التماسك الأسري نواة الاستقرار المجتمعي

Cover Image for التماسك الأسري نواة الاستقرار المجتمعي
نشر بتاريخ

يعتبر الزواج من السنن الإلهية التي فطر الله عليها الإنسان من أجل تحقيق الاستخلاف واستمرار النوع البشري، وبالتالي سيجه بمجموعة من الضوابط الشرعية، قصد تنظيم العلاقات داخل الأسرة، وحمايتها من التفكك الذي ينعكس سلبا على المجتمع وعلى الإعمار الكوني.

فالإسلام ينظر للأسرة على أنها مؤسسة طبيعية تحكمها أخلاق وقيم وتهدف إلى تحصين أفراد المجتمع من الانحلال الخلقي والإباحية. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ” 1.

ولنا عبرة فيما أصبح عليه المجتمع الغربي الذي يدعم الحريّة الجنسية والإجهاض، فكانت النتيجة أنه بات يعاني الويلات بسبب المثلية والجندرية، والعبث في نوع جنس الطفل. ناهيك عن ارتفاع نسبة الأمهات العازبات والأطفال اللقطاء؛ الشيء الذي أصبح يستهدف الفطرة ويشوهها ويساهم مباشرة في هدم منظومة الأسرة أولا ثم انتشار أمراض نفسية وعضوية خطيرة تهدد المجتمع ثانيا.

فدور الأسرة لا يقتصر على جانب التحصين فقط، بل يتعدى ذلك إلى الحفاظ على السكن والاستقرار المجتمعي، لأنها نواة تبنى على التكامل بين الشريكين وليس الصراع والندية. وما يطفو على السطح من مشاكل تهز الأسرة في المجتمعات العربية عامة والمجتمع المغربي خاصة يعزى إلى ضمور مبادئ الإسلام ومقاصده في حياة الكثير من أبناء المجتمع. ثم الانجراف وراء التيارات الغربية وتصاعد الدعوات إلى تقليدها بهدف ضرب المسلمين في أهم العلاقات المقدسة من زواج وإنجاب وتكاثر نوعي، يخدم الأمة ويساهم في تطورها، عوض التدني بها إلى دركات الفساد الأخلاقي، تحت غطاء الحرية الشخصية. فعن أية حرية نتحدث في ظل الصدح بعلاقات رضائية أو مثلية؟ هل هي حرية حقا أم عبودية شهوات ونزوات منحطة بعيدة عن الطهر والعفاف؟ أم هي أنانية هدامة، وانقياد مع هوى النفس؟ وأي تماسك اجتماعي سيظل إذا ما نسفت الأسرة؟ بل الأدهى والأمر أن هذا الوضع الهجين سيشجع الشباب على مزيد من العزوف عن الزواج ما دام الباب مشرعا على مصراعيه أمام الفساد المنظم؛ فما لهم ولتبعات الزواج ومسؤولياته، ومشاكل أرهقت من سبقهم من الرجال، بدءا من التغالي في المهور ونفقات الأعراس، وما يتبع ذلك من هدايا وشروط.. مما ينعكس سلبا على تحقيق السكن والاستقرار، ويؤدي إلى تقويض البيت تحت طائلة ديون وتكاليف فوق الطاقة. ويزداد الأمر حدة مع تمرد شابات انبهرن ببهرجة الحركات النسوية على المجتمع الذكوري في ظل واقعنا المعيش، وما آلت إليه شقيقتهن المرأة من قهر بسبب طلاق جائر، أو تعنيف نفسي ومادي، أو كبد وشقاء من أجل توفير المأوى والكسوة والطعام لها ولأبنائها في زمن انفصمت فيه صلة الرحم مع ذوي الأرحام. يستخلص مما سبق أن الحل لتجاوز هذه التحديات هو العودة إلى أصولنا وتطبيق الإسلام تطبيقا عمليا مع تفعيل باب الاجتهاد فيما يوجب ذلك دون زيغ أو تحريف للنصوص الشرعية.

كنا في إصلاح ما فسد فلنعد إلى تنوير العقل والحكمة؛ يقول الله عز: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]. ويقول سبحانه أيضا: قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ [الأنعام 162]. نقف مع هاتين الآيتين فنستخلص من الأولى أن الله خلق الإنسان لتوحيده وعبادته، ومن الثانية أن كل الأعمال التي يقوم بها هي عبادة لله، وعليه فالزواج يعتبر عبادة نتقرب بها إلى الله، يضبطها قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90]. يأمر الله بالعدل مما يوجب على العبد أن يكون عادلا في جميع شؤون حياته ويؤدي الحقوق الواجبة عليه، ويأمر جل جلاله فيما هو زيادة على العدل بالإحسان مما يعود علينا بالنفع خاصة مع ذوي القربى، الذين خصهم بالذكر رغم أنهم يدخلون ضمنيا في عموم الإحسان، تأكيدا على حقهم وبرهم، وأقرب القربى أفراد الأسرة من زوج وزوجة وأبناء. لتنتهي الآية بالنهي عن الفحشاء -أي الذنوب الكبيرة كالزنا مثلا-، والبغي -أي ظلم الناس والاعتداء عليهم-، فكيف لا تصبح حياتنا طيبة، وأسرنا نعمة في رحاب هذه القواعد الثلاث.

ختاما يمكن القول بأن دينا بهذه الدقة والشمولية لا يمكن اتهامه بالقصور والحيف، وإنما العيب في أولئك الذين يسيئون فهمه وتطبيقه.


[1] رواه البخاري (5066) ومسلم (1400).