بعد أزيد من 60 سنة على الإقرار الدستوري للحق في ممارسة الإضراب، يأتي السيد يونس السكوري وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات ليلوح بفرض مشروع قانون الإضراب ضدا على النقابات والشغيلة المغربية، هذا القانون الذي هو بمثابة قانون تكبيلي لحق من الحقوق الدستورية ..
فالحكومة تستعجل إخراج هذا القانون بغرض إغلاق باب الإضرابات والاحتجاجات التي تقوم بها عدد من القطاعات ..
ويلاحظ أن أغلب مقتضيات هذا المشروع تتعلق بممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص، بحيث تم تخصيص 22 مادة من أصل 49؛ وكأن الإضراب يُمَارس في القطاع الخاص فقط، في حين تم تخصيص 4 مواد من أصل 49 لتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في القطاع العام، مِما يجعلنا نستنتج أن مشروع هذا القانون جاء بعيدا كل البعد عن الممارسة العملية والواقعية للإضراب، لأن الإشكالات التي تثيرها ممارسة حق الإضراب في القطاع العام (قطاع التعليم والصحة والجماعات الترابية نموذجا) أكثر بكثير وأقل تأثيرا من تلك التي تثيرها ممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص.
ونلاحظ كذلك هيمنة الطابع الزجري على هذا القانون، حيث نجد في بابه الخامس المخصص للعقوبات وجود 12 مادة من أصل 49، وبالتالي فالمُشَرع من خلال هذا المشروع استحضر البعد الزجري أكثر لتنظيم هذا الحق الدستوري.
ولمواجهة هذا المشروع التكبيلي لحق من الحقوق الدستورية، صاغت النقابات الأكثر تمثيلية والمهتمين بالحقل النقابي بيانات تستنكر صياغة هذا المشروع وترفضه جملة وتفصيلا.
فالكونفدرالية الديمقراطية للشغل في بيان مكتبها التنفيذي لـ11 شتنبر 2024 أكدت رفضها التام لمشروع القانون التنظيمي للإضراب الذي تم إعداده بشكل أحادي، وباعتباره مخالفا لأصل دسترته المبني على حماية شرعيته التاريخية، وباعتبار مخالفته كذلك لروح الاتفاقية الدولية 87 وباقي العهود والمواثيق الدولية.
أما نقابة الاتحاد المغربي للشغل في مذكرتها حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب التي صدرت في يوليوز 2024 فأعلنت:
– أنها وبدون مبالغة أمام أسوأ مشروع ضمن مشاريع القانون التنظيمي لحق الإضراب التي جهزتها الحكومات المتتالية منذ أكتوبر 2001 تاريخ طرح أول مشروع.
– أنها أمام مشروع لقانون تنظيمي للإضراب تم طبخه من طرف الحكومة خارج نطاق الحوار الاجتماعي، ودون إشراك الحركة النقابية في بلورته، وذلك بغرض تكبيل وتجريم حق الإضراب بموجب القانون.
ونقابة الفدرالية الديمقراطية للشغل في بيانها لـ02 شتنبر 2024 تجدد رفضها للمنهجية المعتمدة في تنزيل قانون يكفل حقا دستوريا لكل المواطنين والمواطنات وتدعو إلى سحب كل الفصول التقييدية المتضمنة في مشروع القانون، والتي تتنافى بشكل صريح مع الحرية النقابية المكفولة بالدستور وبالاتفاقيات الدولية.
نفس الموقف عبرت عنه مركزية الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، نقابة العدالة والتنمية، حيث أعلنت رفضها لمشروع القانون، ووصفته في بيان لها بأنه مقيد للحق في الإضراب، وأنها تفاجأت ببرمجة مناقشته خارج الالتزامات الحكومية في إطار الحوار الاجتماعي..
أما القطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان في بيانه ليوم الإثنين 30 شتنبر 2024 فيعتبر السياق التراجعي الذي جاء فيه مشروع القانون التنظيمي لممارسة الإضراب 97.15 يجعل منه أداة للضبط والتحكم في يد السلطوية المتغولة لفرض مزيد من التضييق على الحريات النقابية لعموم الشغيلة المغربية تمهيدا لما يستقبل من هجوم على مكتسباتها وحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والنقابية.
ويعلن رفضه له منهجية وشكلا ومضمونا، معتبرا إياه مشروعا انفراديا مقيدا للإضراب ومعرقلا له حد المنع في الكثير من الحالات، ويطالب بسحبه من البرلمان، وإعادته إلى طاولة الحوار الاجتماعي لصياغته بمنهجية تشاركية، تضمن حماية حقوق الشغيلة وحرياتها النقابية. ويدعو الهيئات النقابية إلى تحمل المسؤولية في تجميع الذات في جبهة واسعة موحدة ومناضلة قادرة على تعبئة الصفوف من أجل التصدي لكل المخططات والمشاريع الرامية إلى التطاول على حقوق الشغيلة ومكتسباتها العادلة والمشروعة. ويعلن دعمه لكل الخطوات الجادة التي تفتل في هذا الحبل.
كما جاء رأي المجلس الاقتصادي والبيئي في لجنته الدائمة المكلفة بقضايا التشغيل والعلاقات المهنية أن هذا القانون هو قانون تكبيلي لحق من الحقوق الدستورية للشغيلة المغربية ..
أما رأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فقد جاء في مذكرته بخصوص هذا المشروع أنه لا يرقى إلى المواثيق الدولية والإقليمية، وأبدى ملاحظة شكلية بخصوص غياب ديباجة لهذا المشروع و51 ملاحظة موضوعية واقتراحات لمأسسة الحوار الاجتماعي وتشجيع المفاوضات الجماعية وإبرام اتفاقية الشغل الجماعية داخل المقاولات.
وختم مذكرته بـ13 توصية عامة من بينها :
– المصادقة على الاتفاقية 87 لمنظمة العمل الدولية حول حرية التجمع وحماية حق التنظيم النقابي.
– الإسراع بإخراج مشروع القانون 24.19 المتعلق بالمنظمات النقابية.
– إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي المغربي أو تعديله
أما نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، النقابة الذيلية لحزب الاستقلال المشارك في الحكومة، فغرد خارج السرب النقابي. فقد قال كاتبه العام النعم ميارة أن مركزيته النقابية آمنت بمشروع الحكومة وأعلنت مساندتها لها منذ بدايتها، وأن نقابته منخرطة فيه مع وزير الشغل بعيدا عن كل المزايدات ..
رغم كل هذه الانتقادات والتنديد لهذا المشروع المشؤوم من طرف المركزيات النقابية والمجتمع المدني والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إلا أن الحكومة برمجت مناقشته في غرفة البرلمان، وبعيدا عن طاولة الحوار الاجتماعي كما جاء في البروتوكول الاجتماعي الأخير لشهر أبريل 2024، يوم الخميس 31 أكتوبر، متجاهلة غليان الشغيلة المغربية وضرب حق من حقوقها الدستورية.