلف مكونات المجتمع، تواصل يفرضه ضرورة العيش المشترك. ونعتبر أن ورش المدونة ورش مهيأ بامتياز أن يكون ورشا تدريبيا للإنصات المسؤول والاحترام المتبادل وتقريب وجهات النظر من أجل توسيع مساحة المشترك”.