الختمة الجماعية للقرآن الكريم

Cover Image for الختمة الجماعية للقرآن الكريم
نشر بتاريخ

صورة المسألة:أن تعزم جماعة من الناس على ختم القرآن الكريم تلاوة، فتجزئ المصحف بين أفرادها أجزاءً، كل واحد منهم يقرأ طائفة من القرآن خصصت له، ثم يختم واحد منهم هذه الختمة بالدعاء، وقد يكونون مجتمعين في مكان واحد في مسجد أو غيره، وقد يكونون متفرقين في أماكن متعددة ويتفقون على ختم القرآن الكريم في وقت محدد، والمقصد الغالب من هذه الختمة هو إهداء ثوابها لميت أو مريض أو لدفع بلاء…

1- الاجتماع على ختم القرآن الكريم مجزّءًا

الاجتماع على ختم القرآن الكريم مع قراءة كل واحد جزءا منه يندرج ضمن إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم : “وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”، و(يتلون) لفظ مطلق يصدق على جميع كيفيات التلاوة، وقد نقل عن مالك جواز اجتماع جماعة يقرأ واحد ربع حزب مثلا وآخر يقرأ ما يليه (ينظر حاشية الصاوي على الشرح الصغير 1/423)، وقال النووي في التبيان ص: 103: فصل في الإدارة بالقرآن : وهو أن يجتمع جماعة يقرأ بعضهم عشرا أو جزءا أو غير ذلك ثم يسكت ويقرأ الآخر من حيث انتهى الأول ثم يقرأ الآخر وهذا جائز حسن وقد سئل مالك رحمه الله تعالى عنه فقال لا بأس به).

2-إهداء ثواب ختمة أو أقل لميت أو مريض

المحرر من مذهب مالك وأحمد ورأي كثير من الشافعية أن من قرأ ووهب ثواب قراءته لميت جاز ذلك ، ووصل إلى الميت نفعه وأجره.جاء في شرح الدردير على مختصر خليل1/423: لَا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَجَعْلِ ثَوَابِهِ لِلْمَيِّتِ، وَيَحْصُلُ لَهُ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ…وَقَالَ ابْنُ هِلَالٍ فِي نَوَازِلِهِ : الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْد وَذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَنَّ الْمَيِّتَ يَنْتَفِعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَيَصِلُ إلَيْهِ نَفْعُهُ، وَيَحْصُلُ لَهُ أَجْرُهُ إذَا وَهَبَ الْقَارِئُ ثَوَابَهُ لَهُ، وَبِهِ جَرَى عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَوَقَفُوا عَلَى ذَلِكَ أَوْقَافًا وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ مُنْذُ أَزْمِنَةٍ سَالِفَةٍ)، وفي المغني لابن قدامة 2/423 : وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ، نَفَعَهُ ذَلِكَ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، )وقَالَ الإمام أَحْمَدُ : “الْمَيِّتُ يَصِلُ إِلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي كُلِّ مِصْرَ، وَيَقْرَءُونَ، وَيَهْدُونَ لِمَوْتَاهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إِجْمَاعًا) المبدع في شرح المقنع لابن مفلح 2/281

3-هل يعد القارئ لجزء من القرآن الكريم داخل الختمة الواحدة خاتما للقرآن؟

إهداء جماعة من التالين لكتاب الله تعالى ثواب ما قرؤوه للميت يعد ختمة وتحصل له بركة القرآن المهدى إليه، أما التالون له فأجر ختم القرآن مرجو لهم من باب قوله صلى الله عليه وسلم عند مسلم: “مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا”، والمجتمعون والمجتمعات كلهم دعَوْا إلى ذلك الهدى وهو الاجتماع على ختم القرآن، وبذلك يكون كل تال منهم للقرآن قد ظفر بأجر تلاوته وتلاوة غيره، فيغنم بالتبع أجر تالي القرآن كله، جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي الحنبلي 2/149 : يُثَابُ كُلٌّ مِنْ الْمُهْدِي وَالْمُهْدَى لَهُ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ)

4-الاشتراك في الختمة

ختم القرآن الكريم يندرج ضمن باب التطوع، والاشتراك في التطوع جائز ما لم يمنع من ذلك نص قال تعالى: وافعلوا الخير، فالمشتركون في الختمة القرآنية فاعلون للخير، فهم كالمشتركين في الأضحية، والاشتراك فيها جائز عند الشافعية والحنفية.

5-الدعاء بعد الختمة الجماعية

لا مانع من ذلك بل هذا الصنيع سنة فقد أخرج الطبراني في “المعجم الكبير 18/259 رقم الحديث 647) عن العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من صلى صلاة فريضة فله دعوة مستجابة، ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة”، وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا ختم القرآن الكريم جمع أهله فدعا وامنوا على دعائه.

6-تعليل منع الختمة الجماعية بكون ذلك لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم

عدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم لشيء لا يستلزم عدم جوازه، فقد قرر علماء الأصول أن الترك منه صلى الله عليه وسلم يرد من جهة المنع للشيء المتروك، وذكروا من أنواعه الترك خوف الافتراض)، والترك لما لا حرج في فعله)، وأما صفة الختمة الجماعية فمشمولة بحديث فضل الاجتماع على كتاب الله ، وبما ذكرته قبل، والله اعلم.