تدخل المشرع المغربي من خلال قانون مدونة الشغل على غرار التشريعات المقارنة لإقرار حماية خاصة للمرأة الأجيرة، وبالرغم من عدم تمييز المشرع المغربي بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، كالحق في العمل والمساواة في الأجر والترقية والتكوين المهني والتمثيل النقابي، إلا أنه ليس هناك ما يمنع من وضع مقتضيات خاصة بالمرأة ترقى إلى حمايتها أثناء أدائها للعمل، الأمر الذي دفع بالمشرع المغربي من خلال مدونة الشغل إلى سن مجموعة من المقتضيات القانونية التي تكفل لها هذه الحماية، كحظر عمل المرأة في الأشغال الخطيرة والشاقة وحظر التشغيل الليلي.
أولا- حظر عمل المرأة في الأشغال الخطيرة والشاقة
تتميز المرأة عن الرجل ببعض الخصوصية، كضعف بنيتها الجسدية مقارنة بالرجل، وقيامها بدورها الطبيعي في المجتمع المتمثل في الإنجاب وتربية الأبناء، الأمر الذي يجعلها مؤهلة للقيام ببعض الأعمال دون أعمال أخرى تتميز بالخطورة، مما دفع المشرع المغربي إلى منع تكليف النساء العاملات كيف ما كان سنهن من مزاولة الأشغال الباطنية، وذلك من خلال الفصل 22 من ظهير 1947 الذي ينص على أنه “لا يجوز تكليف الإناث من المستخدمين بمزاولة الأشغال تحت الأرض في المعادن والمناجم”. وأكد هذا المنع في المادة 179 من مدونه الشغل (1): “… في المقالع وفي الأشغال الجوفية التي تؤدي إلى أغوار المناجم.” كما منع تشغيل الأجيرات في بعض الأعمال الشاقة والخطيرة من خلال المادة 181 من مدونة الشغل، حيث نصت على أنه “يمنع تشغيل الأحداث دون الثامنة عشرة والنساء والأجراء المعاقين في الأشغال التي تشكل مخاطر بالغة عليهم أو تفوق طاقتهم”…
ولعل الأساس القانوني الذي ارتكز عليه المشرع المغربي وباقي التشريعات المقارنة في منع تشغيل النساء في الأعمال الشاقة والخطيرة، هو أن هذه الأعمال تتطلب بطبيعتها من الجهد ما يفوق قوة النساء (2) ولما لذلك من تأثير سلبي على صحتهن.
ثانيا- موقف المشرع المغربي من الشغل الليلي
مما لا شك فيه أن فترة النهار هي المدة المناسبة للعمل والكد والسعي لطلب الرزق وفترة الليل للنوم والراحة واسترجاع القوى، سواء تعلق الأمر بالرجل أو المرأة، لكن التطور الحاصل في ميدان العمل أدى إلى تكريس استمرار العمل عن طريق تناوب أفواج الأجراء، الأمر الذي استدعى العمل الليلي، حيث أصبح واقعا مألوفا.
وقد ذهبت أغلب التشريعات إلى منع العمل الليلي على بعض الفئات كالمرأة والأحداث، ومن التشريعات التي كانت سباقة إلى حظر العمل الليلي على النساء المشرع الفرنسي؛ الذي أقر من حيث المبدأ عدم جواز تشغيل النساء في أي شغل ليلي؛ في المصانع، والمناجم، والمحاجر، والورشات، وملاحقها كيفما كانت عامة أو خاصة.
أما المشرع المغربي فبالرغم من مصادقته على الاتفاقيتين رقم 4 (3) و41 (4) المتعلقتين بمنظمة العمل الدولية حول تجريم التشغيل الليلي، إلا أنه تراجع عن المبدأ العام والمتمثل في منع النساء من التشغيل الليلي من خلال المادة 172، التي نصت على أنه “يمكن تشغيل النساء مع الأخذ بعين الاعتبار وضعهن الصحي والاجتماعي في أي شغل ليلي، مع مراعاة الاستثناءات التي تحدده بنص تنظيمي”.
وهنا يجب القول إن النصوص القانونية السابقة لمدونة الشغل كانت تمنع الشغل الليلي عن المرأة الأجيرة، وإن كان ذلك ليس بكيفية مطلقة، مما كان يضمن حماية أكبر للمرأة العاملة. هذا بالإضافة إلى ضعف الجزاءات المقررة لمخالفة المقتضيات التي تمنع تشغيل النساء العاملات في الحالات المنصوص عليها في المادة 177 من مدونة الشغل 65.99 ، والتي يتراوح مبلغ الغرامة فيها بين 300 درهم و500 درهم دون أن تتعدى قيمتها 20000 ألف درهم.
من خلال ما سبق نرى أن المشرع المغربي عند وضعه للمقتضيات القانونية لحماية المرأة الأجيرة، لم يراع ظروف الأجيرة الحامل والمرضع، وخصص نفس نوعية الأشغال لجميع النساء الأجيرات، وهو ما يستوجب تدخل المشرع لملء هذا الفراغ التشريعي، على غرار بعض التشريعات المقارنة التي بلغت شوطا مهما في هذا المجال.
(1) القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل، الظهير الشريف رقم 1.03.194 صادر في 14 من رجب 1424 (11 سبتمبر 2003)، الجريدة الرسمية رقم 5167 الصادرة يوم الإثنين 8 دجنبر 2003.
(2) عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى، 2004، ص: 548.
(3) الاتفاقية رقم 4، اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن عمل المرأة ليلاً، 1919، جامعة منيسوتا، مكتبة حقوق الإنسان.
(4) الاتفاقية رقم 41، اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن منظمة العمل الدولية بشأن العمل ليلا (المرأة) (مراجعة)، 1934، جامعة منيسوتا، مكتبة حقوق الإنسان.