التواضع من صفات عباد الرحمن

Cover Image for التواضع من صفات عباد الرحمن
نشر بتاريخ

قال تعالى: وَعِبَادُ اُ۬لرَّحْمَٰنِ اِ۬لذِينَ يَمْشُونَ عَلَي اَ۬لَارْضِ هَوْناٗ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ اُ۬لْجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰماٗۖ [الفرقان، 63]. فالتواضع خلق حميد، والإسلام يدعو إلى التواضع والتسامح ويمقت الكبر والمتكبرين، قال تعالى: تِلْكَ اَ۬لدَّارُ اُ۬لَاخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاٗ فِے اِ۬لَارْضِ وَلَا فَسَاداٗۖ وَالْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَۖ [القصص، 83].

فالصفة الأولى لعباد الرحمن أنهم يمشون على الأرض هونا؛ برفق وتواضع، لأنه مهما أعجب المرء بنفسه واختال في مشيته فلن يخرق الأرض بتكبره ولن يبلغ الجبال طولا بتعاظمه، قال تعالى: وَلَا تَمْشِ فِے اِ۬لَارْضِ مَرَحاًۖ اِنَّكَ لَن تَخْرِقَ اَ۬لَارْضَ وَلَن تَبْلُغَ اَ۬لْجِبَالَ طُولاٗۖ [الإسراء، 37].

حتى المشية لها نصيبها من العبودية ولها حظها من الشرف، فالله عز وجل يعلمنا إياها لأنها تعبير عما يدور في نفس صاحبها.

والقرآن الكريم وهو يطلب منا أن يكون مشينا هينا إنما يقصد بالأحرى أن تكون النفوس هينة لينة هادئة سمحة، لا متكبرة ولا متكلفة، قال تعالى: وَلَا تُصَٰعِرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِے اِ۬لَارْضِ مَرَحاًۖ اِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٖ فَخُورٖۖ * وَاقْصِدْ فِے مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَۖ [لقمان، 17-18].

فالله بعزته وجلاله يريد من عبده أن يكون متواضعا لا متكبرا، قال تعالى: وَلَهُ اُ۬لْكِبْرِيَآءُ فِے اِ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِۖ وَهُوَ اَ۬لْعَزِيزُ اُ۬لْحَكِيمُۖ [الجاثية، 36].

ولأن الأمر بالشيء نهي عن ضده، كان لزاما علينا أن نعرف ضد التواضع وهو الكبر؛ تعريفه وأقسامه وعلاجه وكيف نتعامل مع المتكبر.

الكبر: هو دفع الحق ورده وعدم قبوله واحتقار الناس وازدرائهم. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” 1.

والكبر نوعان: باطن وظاهر. الباطن: خلق في نفس الإنسان حيث يرى نفسه فوق الناس، فنفسه الخبيثة جعلته يحتقر الناس. وهذا الصنف عدو لنفسه، قال عنه رب العالمين: إِن فِے صُدُورِهِمُۥٓ إِلَّا كِبْرٞ مَّا هُم بِبَٰلِغِيهِۖ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْبَصِيرُۖ [غافر، من الآية 55].

والظاهر: هو الذي يفيض ظلامه على سلوك المرء، ففجأة تجده تغير بعد أن كان إنسانا عاديا. عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تعظَّم في نفسِه أو اختال في مِشيتِه، لقيَ اللهَ تبارك وتعالى وهو عليه غَضبانُ” 2.

والكبر ثلاثة أقسام:

1ـ تكبر على الله، وهو أفظع أنواع الكبر، مثل قول النمرود “أنا أحيي وأميت”، وقول فرعون “أنا ربكم الأعلى”.

2ـ تكبر على رسل الله، (وَقَالُواْ لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا اَ۬لْقُرْءَانُ عَلَيٰ رَجُلٖ مِّنَ اَ۬لْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍۖ) [الزخرف، 30].

3ـ تكبر على خلق الله، كتكبر الجار على جاره والرئيس على مرؤوسه.

قال أبو حامد الغزالي في الإحياء: “إذا أراد المتكبر علاجا فعليه أن ينظر إلى ما فيه من أسباب التواضع قبل أن ينظر إلى ما فيه من أسباب الكبرياء”. ويقول رضي الله عنه: “يمشي الإنسان والرجيع في أمعائه، والبول في مثانته، والمخاط في أنفه، والوسخ في أذنه، والصندان تحت إبطه، وقد خلق من أقذار، وسكنت في بطنه أقذار، وبعد موته يصير جيفة قذرة. فعلام التكبر يا مسكين. إن كان غرك المال فأنت لست أغنى من قارون، ما نفعه ماله وما عنه أغنى، وإن كان غرك الحكم، فالحكم لا يدوم، قال كسرى لابنه: (لو دام الملك لغيرنا ما وصل إلينا)”.


[1] أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، برقم (91).
[2] أخرجه أحمد (5995)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (549)، والطبراني (13/64) (13692).