الحج القصد

Cover Image for الحج القصد
نشر بتاريخ

الحج ركن عظيم من أركان الإسلام الخمسة، وهو: لُغةً: التوجّه والقصد، أمّا اصطلاحاً: فهو قصد بيت الله الحرام في فترة الحجّ، والقيام بأعمالٍ مخصوصةٍ؛ طاعةً لله تعالى، وقد عرَّف العلماء الحجَّ شرعاً على أنّه: اسمٌ لأفعالٍ مخصوصةٍ، في أوقاتٍ مخصوصةٍ، في مكانٍ مخصوصٍ، من شخصٍ مخصوص.

للحجّ أركان أربعة، وركن الشّيء: هو ما يقوم فيه الشّيء، وأركان الحجّ: هي ما يقوم فيها الحجّ ويُبتَنى عليها، فإن وُجِدت هذه الأركان صحَّ الحجّ واستقام، وإن لم تُوجد أركان الحجّ أو أحدها فالحجّ باطل. وأركان الحجّ عند المالكيّة والحنابلة هي: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والسَّعي بين الصَّفا والمروة، أمّا الحنفيّة فيقصُرونها على الوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، بينما يزيد الشافعيّة رُكناً خامساً وهو الحَلق أو التّقصير. وللحج فضائل كثيرة لا يمكن لأي مسلم أن ينالها إلا بالتزام آداب مخصوصة حث الشرع عليها، والتي لا يمكن نوالها إن لم نقف على المقاصد البليغة للحج ومناسكه.

فضائل الحج

للحج فضائل كثيرة لا يمكن عدها ولا حصرها، ولكن سنتطرق لأهمها وذلك لإزالة بعض اللبس الذي يحاط بهذه الفريضة، والسعي لحث المسلمين وندبهم لإحيائها.

1- الحج عبادة مكفرة للذنوب

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجح كيوم ولدته أمه. والحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة” (رواه البخاري ومسلم).

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

2- الحج بركة في الرزق

والإكثار من الحج والعمرة ينفيان الفقر. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ (رواه التّرمذي والنّسائي).

3- الحجاج ضيوف الرحمان

والحاج وافد على الله، ومن وفد على الله أكرمه الله. عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر، وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم” (أخرجه ابن ماجة وابن حبان والطبراني). وفي رواية أخرى: الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم” (أخرجه ابن ماجة والطبراني).

4- الحج مغنم لكثير من الأجر والثواب

فالصلاة في المسجد الحرام وكذا المسجد النبوي تفضل عن الصلاة في غيرهما من المساجد، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة، وفي مسجدي هذا ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة» (أخرجه البيهقي في السنن الصغرى).

وفي فضل التلبية: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا” (ابن حجر العسقلاني).

وفي فضل الطواف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طاف بهذا البيت أسبوعاً فأحصاه كان كعتق رقبة”. وقال صلى الله عليه وسلم: لا يضع قدماً ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة وكتبت له بها حسنة”.. (الترمذي).

أما عن فضل مسح الحجر والركن اليماني فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مسحهما كفارة الخطايا” (الترمذي).

وكذا في فضل يوم عرفة قال رسول الله صلى الله عليه سلوم: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهى بهم الملائكة، فيقول: “ما أراد هؤلاء؟” (مسلم).

5- الحج يعدل الجهاد في سبيل الله لمن لا يُكلف به

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: “لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور”. وفي رواية: قلت: يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: “لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج، حجٌ مبرور”. فقالت عائشة: فلا أدعُ الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم” (البخاري).

ونختم هذه الفقرة بتحذير سيدنا علي كرم الله وجهه لمن توانى عن أداء هذه الفريضة وتوفر فيه شرط الاستطاعة، فيما روي عنه مرفوعا قال رضي الله عنه: “من أدركته فريضة الحج ولم يحج ومعه زاده وراحلته، ليس عليه أن يموت إن شاء يهودياً أو نصرانياً” (رواه الترمذي وقال غريب وفي إسناده مقال، وروي نحوه مرفوعاً عن أبي أمامة رضي الله عنه. رواه أحمد والبيهقي وقال إسناده ليس بالقوي).

آداب الحج

1- إخلاص النية لله تعالى

فلا يقصد في حجه رياء ولا سمعة، وتصحيح النية وتخليصها عبادة تتطلب كثيرا من المجاهدة والتمحيص الدائم، ولقد اعتبر كثير من العلماء أن حديت النية أصل لكل العلوم. يقول المرشد رحمه الله في كتاب الإحسان: “قال الإمام السهروردي رحمه الله بعد أن ذكر حديث إنما الأعمال بالنيات: “النية أول العمل، وبحسبها يكون العمل (…) ومن لم يهتد إلى النية بنفسه يصحب من يعلمه حسن النية”.

2- خفض الجناح للمؤمنين وحسن صحبتهم

ومن ذلك أن يقوم الإنسان على خدمتهم بلا منة ولا تباطؤ، وأن يشكرهم إذا قاموا بالخدمة، وأن يتحمل ما يصدر منهم من جفاء وغلظة، وأن يواسيهم بماله وعطفه، ويتفقد حالهم، ولا يتوانى عن تقديم النصح لهم وإرشادهم. ولنا القدوة الحسنة في سلفنا الصالح حيث كانوا – رحمهم الله – يعلمون حق رفيق السفر، فيحسنون صحبته، ويواسونه بما تيسّر لديهم من طعام وشراب، وكان كل واحد منهم يريد أن يخدم أخاه ويقوم بأعماله، لا يمنعه من ذلك نسبٌ ولا شرفٌ ولا مكانة عالية.

قال مجاهد رحمه الله: “صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه، فكان يخدمُني”. وكان كثير من السلف يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم اغتناماً لأجر ذلك، منهم عامر بن عبد قيس، وعمر بن عتبة بن فرقد، مع اجتهادهما في العبادة. وكان ابن المبارك يطعم أصحابه في الأسفار أطيب الطعام وهو صائم، وكان إذا أراد الحج من بلده مر وجمع أصحابه وقال: من يريد منكم الحج؟ فيأخذ منهم نفقاتهم، فيضعها في صندوق ويغلقه، ثم يحملهم، وينفق عليهم أوسع النفقة، ويطعمهم أطيب الطعام، ثم يشتري لهم من مكة ما يريدون من هدايا، ثم يرجع بهم إلى بلده، فإذا وصلوا صنع لهم طعاماً، ثم جمعهم عليه، ودعا بالصندوق الذي فيه نفقاتهم فردّ إلى كل واحد نفقته!

3 – تعظيم شعائر الله وحرماته 

قال تعالى في سياق آيات الحج: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ (الحج، 30)، وقال عز وجل: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ (الحج، 32).

وهذا التعظيم لا يمكن أن يكون وليد اللحظة، بل هو ثمرة قلبية لتربية قبلية لا تتأتى إلا بلزوم صحبة صالحة في ظلال مجالس وارفة. وما هذه الفريضة إلا رباط دائم لا يفتر فيه الحاج عن ذكر الله عز وجل وعن استحضار عظمته في الحل والترحال. روى الإمام أحمد والطبراني عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ أَيُّ الْمُجَاهِدِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا يَا رَسُولُ اللَّه؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرًا، قَالَ فَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ كُلُّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ”.

مقاصد الحج

الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة له مقاصد عظيمة وأسرار خفية، قد تغيب عن أذهان كثير من الناس، فلا بأس من الوقوف على بعضها.

1- إقامة ذكر الله

ويلحظ القارئ لآيات المناسك تكرار الأمر بذكر الله عقب كل منسك، قال تعالى: إذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا. (البقرة، 198 – 199 – 200). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جُعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذِكْرِ اللَّهِ” (رواه أبو داود والترمذي وأحمد..)، وعن سيدنا أبي بكر الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أَيّ الْحَجّ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: “الْعَجّ وَالثّجّ” (الترمذي). الْعَجّ: رَفْعُ الصّوْتِ بِالتّلْبِيَةِ، الثّجُ: إرَاقَةُ دَمِ الْهَدْيِ.

2- التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم واِلتماس صحبته

عن سيدنا جابر – رضي الله عنه – قال: رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: “لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه” (أخرجه مسلم وأوب داود وابن ماجة). فلا بد من اتباع هديه صلى الله عليه وسلم في أداء هذه الفريضة، واقتفاء أثره وإحياء سنته.

كما يجب علينا التأدب أثناء زيارة الروضة الشريفة، واستشعار الروح الطاهرة، لأن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. لذا فزيارته صلى الله عليه وسلم في مماته كزيارته في حياته، إذ أمرنا بالسلام عليه وأن يستغفر لنا كما في الآية الكريمة: وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (النساء، 64)، بل لا مانع من مناجاته والتوسل به في قضاء حوائجنا.

3- التعرض لنفحات يوم عرفة 

يوم عرفة هو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف. عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟” (مسلم)، وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبراً” (أحمد والفسوي والطبراني).

إذا كانت معجزة الإسراء مناسبة لتجليات الأنوار الإلهية والفتوحات الربانية لسيدنا وقرة أعيننا سيد العرب والعجم ومهجة المحبين والوالهين، فإن يوم عرفة يوم الجلوة والمناجاة والوصل للمحبين والمتضرعين والمفتقرين لرحمة رب العالمين. كان أبو عبيدة الخواص يقول في الموقف: واشوقاه إلى من يراني ولا أراه، وكان بعدما كبر يأخذ بلحيته ويقول: يا رب، قد كَبرتُ فأعتقني، وكان ينشد وهو واقف بعرفة:

سبحان من لو سجدنا بالعيون له ** على شبا الشوك والمحمى من الإبر

لم نبلغ العشر من معشار نعمته ** ولا العشير ولا عشرا من العشر

هو الرفيع فلا الأبصار تدركه ** سبحانه من مليك نافذ القدر

وكان سفيان الثوري ممن يقدم الرجاء في هذا اليوم، فقد قال ابن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاث على ركبتيه، وعيناه تهملان، فالتفت إليّ فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: (الذي يظن أن الله لا يغفر لهم).

4- تعميق أواصر المحبة والتآخي والموالاة بين المسلمين

في الحج يتحقق ذلك المعنى الرفيع كما أخبر الله بذلك في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. وإن اختلفت اللغات والأوطان والمشارب فالتعارف من أكبر أسباب الألفة بين أهل الإسلام. كما أنه مناسبة مواتية لمدارسة هموم المسلمين والاطلاع على أحوالهم، لتقديم النصرة الواجبة لهم، وإِن أصبحت الظروف غير الظروف، والأحوال غير الأحوال.

5- تكريم رباني للأمومة من خلال الصفا والمروة 

لا أحد منا يجهل قصة أمنا هاجر وسعيها المضني سبعة أشواط بين جبلي الصفا والمروة بحثا عن قطرة ماء تسقي بها الرضيع المبارك سيدنا إسماعيل المشرف على الهلاك. فكان من بركة هذا السعي جزاء واف لهذه الأم الحانية الرحيمة، إذ تدفق ماء عذب زلالا شاف هو ماء زمزم هبة ربانية للوليد وأمه ومن في الأرض جميعا.

وخلد سعي المرأة الصالحة على رعاية ولدها وحدبها عليه في الأولين والآخرين نسكا وركنا ركينا من أركان الحج، لتعظيم دور الأمومة في المجتمع الإسلامي، وكونها عبادة لا تقل أهمية عن سائر العبادات.

وأخيرا قد يكون الشوق قد بلغ ذروته والعين ترنو للتملي برؤية الكعبة الشريفة والروضة المنيفة، لكن الحال لا يسعف والعبرة حلت محل النظرة، فأبشر أيها العاشق الولهان لزيارة تلك الأوطان ببلوغ المرام بصدق النية. كما أن هناك عبادات مخصوصات تبلغ المقصود: عن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة” (الترمذي). وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر حاج تاما حجته” (الطبراني). ولعل الحدب على المسلمين وتعظيمهم ورعاية حرمتهم وخفض الجناح لهم، أعظم أثرا وثوابا إن غابت روح العبادة والمقصد الأسمى من الحج. فعن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: “مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ؛ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا” (البيهقي).