الحق في التعليم والحماية الأممية لمبدأ المساواة والمجانية

Cover Image for الحق في التعليم والحماية الأممية لمبدأ المساواة والمجانية
نشر بتاريخ

ذ. محمد النويني: محام وباحث في القانون الدولي الإنساني

لا يعتبر التعليم امتيازا أو منحة ومنة تتفضل به الدولة لفائدة مواطنيها، طبعا دون تمييز على مستوى الجنس والانتماء الجغرافي، بل هو حق من حقوق الإنسان الأساسية التي كفلتها العهود والمواثيق الدولية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وغيرها من مصادر القانون الدولي الإنساني.

ولقد شغل الحق في التعليم إجماعا كبيرا بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بحيث أن غالبية النصوص والمواد التي تتعلق بهذا الحق لم تلقى أية معارضة أو تحفظ يذكر من قبل الدول المصادقة عليها، بل غالبا ما كانت تحصد الإجماع الدولي على خلاف باقي الحقوق الأخرى، إيمانا منهم بأن الاستثمار في هذا المجال مربح للغاية ويعود بالنفع العميم للوطن ويحقق له النماء والتقدم والازدهار.

هكذا نجد المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 تؤكد على ضمان الدولة لكل شخص حقه في التعليم مع ضمان مبدأ المجانية، بقولها: ”لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يوفر التعليم مجانا على الأقل في مرحلته الابتدائية والأساسية ويكون التعليم الأساسي إلزاميا، وأن يكون التعليم الفني والمهني متاحا للعموم”. نفس المنحى ذهب إليه العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في المادة 13، والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1966 بقولها: ”تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم، وهي متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية..”.

وتقر الدول الأطراف في هذا العهد بأن ضمان الممارسة التامة لهذا الحق يتطلب، جعل التعليم الابتدائي إلزامياً وإتاحته مجاناً للجميع وتعميم التعليم الثانوي بمختلف أنواعه، بما في ذلك التعليم الثانوي التقني والمهني، وجعله متاحاً للجميع بكافة الوسائل المناسبة، ولاسيما بالأخذ تدريجياً بمجانية التعليم وجعل التعليم العالي متاحاً للجميع على قدم المساواة، تبعاً للكفاءة، بكافة الوسائل المناسبة ولاسيما بالأخذ تدريجياً بمجانية التعليم مع تشجيع التربية الأساسية أو تكثيفها، إلى أبعد مدى ممكن، من أجل الأشخاص الذين لم يتلقوا أو لم يستكملوا الدراسة الابتدائية، والعمل بنشاط على إنماء شبكة مدرسية على جميع المستويات، وإنشاء نظام واف بالغرض، ومواصلة تحسين الأوضاع المادية للعاملين في التدريس..”.

هكذا نجد المادة الثالثة عشر (13) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية فصلت أكثر في مبدأ الأحقية والمجانية الخاصة بالتعليم مقارنة مع المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سالفة الذكر، بحيث أضافت مبدأ المساواة والإلزامية والتعميم في جميع المستويات التعليمية انطلاقا من التعليم الأساسي والابتدائي، ومروراً بالتعليم الثانوي والتقني والمهني، وانتهاءً بالتعليم العالي.

وبرجوعنا إلى الميثاق الأوروبي الاجتماعي لعام 1961 والملحق الإضافي لعام 1988، نجدهما أكدا على إلزامية الحق في التعليم وبكافة مجالاته لما له من أهمية في تطوير الفرد، وهو ما ركز عليه الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان في المادة السابعة عشر، وكفله إعلان القاهرة لحقوق الإنسان من قبل منظمة العمل الإسلامي سنة 1999.

في حين نجد الدستور المغربي عمل على دسترة هذا الحق من خلال مقتضيات الفصول 31 و32 و33 و168 من دستور 2011 بقوله في الفصل 31: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في.. الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة”، إذ جعل هذا الحق مقرونا بالحقوق المرتبطة بالعلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية.

وإذا تصفحنا الفقرة الأخيرة من الفصل 32 من الدستور المغربي، نجده يؤكد صراحة على هذا الحق بقوله: “التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة..”.

وأنه بناء على الفصل 168 من ذات الدستور، يحدث مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بصفته هيئة استشارية، مهمتها إبداء الآراء حول كل السياسات العمومية، والقضايا الوطنية التي تهم التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وسيرها، كما يساهم في تقييم السياسات والبرامج العمومية في هذا المجال.

هذه المؤسسة أدرجها الدستور ضمن هيئات الحكامة الجيدة والنهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية، مما جعلها مدعوة لمباشرة اشتغالها حول إصلاح التعليم المغربي من أجل الإسهام في إرساء تعليم نموذجي قوامه الجودة والإنصاف، وقادر على المساهمة الفعالة في تنمية البلاد وانخراطها الفاعل في مجتمع المعرفة والثقافة وفي ترسيخ القيم الإنسانية وفضائل السلوك المدني.

ترى كيف يصادق مجلس الوزراء، بتاريخ 21 غشت 2018، على مشروع القانون-الإطار رقم 17-51 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، والذي يندرج في إطار الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030 بكل تلك السلبيات والتراجعات المخالفة لما التزم به المغرب دوليا؟

لماذا يقع المغرب سنويا في آخر الترتيب العالمي لمؤشرات النهوض بقطاع التعليم، حيث احتل المغرب المرتبة التاسعة عربيا، والـ101 عالميا في مؤشر “جودة التعليم ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ”، ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻋﻦ المنتدى ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ دافوس 2021؟

ما هي الأسباب الكامنة وراء فشل منظومة التعليم بالمغرب، حسب التقارير الحكومية الرسمية، كان آخرها ما صرح به وزير الداخلية لفتيت خلال كلمته بمناسبة الدورة الثانية للمناظرة الوطنية للمبادرة البشرية، أن 70 في المائة من التلاميذ المغاربة يواجهون صعوبات في القراءة والكتابة.. إضافة إلى أن 28 في المائة من التلاميذ من الفئة العمرية ما بين 12 و14 سنة منقطعون عن الدراسة؟

أين يكمن الخلل؟ هل هو خلل تشريعي، أم خلل مرتبط بغياب إرادة قوية للدولة لتنزيل ما صادقت عليه في هذا المضمار دوليا وما جاء بين دفتي دستور 2011؟