الحكاية الريفية في زمن المقاطعة الأبية

Cover Image for الحكاية الريفية في زمن المقاطعة الأبية
نشر بتاريخ

كان يا ما كان في ذاك الزمان، زمن العزة والنخوة والكرامة التي لا تهان، زمن لا تبتاع فيه الذمم بالذهب ولا الورق ولا المرجان ولا توزن بميزان، زمن لا يرضى أن يسقى فيه الحر ماء الحياة بذلة وهوان، ويتجرع العلقم بصبر واحتساب وتفان، زمن غزانا فيه معمر غاشم، في خيرات بلادنا طمعان، زمن بيعت فيه الأرض والعرض بأبخس الأثمان من مفسدين لا يخلو منهم زمان ولا مكان، وتكالبوا وتواطئوا لخدمة العدو وإذلال الأوطان، فقام القائمون رافعين الصوت وسط الخذلان، مطالبين بالحق والعدل ونصب القسط بميزان، كانوا في ربوع وطن كبير يداعب جفونهم النوم ويغالبونه حتى لا تضيع الأوطان، يجاهدون، يناضلون، يفاوضون، ويبحثون لهذا الوطن عن قارب أمان، يموتون ولا يموت الوطن ولا تغتصب الكرامة ولا يتحول الأشاوس الأبطال المغاوير إلى فئران. يصلحون ما بينهم وبين الله الواحد الديان، يأتون أسباب العزة ويلتمسون سبلها ويتبتلون في محاريب الخضوع والشوق في السر والعيان.
كان منهم أيها السيدات والسادة الكرام رجل شهم بأمة، تربى في جبال الريف الشامخة فاكتسب منها الشموخ والهمة، وشرب ماء أنهارها الرقراقة فتعلم الجلد وعدم الرضوخ، ورضع قبلها ألبان العز والتقى والشموخ. فكان أن جهز الجحافل والجيوش لدحر العدو الخائب، وطرد المعمر الغاصب.
وكان أن تضافرت الجهود وتلاحمت القلوب، فكان ما كان مما لا زال التاريخ يذكره بمداد الفخر والعز. وكان أن تشرب أهله وأقاربه ومريدوه ما كان عليه من نخوة وشهامة، وقوة وأمانة، فصاروا كلا لا يحنون إلا لله الجباه، ولا يركعون إلا لصاحب السلطان الأقوى والجاه، لا يقهرهم ذو سلطة دنيوية وإن رماهم بأنكى الأوصاف وأشرس سلاح. دماؤهم دماء عزة، وحياتهم يستخسرونها إذا كانت للحق ثمنا، وللعز عنوانا.
وكان أن كان أيها الكرام، أن همشوا، وهم في حسبان ظالمهم أوباش، لا قيمة لهم في مصرهم قليل النفع كثير الصدع، لا يساوون رزمة خشاش، وتوالت عليهم السنون العجاف المقصودة، وآثار القحط المرغوبة، لا عيش يرجى ولا جامعة ولا مشفى، وعطالة وبطالة قصوى، في مغربنا الأقصى الأقسى، ضيقت عليهم الأرزاق وانغلقت أبواب العطاء، وصار بعضهم للحوت لقمة سائغة، وآخرون ضحايا لضعف الحكامة والسياسات المائعة. طال صبرهم ولا معيل، وطرقوا أبواب دولة صمت الآذان فلا مجيب. خرج أحدهم يوما يطلب الرزق فضيقوا عليه، فتشبت بحقه في سلعة يسد بها الفاقة فطحنوه بماكينة الأزبال، واللسان يسب بلغة الأنذال. قامت السلطة القائمة لتحاسب الساكنة، وواجهت سلمية الاحتجاجات بالقمع والوعيد، وبالضرب والحديد، واختطفوا الشباب والولدان، وبعد التلويح بأحكام الإعدام، إعدادا للرأي العام، حكم القاضي الهمام على الشرذمة المغيظين ببضعة قرون من الأحكام مقسمة على الشباب والغلام الذي لم يتجاوز الستة عشر من الأعوام.
توافق الشعب الكبير ومواليه من ناصري الحق على الشجب بلا تدمير، واستمرار مقاطعة شعب المداويخ النحرير، منتجات الخزي وموازين العهر التي تقام على أنقاض كرامة المساكين، وتهدر أمواله باطلا وبدارا ولا تصرف على الشعب المحقور المقهور، يقينهم أ ن الله ناصر المستضعفين، لا يقيم للباطل دولة، ولا يبقي لها صولة، وأن دولة الحق قائمة لا جدال، و راية العدل سترفرف لا محال، يعلون شعارات غريبة، ويكتبون إشارات عجيبة من قبيل:
#شدونا_كاملين
#مقاطعون
#كلنا_معتقلي_الريف